أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - الذّكرى الثلاثون للتطهير العرقي في البَلْقَان















المزيد.....


الذّكرى الثلاثون للتطهير العرقي في البَلْقَان


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 8434 - 2025 / 8 / 14 - 09:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من منطقة "كريينا" الصربية 1995 إلى غزة 2025
صادف الرابع من أغسطس الذكرى الثلاثين لعملية العاصفة ( 04 آب/أغسطس 1995)، وهي حملة عسكرية نفّذتها قوات كرُواتيا ضد المدنِيِّين الصِّرْب ( كانت صربيا وكرواتيا أهم مكونات يوغسلافيا الإتحادية السابقة وكان السّكّان يستقرون في أي منطقة من مناطق يوغسلافيا الإتحادية، يختارونها أو يجدون بها عملا، وكان الزواج مختلطا بين جميع مكونات البلاد)، وكانت هذه العملية هجومًا خطّط له حلف شمال الأطلسي، ونفّذته قواتٌ كرُواتية مُسلّحةٌ ومدربةٌ أمريكيًا، بتنسيقٍ مباشرٍ مع قوى "غربيةٍ" أخرى، أدّى إلى إحدى أكبر عمليات التّطهير العرقي وقتل مئات الآلاف من الصّرب خلال أيام قليلة، بزعامة قائد فاشي كرواتي مدعوم من الولايات المتحدة، وفق الوثائق التي رُفِعت عنها السِّرِّيّة مُؤَخّرًا، وبينما أيّدت واشنطن علنًا السلامَ التفاوضي، شجعت المليشيات الفاشية الكرواتية سرًا على إظهار أقصى درجات العدوانية، ولو أدّى ذلك إلى اختفاء جميع السكان الصِّرْب للبلاد، وبعد المجازر التي نفّذتها قوات تتبنّى الإيديولوجية الفاشية علنًا – وهي وريثة المليشيات التي تعاونت مع الإحتلال الفاشي خلال الحرب العالمية الثانية - أكد الدّبلوماسي الأمريكي ريتشارد هولبروك، وكيل وزارة الخارجية في إدارة الرئيس وليام كلينتون، مُخاطبا الرئيس الكرواتي ( الذي تعاون مع ألمانيا النازية في شبابه وأسس مليشيا أعاد إحياءها خلال تلك الحرب الأطلسية لقتل المواطنين الصرب والمسلمين) : "لقد أعلنا في وسائل الإعلام وفي الإجتماعات الدّولية[...] أننا نشعر بالقلق، ولكن في الخفاء، كنتم تعلمون ما نريده " ( أي القضاء على الصّرب الذين عارضوا المخططات الأمريكية والأطلسية في أوروبا الشرقية)، وكتب أحد مستشاري هولبروك في مذكرة حجبها الدبلوماسي لاحقًا: "قد استُخْدِمَت القوات الكرواتية كحراس أمن لواشنطن لتدمير يوغوسلافيا" وانطلقت الحملة العسكرية التي أفضت إلى إبادة جماعية بِطَرْد جميع السكان الصرب من كرواتيا، بقوة السلاح ووصف السياسي السويدي كارل بيلت هذه العملية بأنها "أكثر عمليات التطهير العرقي فعالية التي شهدناها في البلقان"، حيث اجتاحت القوات الكرواتية المناطق المحمية من قبل الأمم المتحدة في جمهورية كرايينا الصربية المعلنة من جانب واحد، نهبًا وحرقًا واغتصابًا وقتلًا أثناء تقدمها عبر الإقليم، وفَرّ ما حوالي 350 ألفًا من السكان، غالبًا سيرًا على الأقدام، ولم يعودوا أبدًا، كما تم إعدام الآلاف بإجراءات موجزة، تحت أنظار "قوات حفظ السلام" التابعة للأمم المتحدة، المكلفة بحماية كرايينا، وأنكر قادة الولايات المتحدة أن تكون هذه المجازر والنزوح الجماعي بمثابة جرائم حرب أو تطهير عرقي، وأعلن عقيد بريطاني من قادة قوات الأمم المتحدة: " إن الخطة العسكرية الكرواتية كانت من تصميم خرّيجي الكُلِّيّات العسكرية لحلف شمال الأطلسي في أمريكا الشمالية أو أوروبا الغربية "، وأظهرت الوثائق التي تم رفع السّرّيّة عنها إن الجيش الأمريكي خطّط للحرب الخاطفة لقتل أكثر ما يمكن من السكان الصّرب وترويع النّاجِين من المجازر لكي يفرّوا بأسرع وقت ممكن، مثلما حصل في فلسطين إبّان النّكبة، وتباهى قادة كرواتيا بسفك الدماء والقضاء على السكان الصرب في كرواتيا تمامًا، بدعم أمريكي وأطلسي مباشر، وأعلنوا اجتماع المسؤولين الكرواتيين مع مسؤولين أمريكيين للاحتفال بانتصارهم.
بعد طرد السكان الصرب من كرواتيا وانفصالها عن يوغسلافيا، اعتمد النظام الكرواتي حديث التأسيس على هذا النظام لفرض الهيمنة الأمريكية والألمانية، ليس فقط على البلقان، بل على جميع أنحاء أوروبا، ولا تزال التوترات العرقية التي يغذيها حلف شمال الأطلسي (الناتو) في المنطقة مُسْتَعِرَة، وتم استغلالها لتبرير احتلال دائم، ولا تزال يوغوسلافيا السابقة تعاني من ندوب عميقة جراء عمليات القتل الجماعي والتّطهير العرقي، فيما اعتبر حلف شمال الأطلسي هذه العملية ( التي سُمِّيت "عملية العاصفة") نموذجًا لحروب الوكالة والهجمات العسكرية اللاحقة، وقد كررت الولايات المتحدة استراتيجية استخدام المقاتلين الأجانب المتطرفين كقوات ضاربة في مختلف مسارح العمليات، من سوريا إلى أوكرانيا.

الدّعم الإمبريالي للفاشيين الكرواتييين ومخطط "النّقاء العِرْقي" المزعوم
كانت يوغسلافيا جمهورية اتّحادية بعد تحريرها من الإحتلال الفاشي ( الإيطالي والألماني) خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت صربيا وكرواتيا أهم إقْلِيمَيْن بها، وسَرّعَت وضاعفت القوى "الغربية، بزعامة الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا والفاتيكان، طوال ثمانينيات القرن العشرين، دعمها الفكر القومي الشوفيني، وخصوصا من مُخلّفات الفكر الفاشي الذي كان سائدًا في كرواتيا قبل تأسيس يوغوسلافيا الإتحادية، وتمكنت القوى "الغربية" من تأجيج تفكك الاتحاد متعدد الأعراق، وكان ممثلها في كرواتيا، فرانيو تودجمان، أصوليًا كاثوليكيًا وعضوًا في جماعات انفصالية متطرفة، تمتد أصولها إلى النّازية، وشنت هذه الفصائل الفاشية حملة إرهابية في أوائل السبعينيات من القرن العشرين، ومن بينها اختطاف وتفجير طائرات تجارية، ومهاجمة البعثات الدبلوماسية اليوغوسلافية في الخارج، واغتيال فلاديمير رولوفيتش، سفير بلغراد في السويد، سنة 1971...
بعد تجدد العنف الانفصالي الكرواتي في يوغوسلافيا، سُجن تودجمان ( آذار/مارس 1972) مع شريكه المقرب ستيبان ميسيتش بسبب البروباغندا والمُمارسات الفاشية، وبعد ثمانية عشر عامًا، عندما أجرت أول انتخابات متعددة الأحزاب منذ الحرب العالمية الثانية، فاز الاتحاد الديمقراطي الكرواتي (HDZ)وهو الحرب الفاشي الذي يتزعمه تودجمان وميسيتش، بأغلبية الأصوات والمقاعد في البرلمان، وبذلك أصبح تودجمان رئيسًا، وميسيتش رئيسًا للوزراء، ومع صعود الفاشية الكرواتية، تم طَرْد المواطنين من أصُول صربية من كافة المؤسسات العامة، ولم يتنكّر فرانيو تودجمان وستيبان ميسيتش لماضيهما الفاشي، بل تم إحياؤه وتحديثه، وأبْدى توجمان، خلال الحملة الانتخابية "احترامه الكبير لدولة كرواتيا المستقلة"، الكيان الدمية الذي أنشأه النازيون وحكمه المتعاونون المحليون بوحشية من نيسان/ابريل 1941 إلى أيار/مايو 1945، واصفًا هذا الكيان الفاشي بأنه "تعبير عن التَّطَلُّعَات التاريخية للشعب الكرواتي"، وفي سياق آخر، أعلن صراحةً: "الحمد لله، زوجتي ليست صربية ولا يهودية".
عكست هذه التصريحات استراتيجيةً وحشيةً رسمها فرانيو تودجمان خلال شهر شباط/فبراير 1990 في اجتماعٍ عامٍّ عُقد في كليفلاند، أوهايو ( الولايات المتحدة)، عندما تولّى الاتحاد الديمقراطي الكرواتي السلطة، وأوضح تودجمان أن "هدفنا الأساسي [...] هو فصل كرواتيا عن يوغوسلافيا إذا وصلنا إلى السلطة، ففي غضون 48 ساعةً الأولى، وبينما لا تزال النشوة تسود، من الضروري أن نُحاسب جميع من يعارضون كرواتيا (...) لقد وُضعت قوائم بأسماء هؤلاء الأشخاص بالفعل، يجب إلغاء الكنيسة الأرثوذكسية الصربية..."، ورغم هذه التصريحات والإفتخار بالإنتماء الفاشي، اعترف الإتحاد الأوروبي، الذي كان يسمى آنذاك الجماعة الاقتصادية الأوروبية، بكرواتيا الإنفصالية والفاشية بعد عامين من الدّعم شبه السّرِّي من قِبل ألمانيا والفاتيكان والولايات المتحدة وبريطانيا...
أَسّس الفاشيون من عُملاء ألمانيا النازية ميليشيا "الأوستاشا" وكان العديد من أنصار تودجمان يُقدّسون الأوستاشا الفاشيين الذين حكموا دولة كرواتيا المستقلة خلال الحرب العالمية الثانية ( وهي دُوَيْلة عميلة لألمانيا النازية التي تحتل مجمل بُلدان أوروبا) وتراوحت جرائمهم بين إعدام مئات النساء وكبار السن بقطع الرؤوس أو الغرق، وإدارة شبكة من معسكرات الإبادة في يوغوسلافيا التي احتلتها دول المحور ( إيطاليا وألمانيا)، مع وحدات متخصصة باختطاف الأطفال، وأثارت وحشية مليشيات الأوستاش تجاه الصّرب والغجر والمسلمين واليهود استياء حتى من قِبَل رُعَاتِهِم النازيين، بعد قَتْلِ مئات الآلاف على يد الأوستاشا، الذين كان من بين ضباطهم شقيق ووالد وزير دفاع تودجمان، غويكو سوساك ( في حكومة 1990)
ظلت هذه الأحداث المُرَوِّعَة محفورة في ذاكرة سكان إقليم كرايينا الصربي التاريخي، المُلحق إداريًا بجمهورية كرواتيا اليوغوسلافية الاشتراكية بعد الحرب العالمية الثانية، وتلقى حزب الاتحاد الديمقراطي الكرواتي تمويلًا من منفيي حركة أوستاشا في الدول الغربية، وعند وصوله إلى السلطة، أعاد تسمية ساحة ضحايا الفاشية الشهيرة في العاصمة زغرب باسم "ساحة النبلاء الكروات"، بينما كانت الوحدات شبه العسكرية الكرواتية تلوح بفخر بشعارات ورموز حركة أوستاشا، وأجّجَت حكومة تودجمان الكراهية العرقية علنًا، وبدأ الصرب في الدولة الناشئة يستعِدُّون لحرب أهلية.
في أعقاب اندلاع الاشتباكات العرقية في كرواتيا خلال شهر آذار/مارس 1991، نُشرت وحدات من جيش الشعب اليوغوسلافي لحماية كرايينا، حيث أعلن السكان قيام جمهورية صربية مستقلة إلى حين التوصل إلى اتفاق سلام دولي، وصرّح الرئيس اليوغوسلافي آنذاك، بوريسلاف يوفيتش، قبل وفاته بأن الهدف هو "حماية الأراضي الصربية حتى التوصل إلى حل سياسي"، ودامت المفاوضات من أجل التّوصّل إلى حل سياسي أربع سنوات، وبحلول شهر آب/أغسطس 1995، بدا أن "الحل السياسي" على وشك التحقق، وعقدت مجموعة اتصال خاصة تابعة للأمم المتحدة مفاوضات سلام في جنيف بين سلطات كرايينا ( منطقة صربية داخل كرواتيا) وزغرب (عاصمة كرواتيا) واتفق الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة على مقترح مُشترك لإنهاء الصراع في كرواتيا، وأَقَر الإتفاق بين جميع الأطراف ( يوم الثالث من آب/أغسطس 1995) بقاء المناطق ذات الأغلبية الصربية في كرواتيا جزءًا من البلاد، مع قدرٍ من الحكم الذاتي، وفي اليوم نفسه، أكد غالبريث على التلفزيون المحلي الاتفاق على إعادة دمج المناطق الصربية في كرواتيا، وفي الوقت نفسه، أعلن الوسطاء الأمريكيون في جنيف أنه، نظرًا للتنازلات الكبيرة التي قدّمها الصرب تمهيدًا لسلام تفاوضي، "لم يكن هناك سببٌ لدخول كرواتيا في حرب"، وأعلن قادة صرب كرايينا المتفائلون أنهم تلقوا ضمانات من واشنطن بالتدخل لمنع أي عمل عسكري كرواتي ضد كرايينا إذا قبلوا بنودتلك الخطّة، لكن قبل نهاية اليوم، رفض القادة الكروات الخطّة وتخلوا عن المفاوضات، وبدأت عملية التطهير العرقي المُسمّاة "العاصفة" صباح اليوم التالي، تحت شعار "اضربوا الصّرب حتى يختفوا عمليا" مشاركة كرواتيا في مفاوضات جنيف كانت خدعة صُممت لخلق وهم بأن كرواتيا تسعى إلى تسوية دبلوماسية، بينما تُطوّر سرًا خططًا "لهزيمة العدو تمامًا"، وفق وثائق محضر اجتماع عُقد يوم 31 تموز/يوليو 1995 بين تودجمان وكبار قادته العسكريين في القصر الرئاسي بجزر بريوني، وأبلغ تودجمان الحاضرين: "يجب أن نوجه ضربات قاضية تُجبر الصرب على الاختفاء عمليًا... سأذهب إلى جنيف للتّظاهر باهتمامنا بالسلام، ولدحض جميع الحجج التي تُشير إلى أننا نُشعل حربا أثنية وعرقية ودينية، ولإخفاء خططنا التي سوف ننفذها قريبًا..."
لم تقتصر هذه التصريحات، التي تُشكل دليلاً واضحاً لا لبس فيه على نية الإبادة الجماعية، على الرئيس وحده، فقد أقرّ أنتي غوتوفينا، وهو جنرال رفيع المستوى عاد إلى يوغوسلافيا لإدارة عملية العاصفة بعد فراره في أوائل سبعينيات القرن العشرين، بحتمية التطهير العرقي. وأعلن غوتوفينا أن الهجوم الحاسم والمستمر على كرايينا سيعني لاحقاً "أنه لن يكون هناك الكثير من المدنيين، بل فقط أولئك الذين سيضطرون للبقاء، أولئك الذين لا يملكون إمكانية المغادرة"، ومن الغريب إن محكمة دولية يهيمن عليها الغرب قد بَرَّأت القائد السابق للفيلق الأجنبي الفرنسي، الذي عمل سابقاً مرافقاً للفاشي الفرنسي جان ماري لوبان، وقاد مليشيات هاجمت المُضْرِبِين من عمال ينتمون إلى الإتحاد العام للعمالفي فرنسا (CGT)، من دوره القيادي في عملية "العاصفة" بكرواتيا...
اقترح تودجمان شن حملة دعائية ضخمة تستهدف الصرب المحاصرين في جيب عرقي معادٍ، مع توزيع منشورات تُعلن "انتصار الجيش الكرواتي، بدعم من المجتمع الدولي"، وتحث الصرب على عدم الفرار، في محاولة واضحة لإضفاء طابع شامل على اقتراحه بتهجير السكان المدنيين قسرًا، قال: "هذا يعني توفير مخرج لهم، مع التظاهر بضمان حقوقهم المدنية... باستخدام الإذاعة والتلفزيون، ولكن أيضًا المنشورات"، وناقش القادة العسكريون استراتيجيات دعائية أخرى لتبرير الهجوم، بما في ذلك عمليات "الراية الكاذبة"، وبما أن "كل عملية عسكرية لا بد أن يكون لها مبرر سياسي"، أكد تودجمان أن الصرب "كان عليهم أن يقدموا لنا ذريعة ويستفزونا" قبل بدء الهجوم، واقترح أحد المسؤولين "اتهامهم بشن هجوم تخريبي ضدنا... ولهذا السبب اضطررنا للتدخل"، واقترح جنرال آخر التسبب في "انفجار كما لو أنهم هاجمونا بقواتهم الجوية" ( الوَهْمِيّة)...

الضوء الأخضر الأمريكي للمذبحة
صوّر جهاز المخابرات اليوغوسلافي سرًا وزير الدفاع الكرواتي مارتن سبيغلج وهو يتآمر لطرد السكان الصرب من كرواتيا وقال لزميله في أحد التسجيلات ( أواخر سنة 1990) "إن أي شخص يعارض استقلال كرواتيا يجب قتله على الفور، في الشارع، في المصنع، في الثكنات، في أي مكان ..."، وتوقع "حربًا أهلية بلا رحمة على أحد، لا نساء ولا أطفال، وسَتُدَمَّرُ منازل الصرب بقنابل يدوية بسيطة"، وذلك قبل أن يدعو سبيغلج علنًا إلى "مذبحة لحل" مشكلة كنين، عاصمة كرايينا، بإزالتها نهائيا" وتباهى قائلًا: "لدينا اعتراف دولي بهذا"، في إشارة إلى الولايات المتحدة التي كانت قد "عرضت كل المساعدة الممكنة، وتقديم آلاف المركبات العسكرية القتالية والتسليح الكامل لنحو مائة ألف جندي كرواتي مجانًا لكي لا يعود الصرب إلى كرواتيا أبدًا (... )سننشئ دولة مهما كلف الأمر، حتى لو لزم إراقة الكثير من الدماء".
قال توجمان خلال اجتماع مع قادته العسكريين يوم 31 تموز/يوليو 1995 بشأن الدعم "الغربي" لخُططات التصفيات والإبادة والتّطهير العرقي: "إن ألمانيا صديق يدعمنا دون قيد، شرط إبلاغها وإبلاغ حلف شمال الأطلسي مسبقًا بالهجمات وبأهدافنا كما نَحْظَى بدَعم الولايات المتحدة"، كما ورَد في مجلة دير شبيغل الألمانية سنة 2006، حيث كتبت: " إن المجازر تحمل بصمات واشنطن"، وأكّدت مصادر عسكرية كرواتية تلقيها "دعمًا مباشرًا، وإن كان سريًا، من وزارة الحرب الأمريكية ومن وكالة المخابرات المركزية في تخطيط وتنفيذ هجوم العاصفة"، وتلَقّى جنود وضُبّاط كرواتيون تدريبًا في قاعدة فورت إروين بولاية كاليفورنيا، وساعد البنتاغون في التخطيط للعملية، وفقًا لما ذكرته المجلة، وتجاوز الدعم الأمريكي بكثير ما تم الإقرار به علنًا، أي أن القوات الكرواتية شاركت ببساطة في تدريبات أجرتها شركة إم بي آر آي العسكرية الأمريكية الخاصة، " التقى نائب مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، جورج تينيت، بنجل غوتوفينا وتودجمان، الذي كان آنذاك رئيسًا للمخابرات الكرواتية، لإجراء مشاورات أخيرة، قبل الهجوم بمشاركة الطائرات الأمريكية التي دمرت مراكز دفاع جوي واتصالات صربية، ونقل البنتاغون المعلومات التي جُمعت عبر الأقمار الصناعية إلى القوات الكرواتية"، وفق نفس المصدر...
وجب التّذكير إن التّدخلات العسكرية الأمريكية تتم في ظل الإدارات الديمقراطية والجمهورية على حدّ السواء، فقد احتفلت الإدارة الدّيمقراطية لوليام كلينتون سنة 1995 بانتصار المليشيات الفاشية الكرواتية التي نفّذت عمليات الإبادة الجماعية، حيث عُقدت قمة رفيعة المستوى يوم 18 آب/أغسطس 1995، في القصر الرئاسي بزغرب ( عاصمة كرواتيا) بين زعماء كروات ودبلوماسيين أمريكيين يقودهم ريتشارد هولبروك، أحد أركان مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، المهووس بالتدخل في يوغسلافيا وتفكيكها ووصف التذهير العرقي ب"العمل المَشْرُوع"، وفق موقع "ذا غراي زون" ( 04 آب/أغسطس 2025) الذي كتب "لقد أقرّ هولبروك علنا بدعم الإدارة الأمريكية عمليات الإبادة الجماعية"...
استمر الدّعم الأمريكي والأوروبي لجمهورية كرواتيا واستمرت قوات حلف شمال الأطلسي في تدمير البلاد وتفتيتها إلى دويلات غير قابلة للعيش ( الجبل الأسود وكوسوفو والبوسنة...) لتسهيل السيطرة عليها وتحويلها إلى قواعد أطلسية، ورغم وجود أدلة دامغة على ارتكاب جرائم حرب خطيرة، وفق الوثائق المُفْرج عنها مؤخرا، لم تُوجّه المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، الممولة من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أي اتهام لأي مسؤول عن عملية العاصفة حتى سنة 2008، بينما لاحقت الإستخبارات الأمريكية الزعماء الصّرب واتهمتهم بالفاشية وألقت القبض عليهم، وتم محاكمتهم وسجنهم ظُلما، فيما انتظرت الولايات المتحدة وفاة العديد من الضباط المذنبين من كبار السّن، بمن فيهم تودجمان، ولم تتم محاكمة سوى ثلاثة قادة عسكريين كروات سنة 2011، تم تبرئة أحدهم وأُدِين إثنان قبل إلغاء القرار خلال جلسات محكمة الإستئناف سنة 2012، ولم تتم إدانة الحكومة الكرواتية ولا جيشها المُشبع بالإيديولوجيات العنصرية والفاشية الذي طرد بالقوة كافة الصّرْب من كرواتيا.

خاتمة
يهدف التّذكير بهذه المذبحة، بعد ثلاثة عُقُود من تنفيذها إلى تزامنها مع انهيار الإتحاد السوفييتي ومع العدوان الثّلاثيني على العراق (بداية سنة 1991) والتّذكير بأن ما يحدث اليوم في فلسطين هو جزء من مخطط صهيوني بدأ تنفيذه منذ أكثر من قَرْن، وإن الولايات المتحدة – رأس حرْبَة الإمبريالية والعدوان على الشعوب – خطّطت العديد من المجازر والإنقلابات الدّموية وعمليات الإبادة التي تنفذها القوات الأمريكية مباشرة، أو قوات وكيلة (مُتعاقدة من الباطن) وإن ما يقوله ويكتبه بعضنا اليوم يُصنف ضمن "نظريات المؤامرة" في حين أظهرت الوثائق المُفرج عنها صحّة ما كان يقوله الصّرب منذ سنة 1990 بشأن إحياء الفكر الفاشي والمليشيات الفاشية في كرواتيا بدعم أمريكي وألماني وبريطاني ( وأطلسي بشكل عام) فضلا عن دعم علني من قِبَل الفاتيكان...
هناك أوجه شبه بين ما حدث في يوغسلافيا وما يحدث في أوكرانيا من إحياء المليشيات الفاشية التي ساعدت الجيش الألماني لاحتلال أراضي الإتحاد السوفييتي ( من بينها أراضي أوكرانيا نفسها) خلال الحرب العالمية الثانية، وأشارت صحيفة "كييف بوست" ( أيلول سبتمبر 2022) : " يُعَدّ الهجوم المضاد غير المتوقع لجيش أوكرانيا في خاركوف ضدّ الجيش الروسي بمثابة عملية العاصفة (الكرواتية) التي تُبشِّرُ باستسلام روسيا الوشيك". وللتذكير فإن هذا الهجوم المُضاد الذي خطط له وأشرف على تنفيذه حلف شمال الأطلسي، حظِيَ بتبجيل كبير من قِبَل الأوساط العسكرية الأطلسية، مع الحديث عن تنفيذ مثل هذه الخطط في مناطق صراع أخرى، بتحالف بين المليشيات الفاشية والإستخبارات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي، مثلما يحدث في غزة حيث تُشارك شركات التكنولوجيا والإتصالات في المجازر بدعم من الجيش والكونغرس والرئيس الأمريكييين...
لا غرابة إذًا أن ينفّذ الكيان الصهيوني عمليات الإبادة في ظل الحصار والتّجويع مع توسيع رقعة العدوان إلى سوريا ولبنان واليمن وإيران، بدعم أمريكي مُطلق وأوروبي مَشْرُوط، ولا غرابة في قَمْع أي حركة احتجاج على عمليات الإبادة، ولا يجب أن ننتظر ثلاثة عقود لاكتشاف الوثائق التي تثبت مُشاركة كافة القوى الإمبريالية والسلطات العربية في هذه الحلقة الجديدة من النّكبة، بل وجب التّصدّي لها الآن قبل فوات الأوان...
وردت المعلومات بموقع "المنطقة الرمادية" ( The Gray Zone ) بتاريخ الرابع من آب/أغسطس 2025، بعنوان:
(leader US backed cleaning of serbs , top diplomat secretly tol croat )



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس – دفاعًا عن الإتحاد العام التونسي للشغل
- من كواليس التحالف الأمريكي الصهيوني
- اقتصاد الحرب - ازدهار زمن التقشف
- مُتابعات - العدد السادس والثلاثون بعد المائة بتاريخ التاسع م ...
- جوانب من العلاقات الصهيونية – الصّينِيّة
- سوريا وخرائط الغاز
- تحويرات خطيرة لأهداف منظمة الصحة العالمية
- بعض الملاحظات عن فلسطين منتصف سنة 2025
- مراسلون بلا حدود، نموذج من المنظمات غير الحكومية المُرتزقة
- عَسْكَرة الإقتصاد والعلاقات الدّولية
- مُتابعات - العدد الخامس والثلاثون بعد المائة بتاريخ الثاني م ...
- تأثير المُقاومة على اقتصاد العَدُوّ
- الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة – علاقات غير متوازنة
- خطاب مسموم مَطْلِيٌّ بالعسل - نموذج تركيا وقَطر
- التّكنولوجيا في خدمة الإيديولوجيا
- مُتابعات - العدد الرّابع والثلاثون بعد المائة بتاريخ السادس ...
- فلسطين – إدانة للكيان الصهيوني في مؤتمر بوغوتا
- بعض تداعيات الحرب التجارية
- إسبانيا – عودة فرنسيسكو فرنكو؟
- اتفاقية الشراكة الأوروبية- الصهيونية


المزيد.....




- تحذير -أسود- من هطول أمطار غزيرة.. هونغ كونغ تتعرض لموجة جدي ...
- بأسماء جديدة تماما.. الإعلان عن أعضاء لجنة تحكيم الموسم الجد ...
- رأي.. عمر حرقوص يكتب: نتنياهو.. -إسرائيل الكبرى- بأهداف متعد ...
- الاستيطان الإسرائيلي: هل تسعى إسرائيل إلى منع إمكانية إقامة ...
- باريس سان جيرمان بطل السوبر الأوروبي.. كيف قلب النتيجة ضد تو ...
- الشرطة المصرية تقبض على شبان طاردوا فتيات بسياراتهم وتسببوا ...
- غضب عربي وإسلامي من حديث نتنياهو عن -إسرائيل الكبرى-
- بين مشيد ومنتقد... جدل واسع في المغرب حول قانون مجلس الصحافة ...
- -الناس يموتون من الجوع-... أحد سكان شمال دارفور في السودان ي ...
- الحكومة السورية ترحّب بنتائج التحقيق الدولي في أحداث الساحل ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - الذّكرى الثلاثون للتطهير العرقي في البَلْقَان