الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 12:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تساءل الكثيرون في أغلب أنحاء العالم عن سؤال بالغ الأهمية: لماذا لا تبذل دول البريكس، وخاصة روسيا والصين، جهودًا أكبر مما تبذلانه من أجل فلسطين والدفاع عنها؟ لأن هذا الموضوع رئيسي في نظر المقاومة اليمنية مثلا، وثانوي أو هامشي في نظر روسيا والصين، او أي دولة أخرى، فالقضية الفلسطينية هي قضيتنا كعرب، وتحرير فلسطين من واجباتنا ومهامّنا، ويمكن للقوى التقدمية ( والصين وروسيا ليست ضمنها) دعمنا ومساندتنا، أو نَقْدنا. أما بالنسبة لروسيا والصين، فإن علاقاتهما مع الكيان الصهيوني لا تتأثّر بالعدوان المُستمر ضدّ الشعب الفلسطيني ( والشعوب العربية والإيرانية).
تُساهم الشركات والدّولة الصينية في ازدهار الإقتصاد الصهيوني لكنها تمتنع عن اتخاذ قرار سياسي مثل المُقاطعة وفَرْض العقوبات وسحب الإستثمارات، وهذ الحدّ الأدنى لما يمكن أن يُقِرّه حزب يسمي نفسه شيوعيًّا ويقود دولة بحجم الصين، لكنه يمتنع عن اتخاذ قرار سياسي يضر باقتصاد الكيان الصهيوني، رغم المجازر اليومية بحق المدنيين في غزة، ولذا وجب اعتبار الشُّركاء في العلاقات التجارية والإقتصادية والمالية (الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا وتركيا وروسيا والصّين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وأستراليا والأنظمة العربية المُطبّعة سرًّا أو علنًا) شُركاء في جرائم الجيش الصهيوني في فلسطين المحتلة كما في لبنان وسوريا واليمن وإيران، ولم تردّ الصين على العدوان على "الصديق الإيراني" لأنها ترفض التضحية بعلاقاتها الاقتصادية مع الكيان الصهيوني، حيث تستثمر شركات صينية مملوكة للدولة مثل كيم تشاينا وبرايت فودز ومجموعة فوسوم (إلى جانب الشركات الصهيونية) في مستوطنات الضفة الغربية، وتمتلك هذه الشركات الصينية المملوكة للدولة حصصًا في شركات صهيونية، ولذلك لم تُندد جمهورية الصين الشعبية علنًا بالسياسة الإستعمارية الصهيونية قبل انتشار الانتقادات "الغربية" للمجازر، إلا أنها لا تزال تدعم اقتصاد المستوطنين سرًا، رغم انتقادات الحكومة الصينية اللاذعة حاليا ( خلال الأشهر الأخيرة ) لسياسة الإبادة الجماعية في غزة، وعلى سبيل المثال تُمثل المنتجات الصينية ما يقرب من 20 مليار دولار، أي أكثر من 20% من واردات الصهاينة، وتحاول الصين تبرير تواطؤها بـ"مبدأ عدم التدخل في شؤون الشُّركاء، وفصل الإقتصاد عن السياسة"، الذي يعني ببساطة: المال والأعمال قبل كل شيء، وهو لا يمت بصلة إلى المبادئ الإشتراكية، وعملا بهذا المبدأ الإنتهازي، اغتنمت الصين فُرصة تظاهر الدّول "الغربية" بنقد بعض ممارسات الحكومة الصهيونية، لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع هذه الدولة المارقة، وناقش السفير الصيني في تل أبيب مع وزير الاقتصاد والصناعة الصّهيوني "تعميق التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني الإسرائيلي"، بالتزامن مع هجوم جيش الاحتلال على مستودعات المساعدات الإنسانية (الأسبوع الأول من حزيران/يونيو 2025).
بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، لم تُقدّم الصين دعمًا اقتصاديًا لكوبا، تجنّبًا لكسر الحصار الأمريكي وتجنّبًا للعقوبات الصّارمة على من يتحدّاها، ولذلك لا يمكن أن نتوقّع منها ( أو من روسيا أو ) قطع العلاقات الإقتصادية والدّبلوماسية مع الكيان الصهيوني رغم الإبادة الجماعية...
دعمت الصين خلال عُقُود خَلَتْ حركات التحرر الوطني والمناهضة للإمبريالية حول العالم، وشمل ذلك دعم القضية الفلسطينية، إذ كان لمنظمة التحرير الفلسطينية مكتب وامتيازات دبلوماسية وحصانة في بكين، منذ سنة 1965، وأعلن ماو تسي تونغ ( أيار/مايو 1965): "الإمبريالية تخشى الصين والعرب، وإسرائيل وفورموزا قاعدتان للإمبريالية في آسيا... أنتم ( الفلسطينيون) البوابة الأمامية للقارة الكبرى ( آسيا)، ونحن البوابة الخلفية3 واليوم، بعد ستين سنة، ترتبط شركات صينية مثل " كيم تشاينا" للكيماويات المملوكة للدولة الصينية، بشكل مباشر بالتدمير العسكري لسبل عيش الفلسطينيين، وتستثمر العديد من الشركات الصينية المملوكة للدولة، إلى جانب شركات صينية خاصة أخرى، بشكل مباشر أو غير مباشر في المستوطنات الصهيونية أو الشركات العاملة فيها، بغية تيسير حياة المستوطنين وإدامتها على الأراضي المحتلّة.
اكتسبت الصين احترامًا متزايدًا لتعهدها ببناء علاقات سلمية ومربحة للجميع مع الدول الأخرى، لكن ماذا تفعل شركاتها في فلسطين المحتلة، وبينما يتعرض الفلسطينيون للإبادة وللتجويع وسرقة الأراضي، يعيش عمال صينيون ويعملون في المستوطنات المجاورة لقرية هوارة قرب نابلس، على مرأى ومسمع من الجميع، ويعمل عشرات الصينيين في مستوطنة بيت إيل، قرب رام الله في أعمال البناء والطّرقات المُخصّصة للمستوطنين الصهاينة، مما يُعزّز النشاط الإستعماري الإستيطاني، بعد أن كانت حكومة الصين تسمح للعمّال الصينيين بالعمل في فلسطين المحتلة وتمنع توظيفهم في الضفة الغربية المحتلة، خوفًا على أمْنِهم وسلامتهم، وفق مجلة الدّراسات الفلسطينية - أيار/مايو 2025
استخلاصات
توجد العديد من التناقضات في التّصريحات الصينية، حيث يقول ممثل الصين في محكمة العدل الدّولية " إن استخدام الشعب الفلسطيني للقوة لمقاومة القمع الأجنبي في إطار السّعي إلى الحصول على حق تقرير المصير واستكمال إقامة دولة مستقلة هو حق غير قابل للتصرف مؤسس في القانون الدولي" لكن تُشير كل الوقائع إلى محافظة الصين على علاقاتها الإقتصادية والتجارية مع دولة الإحتلال، بل تُعدّ الصين أكبر شريك تجاري آسيوي للكيان الصهيوني وثاني أكبر شريك تجاري عالمي، وتُظهر بيانات للجمارك الصينية، ارتفاع حجم التجارة الثنائية من حوالي 8 مليارات دولار سنة 2013 إلى 25,45 مليار دولارا سنة 2022، و بلغت قيمة الواردات الصهيونية من الصين 13,53 مليار دولار أمريكي سنة 2024، بزيادة تقارب 20% عن سنة 2023، وتعززت العلاقات التكنولوجية بين الطّرَفَيْن ، وتحاول الصين تشجيع الشركات التكنولوجية الصهيونية على الإستثمار في الصين والإستفادة من "مزايا السوق الصينية. الواسعة"
يختلف الموقف الصيني عن معظم الدّول "الغربية"، فالصين لا تُشارك ولا تُبرّر الإبادة الجماعية، خلافًا للولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، ولا تستخدم الصّين حق النّقض لصالح الكيان الصهيوني في مجلس الأمن الدولي، لكن من حقنا ومن واجبنا نقد تعميق العلاقات الإقتصادية والتجارية لدولة تَدّعِي الإشتراكية مع دولة تأسست على وطن الشعب الفلسطيني وتمارس الإبادة الجماعية، ضمن استمرار النّكبة منذ 1948 إلى الآن، وترفض الصين، خلافًا لدول أخرى في أمريكا الجنوبية، قطع علاقاتها الدّبلوماسية والإقتصادية مع الكيان الصهيوني، بل استغلت فرصة الإبادة الجماعية في غزة لتعزيز علاقات الشراكة الإقتصادية والتجارية والمالية (الإستثمارات) مع الكيان الصهيوني وفق موقع "الرأسمالية العارِيَة" ( nakedcapitalism ) بتاريخ السادس من حزيران/يونيو 2025
خاتمة
لا يزال الحزب الصيني الحاكم يُسمِّي نفسه شُيوعيًّا، لكن النّظام رأسمالي، رغم اختلاف مسيرته عن النّظام الرّأسمالي التّقليدي، فقد اكتسب الأثرياء ثروتهم من خصخصة وتقاسم ممتلكات الدّولة ( أي الشعب الصيني)، وتَقُود المصالح الإقتصادية والإستراتيجية السياسة الخارجية للدولة، وهو ما يُسمّى في لُغة السياسة والدّبلوماسية "الواقعية" أو "البراغماتية"، ولا تحتل الصّين حاليا أراضي بلدان أخرى، بل تحاول بشتّى الطُّرُق استعادة فرموزا ( تايوان التّابعة لها والتي انفصلت سنة 1949) ولكنها تستغل الطبقة العاملة في الدّاخل وفي بلدان أخرى عديدة مما أدّى إلى إضرابات عمّال النّيجر والكونغو وغيرهم ضدّ الإستغلال الفاحش للشركات الصينية...
بالنسبة للقضية الفلسطينية والقضايا العربية، كان الدّعم مبدئيا من قِبَل الدولة والحزب الشيوعي الصيني والمنظمات المَاوِيّة في العالم، ولكن أدّت جُمْلة من العوامل، ومن بينها الضّغوط الأمريكية واستسلام بعض الأنظمة العربية وقيادات منظمة التّحرير، الذي تزامن مع تغييرات توجّهات السلطة الصينية، إلى تراجع موقف الصين ودول عديدة أخرى وعزل المقاومة الفلسطينية بعد الغزو الصهيوني لِلُبنان...
إن تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة من مهمات الفلسطينيين والعرب قبل غيرهم، ولا نطلب ( ولا يُمكن) للصين أو روسيا أو غيرها أن تحلّ محلّنا أو أن تُحرّر شبرًا واحدًا من أراضينا المحتلّة، وكل ما نطلبه هو عدم دعم الكيان الصهيوني ومقاطعته والعمل على محاسبة المجرمين الصهاينة من قيادات عسكرية وحكومية وسلطات أكاديمية وغيرها...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟