الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 15:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
توطئة
بلغ حجم سوق الأدوية العالمي 1,67 تريليون دولار في عام 2024 ومن المتوقع أن يزيد من 1,77 تريليون دولار سنة 2025 وإلى ما يقرب من 3,03 تريليون دولار سنة 2034، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 6,15% بين سنتَيْ 2025 و 2034، وبلغت إيرادات الشركات العشر الأولى 550,5 مليار دولارا سنة 2023
تهيمن الولايات المتحدة الأميركية على صدارة صناعة الأدوية عالمياً. الشركات الثلاث الأولى في العالم بقطاع صناعة الأدوية أميركية، تتصدّرها "فايزر" الشهيرة. كذلك تحضر شركتان أميركيتان أخريان في قائمة الشركات العشر الأوائل من حيث الإيرادات، مقابل ثلاث شركات أوروبية وشركة وحيدة من الصين. وهذه البيانات وفقاً لموقع شركة Dun & Bradstreet والتقارير السنوية لشركات الأدوية المعنية لغاية يناير 2024، وشكّل انتشار وباء كوفيد -19 وفَرْض اللّقاح على جميع سكان العالم نقطة تحول هامة ومحركاً لسوق الأدوية مما رفع إيرادات بعض الشركات وثروات أصحاب الأسهم، وعلى سبيل بلغت إيرادات شركة فايزر 100,3 مليار دولارا سنة 2023 وشركة ميرك ( MERCK ) 59,3 مليار دولارا وشركة أبفي ( ABBVIE ) 58,1 مليار دولارا وهي الشركات الأكبر وثلاثتها أمريكية، وتُعرْقِل الشركات الكبرى تصنيع وتسويق الأدوية الجنيسة، عند انتهاء فترة الإحتكار ( حقوق الملكية الفكرية)، أو تُؤسّس شركات تابعة لها لهذا الغرض...
الأدوية الجنيسة
الدواء الجنيس هو دواءٌ مُصمَّمٌ ليكون مماثلاً لدواءٍ ذي علامةٍ تجاريةٍ مُسوَّقٍ بالفعل، من حيث الجرعة والسلامة والقوة والجودة، وخصائص الأداء، والغرض من الاستخدام. تُساعد هذه التشابهات على إثبات التكافؤ الحيوي، أي أن الدواء الجنيس يعمل بنفس الطريقة ويُوفِّر نفس الفائدة التي يُوفِّرها الدواء ذو العلامة التجارية من حيث السلامة والفعالية والقوة والثبات والجودة، وكذلك في طريقة تناوله، كما أن للأدوية الجنيسة نفس المخاطر والفوائد التي توفرها الأدوية ذات العلامات التجارية، مما يُمكِّنُ من تناول دواءٍ جنيسٍ كبديلٍ بسِعْر أرخص، مُساوٍ لنظيره ذي العلامة التجارية.
يُفْتَرَضُ اعتماد الأدوية الجنيسة والسماح بِبَيْعها بعد مراجعة دقيقة، وبعد فترة زمنية محددة من طَرْح المنتج الأصلي في الأسواق، أي الفترة التي يكون خلالها الدّواء الأصلي محميا ببراءات اختراع تمنع الآخرين من صنع وبيع نسخ من الدواء نفسه، وعادةً ما تكون تكلفة الأدوية الجنيسة التي تقل أسعارها بنسب تتراوح بين 80% إلى 85% مقارنة بأسعار الدواء ذي العلامة التجارية، لأن سعرها لا يتضمن تكلفة الدراسات الحيوانية والسريرية (البشرية) المطلوبة للأدوية ذات العلامات التجارية لإثبات سلامتها وفعاليتها، ولأنها تعتمد على هوامش ربح ضئيلة، وسلاسل توريد دقيقة، ولذلك قدّر معهد IMS الصحي، إن الأدوية الجنيسة وَفَّرت على نظام الرعاية الصحية الأمريكي حوالي 2,2 تريليون دولار بين سنَتَيْ 2009 و 2019، وقُدِّرَ حجم إيرادات "سوق الأدوية الجنيسة" بقيمة 413,60 مليار دولارا سنة 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 508,79 مليار دولار أمريكي سنة 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4,23% خلال الفترة المتوقعة (2024-2029)
سجلت أعداد وكذلك أسعار العلاجات الجديدة المتوفرة للسرطان والأمراض الوراثية الأخرى ارتفاعا هائلا خلال السنوات القليلة الماضية، مما أدى إلى تذَمُّر مسؤولي النظم الصحية وشركات التأمين الصّحّي التي رفض بعضها تعويض الأدوية مُرتفعة الثّمن، مما اضطر المرضى الفُقراء ومتوسطي الدّخل إلى اقتراض الأموال من أجل العلاج ولتسديد ثمن بعض أنواع العقاقير، وتُوَفِّرُ الأدوية الجنيسة بعض الحُلُول الجُزْئِيّة، فهي النسخ منخفضة التكلفة من الأدوية الأصلية بعد انتهاء صلاحية براءات اختراعها، وأصبحت تمثّل معظم الوصفات الطبية، في جميع أنحاء العالم، لعلاج مجموعة من الأمراض الشائعة والمزمنة، من السّكّري والالتهابات إلى أمراض القلب والأوعية الدموية، وتتخوف الشركات المُصنّعة لهذه الأدوية الجنيسة ( وأهمّها في آسيا) وكذلك منظومات الرعاية الصحية والأطباء وشركات ومؤسّسات التّأمين الصّحي من تأثير الزيادة الأمريكية في الرسوم الجمركية ( ما لا يقل عن 25% على الأدوية الأصْلِيّة والجنيسة) التي قد تؤدي إلى زيادة التكاليف في كافة أنحاء العالم وإلى توقف الإنتاج ونقص في الأدوية، وإلى خروج بعض الشركات من الأسواق الرئيسية، لأن الصين تنتج نحو 80% من المواد الفعالة المستخدمة في الأدوية على مستوى العالم، وهي المكونات الرئيسية التي تمنح الأدوية فعاليتها العلاجية، كما يُعزى إنتاج بعض الأدوية الجنيسة الواردة في قائمة منظمة الصحة العالمية للأدوية الأساسية بالكامل إلى الصين، وتنتج الصين والهند نحو 80% من المواد الفعالة المستخدمة في صناعة الأدوية الجنيسة، و40% من الأدوية النهائية المُوجّهة للسوق الأوروبية. أمَّا في الولايات المتحدة وحتى سنة 2021، فقد تمركزت 90% من منشآت إنتاج المواد الفعالة للأدوية الجنيسة خارج البلاد، ويتم تصنيع نحو ثُلُثَيْ الأدوية النهائية خارج الأراضي الأمريكية، وتستورد الولايات المتّحدة مباشرة من الصين نحو 16% فقط من الأدوية الجنيسة، ولكن تمثل الأدوية الجنيسة القادمة من الهند نحو 40% من الأدوية الجنيسة المُباعة في السوق الأمريكية، وتعتمد الهند بدورها على الصين في حوالي 80% من المواد الفعالة وتُشير التقديرات، بنهاية 2023، أن 90% إلى 95% من حقن الأدوية الجنيسة المُستخدمة في المستشفيات الأمريكية، وأقسام الطوارئ، تعتمد على مواد أولية أو فعالة مستوردة من الصين والهند، وشكّلت الأدوية الجنيسة والبيولوجية المشابهة نحو 90% من الوصفات الطبية في الولايات المتحدة، ولكنها لا تُمثل سوى 13,1% من إجمالي الإنفاق الدوائي وفق رابطة الأدوية المتاحة بنهاية كانون الثاني/يناير 2025، وبذلك خفض النظام الصحي الأمريكي إنفاقه خلال عام واحد، بنحو 370 مليار دولار وقد يؤدي فرض رسوم جمركية على واردات الأدوية إلى ارتفاع الأسعار محليًا وتَضرّر الفقراء ممن لم يتمكّنوا من تسديد أقساط التأمين الصحي التي ترتفع بمعدلات تصل إلى 10% سنويا، وفق موقع "فيرس فارما" (Fierce Pharma ) بتاريخ 08 آب/أغسطس 2025.
خاتمة
يمكن خفض الإنفاق الصّحّي بإقرار برامج وقاية وتوعية صحية وغذائية للمواطنين بهدف خفض استهلاك السّكّرِيّات والدهون، واستهلاك الأغذية العضوية المحلية، مع المواظبة على ممارسة المَشْي والتّمارين الرّياضية البسيطة، للبقاء بصحة جيدة وتشجيع إنتاج واستخدام الأدوية البديلة التي لا تثري شركات الأدوية الكبرى...
قدّرت دراسة بَحْثِيّة إيطالية أن 7% من السكان قد تخلوا عن العلاج الذي يحتاجونه، وتخلّى أكثر من 3,5 ملايين مواطن إيطالي ( دون إدماج المهاجرين واللاجئين ) عن الذهاب إلى المستشفيات والعيادات للحصول على الخدمات الصحية، لأسباب اقتصادية وكذلك بسبب طُول قوائم الانتظار، مما يُشير إلى تدهور قطاع الصحة في ثالث أكبر اقتصاد أوروبي، فما بالك بالوضع في مصر أو بنغلادش أو مالي والبلدان الفقيرة، وما إيطاليا سوى نموذج لما يحصل في كافة الدّول المُصنّعة، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة، حيث يشمل التّأمين الصحي ( الحدّ الأدنى الحكومي أو التّأمين بواسطة العمل أو التّأمين الشخصي والعائلي) نحو 92% من المواطنين ( أرقام سنة 2023) لكن التّأمين لا يُغطِّي كافة المصاريف ولذلك يُعاني أكثر من 40% من الأمريكيين الدُّيُون الطبيّة، ويفتقر النظام الصحي الأميركي إلى السقف الذي يحمي المرضى من تراكم الديون، وتؤكد البيانات أن العاملين لحسابهم الخاص، أو أصحاب الأمراض المزمنة، هم الأكثر تضررا، لا سيما في ظل ارتفاع التكاليف وغياب آليات الحماية الكافية، فيما اشتهرت كوبا المُجاورة والفقيرة - بفعل الحصار الأمريكي منذ أكثر من ستة عقود – لاستثمار مواردها الشحيحة في التعليم والصحة، واشتهرت بجودة الرعاية الصحية المَجانية، وصرّح الزعيم فيدل كاسترو ( 1926 – 2016) : "نحن في كوبا نموت بسبب الشيخوخة، وليس بسبب رداءة أو نقص الرّعاية الصّحّية"
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟