|
|
صنع الله إبراهيم - شمعة أخرى تنطفئ
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8435 - 2025 / 8 / 15 - 11:07
المحور:
الادب والفن
صنع الله إبراهيم: القاهرة 24 شباط/فبراير 1937 – 13 آب/أغسطس 2025
نَشَر 16 رواية كانت بمثابة توْثِيق نَقْدِي للسّلطة وللمجتمع وموقف ينحاز إلى صف الفُقراء والشُّعُوب التي تُناضل من أجل العدالة والحُرّيّة، ودخل السجن بسبب هذه المواقف المُنْحازَة والجريئة التي اشتهر بها، ومن بينها رَفْض جائزة "ملتقى الرواية العربية" سنة 2003، وهو في السادسة والسّتّين من العمر، وأعلن بالمناسبة، أمام المَلآ، بمكان الإحتفال بمسرح دار الأوبرا بالقاهرة: " في هذه اللحظة التي نجتمع فيها هنا، تجتاح القوات الإسرائيلية ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وتقتل النساء الحوامل والأطفال، وتشرّد الآلاف، وتنفّذ بدقة منهجية واضحة خطة لإبادة الشعب الفلسطيني، ومع ذلك، تستقبل العواصم العربية زعماء إسرائيل بالأحضان، وعلى بُعد خطوات من هنا، يُقيم السفير الإسرائيلي في طمأنينة، وعلى بُعد خطوات أخرى يحتلّ السفير الأميركي حيّاً بأكمله من العاصمة، بينما ينتشر جنوده في كل ركن من أركان الوطن الذي كان عربياً..." وعَلّب رفضه تسلّم الجائزة "إنها صادرة عن حكومة تقمع شعبنا وتحمي الفساد"، وانتقد السياسة الدّاخلية والخارجية للنّظام المصري والخضوع للإملاءات الأمريكية و "التطبيع مع إسرائيل التي تمارس القتل وتشكل تهديدًا فعليًّا لحدودنا الشرقية".
بعد 25 كانون الثاني/يناير 2011، علّق صنع الله إبراهيم قائلاً: "إن ما جرى في ميدان التحرير لم يكن ثورة بالتأكيد، فالثورة لها برنامج وهدف: تغيير كامل للواقع أو إزاحة طبقة اجتماعية بأخرى... ما حدث كان انتفاضةً شعبيةً مَطْلَبُها الأساسي هو تغييرُ النظامِ، رغم أن معنى هذا لم يكن واضحاً، باستثناء الإطاحة بأبرز رموز النظام القديم".
يُعد صنع الله إبراهيم من أبرز الروائيين المصريين المعاصرين، وهو من ذوي التّوجُّه الإشتراكي ولم ترْدَعْه سنوات السّجن عن نقد النظام المصري والأنظمة العربية والتّنديد بالتّطبيع وبالخُضُوع للإمبريالية الأمريكية، واعتُقِلَ وسُجِنَ ست سنوات بداية من 1959، خلال الحملة التي شنتها السّلطات النّاصرية على اليسار، بسبب انضمامه إلى "الحركة الدّيمقراطية للتحرّر الوطني" التي اشتهرت باسم "حدتو"، وهي منظمة شيوعية سرّيّة، وذلك لما كان طالبا بكلية الحقوق في جامعة القاهرة، ودَوّن تجربة السّجن في "يوميات الواحات" والواحات هو إسم أحد السجون ( مثل أبو زعبل والقلعة) التي "أقام " بها صنع إبراهيم، واعتبر هذه السّجون الجامعة الفِعْلِيّة التي تخرّج منها كأديب لأن "الكتابة ليست مهنة فحسب، بل شكلاً من أشكال المقاومة"
ترجم صنع الله إبراهيم بعض الأعمال الأدبية وأَلّفَ بعض كُتُب الأطفال، وكتب 16 رواية أهَمُّها
تلك الرائحة سنة 1966، عقب خروجه من المعتقل، وصادرت السّلطات ( خلال رئاسة جمال عبد النّاصر) الرواية وحُظرت أي تغطية إعلامية ثم صدرت غير كاملة بسبب حذف الرقابة بعض الصفحات والمقاطع، ولم تصدر كاملة إلا سنة 1986 بعد ظهور نسختين منقوصتين، واحدة منهما في القاهرة، والأخرى في بيروت، واعتبرت الرقابة "إن الرواية خَرَقَت الحدود الأخلاقية للمجتمع " ووصفها يحي حقِّي ب"البذيئة والفَجّة" فيما دافع عنها يوسف إدريس
صدرت "نجمة أغسطس" سنة 1974، ودَوّنت في شكل روائي استكمال بناء السد العالي، من خلال وقائع الزيارة التي قام بها صحافي لأسوان وموقع السّدّ العالي، بأسلوب توثيقي يمزج اللحظة الرّاهنة بالتاريخ والتجربة الفردية بالتجربة الجَمْعِيّة والحُلْم بالواقع...
نُشِرت رواية "اللجنة" سنة 1981، ويمكن تلخيص وقائعها في انتصاب لجنة حكومية غير واضحة المهام والأهداف، استدعت شخصًا للمثول أمامها واستجوابه دون أن يُدْرِك القارئ ولا "المُتّهم" طبيعة وسلطة هذه اللجنة، كرَمْز للمؤسسات الرّسمية وجهاز الدّولة الذي يُمارس القمع الظّاهر وكذلك القمع "النّاعم"
بعد نَشْر رواية اللجنة (1981) نُشرت رواية "بيروت بيروت" سنة 1984، والتي يقول عنها في إحدى المقابلات الصحفية: "أمضيت في بيروت حوالي شهر، وكنت قد انتهيت لتوّي من كتابة "اللجنة" و "تلك الرائحة"، وقلت لنفسي: كفى من هذا… أريد أن أكتب قصّة حب، ولكن ما إن بدأت أكتب، حتى وجدت نفسي غارقاً في الحرب الأهلية اللبنانية، وقلت لنفسي: أليس من المفترض أن أحاول فهم ما يحدث هنا بالضبط؟ فبدأت أُجري أبحاثاً، ووجدت أفلاماً، ووثائق، وما إلى ذلك، وذهبت إلى الأرشيفات"... تتناول الرواية وضعًا "قوميا" عربيا وليس محلّيا عن اشتداد المعارك إبّان الحرب الأهلية اللبنانية، وما خلّفته من خراب وانقسام في عاصمة الحرية الثقافية العربية التي احتضنت المقاومة الفلسطينية والمُعارضين واللاّجئين والمقموعين العرب.
نُشِرت رواية "ذات" سنة 1992 واستمرّ صنع الله إبراهيم في استخدام الوثائق لِرَصْد التحولات الاجتماعية والسياسية خلال أكثر من عِقْدَيْن، ( بين خمسينيات وسبعينيات القرن العشرين) وتحولت إلى مُسلسل تلفزيون من إخراج كاملة أبو ذكرى سنة 2013، ونجحت الرواية بإبْداع في رَصْد فترة من التحولات السياسية والإقتصادية والإجتماعية في مصر، من خلال الحياة اليومية لموظفة ( إسمها "ذات" ) واستخدام الوثائق ومقتطفات من الصّحف التي تُشير إلى التّحوّلات المفروضة على المواطن الذي يُؤْمَرُ بالتّكَيُّف مع انتشار الإستهلاك وتدهور قطاعات الصحة والتعليم والنّقل والقِيَم...
نُشِرت رواية "شرف" سنة 1997 لتدوين وقائع الحياة اليومية في السجون المصرية كمرآة للمجتمع الذي يتميز بالإنقسام الطّبقي والإستغلال والفساد وانتشار الرّشْوة والقمع والإهانة، وما إلى ذلك من نتائج الخصخصة و"الإنفتاح الإقتصادي" خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، مما يُحوّل السجن إلى مجتمع صغير وإلى فضاء يخضع لموازن القوى، يُنتج ويستغل وإلى سوق استهلاك وإلى فضاء قمع شديد...
استلهم صنع الله إبراهيم رواية "وردة" التي نشرها سنة 2000، من سيرة امرأة عُمانية ثائرة ( ضمن الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي) ضد السلطان سعيد ثم ابنه قابوس الذي نظم انقلابا ضد والده بدعم من دول أوروبية وشاه إيران، وهي رواية قاتمة تُثير تزييف التاريخ الرسمي للوقائع، ترصد الرواية غَدْر الثورة وانكسار الحُلْم الثّوري وخيبة بعض الثائرين الذين اصطدموا بواقع الشعوب وبالتحالفات بين السّلطة والإمبريالية...
نشر رواية «أمريكانلي» سنة 2013 وهي نقد للمجتمع الأمريكي من داخله، من خلال أكاديمي مصري يصطدم بزَيْف "النّموذج الحضاري " الأمريكي وزَيْف الدّيمقراطية الأمريكية التي تُحول الليبرالية إلى أداة رقابة تنتهك الحريات وحقوق الإنسان، من خلال القمع اليومي وسطحية العلاقات وتزييف وسائل الإعلام للواقع...
كما نَشر صنع الله إبراهيم أعمالا أخرى من ضمنها "برلين 69" و "التّلَصُّص" و "العمامة والقُبّعة" ( عن الغزو الفرنسي لمصر بين سنَتَيْ 1778 و 1801 وغيرها من الروايات ومن الترجمات والقصص، وتندرج جميعها في إطار الكَشْف والتّوثيق والنّقد كأشكال من المُقاومة الأدبية والسياسية...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذّكرى الثلاثون للتطهير العرقي في البَلْقَان
-
تونس – دفاعًا عن الإتحاد العام التونسي للشغل
-
من كواليس التحالف الأمريكي الصهيوني
-
اقتصاد الحرب - ازدهار زمن التقشف
-
مُتابعات - العدد السادس والثلاثون بعد المائة بتاريخ التاسع م
...
-
جوانب من العلاقات الصهيونية – الصّينِيّة
-
سوريا وخرائط الغاز
-
تحويرات خطيرة لأهداف منظمة الصحة العالمية
-
بعض الملاحظات عن فلسطين منتصف سنة 2025
-
مراسلون بلا حدود، نموذج من المنظمات غير الحكومية المُرتزقة
-
عَسْكَرة الإقتصاد والعلاقات الدّولية
-
مُتابعات - العدد الخامس والثلاثون بعد المائة بتاريخ الثاني م
...
-
تأثير المُقاومة على اقتصاد العَدُوّ
-
الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة – علاقات غير متوازنة
-
خطاب مسموم مَطْلِيٌّ بالعسل - نموذج تركيا وقَطر
-
التّكنولوجيا في خدمة الإيديولوجيا
-
مُتابعات - العدد الرّابع والثلاثون بعد المائة بتاريخ السادس
...
-
فلسطين – إدانة للكيان الصهيوني في مؤتمر بوغوتا
-
بعض تداعيات الحرب التجارية
-
إسبانيا – عودة فرنسيسكو فرنكو؟
المزيد.....
-
التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
-
الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي
...
-
مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر
-
-المعرفة- في خدمة الإمبريالية والفاشية والاستبداد
-
روزي جدي: العربية هي الثانية في بلادنا لأننا بالهامش العربي
...
-
إيران تكشف عن ملصق الدورة الـ43 لمهرجان فجر السينمائي
-
هوس الاغتراب الداخلي
-
عُشَّاقٌ بَيْنَ نَهْرٍ. . . وَبَحْر
-
مظهر نزار: لوحات بألوان صنعاء تروي حكايات التراث والثقافة با
...
-
في حضرةِ الألم
المزيد.....
-
يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال
...
/ السيد حافظ
-
ركن هادئ للبنفسج
/ د. خالد زغريت
-
حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني
/ السيد حافظ
-
رواية "سفر الأمهات الثلاث"
/ رانية مرجية
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
-
المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون
...
/ د. محمود محمد حمزة
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية
/ د. أمل درويش
-
مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز.
...
/ السيد حافظ
-
إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|