أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - ياسين غالب.. طائر الحرية الذي حطّ في هلسنكي














المزيد.....

ياسين غالب.. طائر الحرية الذي حطّ في هلسنكي


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 15:14
المحور: قضايا ثقافية
    


في عالم تتزاحم فيه الأصوات وتضيع فيه الهويات بين أمواج الهجرة وموجات الغربة، يبرز اسم ياسين غالب بوصفه صوتًا منفردًا، لا يُقلد ولا يستنسخ، كاتبًا لا يشبه أحدًا سوى ظله، وكأن اللغة العربية حين اشتاقت إلى التجدّد اختارته حاملًا لرايتها، فنقلها من ضفاف شط العرب إلى صقيع الشمال الفنلندي دون أن ترتجف، بل ازدادت دفئًا ووضوحًا. هو ابن البصرة، وابن السيّاب، وابن الشمس الحارقة، لكنه حين هاجر لم يهاجر جذرًا ولا ذاكرة، بل حمل معه الشرق بكل ثقله ووهجه، وأعاده من هناك، من قلب الشمال، بلغات ثلاث: بالعربية التي منها وُلد، وبالإنجليزية التي احتضنته، وبالفنلندية التي فهمته.في عيني ياسين غالب، تتقاطع حرية الفكر مع حرية الجغرافيا، فلطالما كتب عن الوطن كما لو أنه مكان لم نصل إليه بعد، لا لأنه ضائع، بل لأنه مكبّل. الحرية عنده ليست فكرة شعرية مجنّحة، بل موقف شخصي حاد، يشبه حافة السكين حين تكتب، ويشبه السيف حين يبوح. لذلك لم يكن غريبًا أن يكتب عن بغداد العرش لا بوصفها حاضرة، بل كرمز لسلطة مركزية خطفت المدن الأخرى، وفي مقدمتها البصرة. لم يكتب غالب البصرة على استحياء، بل أصرّ على أن تكون أمّه الأدبية التي لا يستبدلها حتى حين يكتب بالإنجليزية أو تُترجم أعماله إلى الفنلندية. البصرة ليست مدينة في خياله، بل جرح مفتوح يتجدد في كل سطر يكتبه، وأمل مؤجل في كل حلم يتصوره.حين سُئل عن بداياته، لم يتحدث عن لقب أو مجد شخصي، بل تحدث عن النص باعتباره العقد الوحيد المقدس بينه وبين الكاتب. كان يقرأ ليحلم، لا ليؤرشف، وكان يتماهى مع النص كما يتماهى العاشق مع حبيبته، فيغرق فيها دون أن يسأل عن اسمها أو نسبها. لا هيبة للأسماء الكبيرة أمام عينيه، فالكلمة وحدها من تُقيم وتُقصي. لهذا السبب، لم يكن من محبي الكتابة المختزلة، ورفض منذ البدء القارب القصصي الصغير، مفضّلًا عليه سفينة الرواية، تلك المدينة العائمة كما وصفها، التي تتيح له أن يكون ساردًا وشاهدًا ومُحرضًا في آن.الرواية عند ياسين غالب ليست قالبًا فنيًا فحسب، بل هي ساحة معركة: معركة ضد النسيان، ضد التغريب، ضد تدجين الهوية. في روايته "15+" كتب عن الهجرة والجنس والعنف، بجرأة جعلتها تُمنع في مصر، لكنها في المقابل تُترجم في فنلندا، ويُناقش مضمونها في صالونات الفكر هناك. لم يكتب ليُرضي أحدًا، بل كتب ليقول ما يعتقد أنه صادق وجوهري، ولذلك لم يعبأ كثيرًا بما يراه البعض محرمات ثقافية. أما في "الماجدة، كنت زوجة للرئيس" فقد واجه شبح الطغيان بجرأة، وجعل زوجة الحاكم تمشي إلى المتحف بدل أن تمشي إلى المنفى. إنها دعوة صريحة لوضع الاستبداد في مكانه الرمزي: الماضي.وإذا كان ياسين غالب قد رفض إلغاء هويته الشرقية في المنافي، فذلك لأنه آمن بأنه ابن حضارة لا تقل عن غيرها، بل تتفوق عليهم متى ما نُزعت عنها أثواب الذل والتابوهات. لم يرضَ بالذوبان في الآخر، كما يفعل البعض من أدباء المهجر الذين ينسلخون عن أوطانهم في أول مطار، بل أعاد صياغة العلاقة مع الآخر من موقع الاعتزاز، لا التذلل. كتب للمسرح الفنلندي، وأذاع تمثيلياته على الراديو الوطني هناك، لكنه ظلّ يوقّع باسمه العربي، ويحتفظ في نصوصه بنبرة الشرق وهو يعبر جسور الغرب.في كتاباته مقولات فلسفية مبطنة، ومواقف سياسية غير قابلة للمواربة، لكنها لا تُقال عبر شعارات، بل عبر شخصيات، حوارات، وعوالم سردية تنبض بالحياة. وحين يتحدث عن حرية التعبير، فإنه لا يفعل ذلك كناشط، بل ككائن لا يستطيع التنفس دونها. يكتب لأن الكتابة صوته، ويصرّح بأن "صوتي هو أنا"، وكأن الحبر هو الدم الحقيقي في شرايينه. لا يؤمن بالحقوق المجزأة، فإما حرية كاملة أو لا حياة، ويستشهد بكربلاء ليقول إن أول الثورة كانت دائمًا كلمة.من البصرة إلى هلسنكي، لم ينقطع ياسين غالب عن الكتابة، بل جعلها قارب النجاة الذي لم يغرق، رغم البحر البارد، رغم جليد الصمت. هو عضو في جمعيات أدبية فنلندية، وينشر في مجلات غربية، لكنه حين يُسأل عن لغة الكتابة، يقول إن الإنجليزية أبوه، ولكن العربية هي الأم، ومَن يملك أمًّا كهذه لا يفرّط في نسبه.أعماله التي تراوحت بين الشعر، والرواية، والمسرح، والراديو، تُمثّل مشهدًا متكاملًا لكاتب يؤمن بأن الإبداع لا يمكن أن يكون محايدًا، ولا أن يسير على عكازين. لكل كتاب يكتبه رسالة، لا شعارًا، فالمضامين تُزرع في التربة لا في اليافطات، ولعل أبرز ما في تجربته أنه لم يكتب ليُدهش، بل ليحاور، ليُعرّي، وليفتح نوافذ لا تُغلق.ياسين غالب ليس مجرد اسم في قائمة الكتّاب العرب في الشتات، بل هو تجربة قائمة بذاتها، لا تُقاس بعدد الطبعات، بل بعمق ما تطرحه من أسئلة، وما تتركه من آثار. طائرٌ مهاجر، نعم، لكنه يعرف من أين أتى، ولا يُفرّط بالبوصلة، حتى لو طار في مدار الشمال.هو الكاتب الذي أعاد تعريف الانتماء، لا بوصفه عنوانًا، بل كشجرةٍ جذورها في البصرة وأغصانها تكتب بالفنلندية، وتزهر بالعربية، وتغنّي للحرية في كل لغات العالم.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرق الأوسط الجديد... حين يتهاوى ظلُّ طهران ويُولد الضوء من ...
- الجرذ الذي أكل 62 ترليوناً ولم يتجشأ
- صرخة في وجه التفاهة الإعلامية: حين يصبح الانحدار خبزًا يوميً ...
- -على موائد الإمبراطوريات: حين تُباع الأرواح بثمن الدولار-
- -دولة الوجهين ونصف عمامة-
- -قوّادو الكلمة وباعة الوهم: حين يصبح الإبداع طعنة في خاصرة ص ...
- -شهرة على مقاس العُري… ومثقفٌ خلف الستار-
- استري نفسكِ… قبل أن يفضحكِ هاتفكِ!
- فيروز تودّع نغمة قلبها.. حين بكى الصباح في حضن الوطن
- شمشونا... رماد ملكةٍ لم تولد، وسؤالٌ يمشي في شوارع بابل
- من باع الخور والنفط والأرض
- -المرشح الراقص والناخب الطيّب: من جوبي البرلمان إلى حفلة الد ...
- -الفن العراقي... بين ضوء الماضي وظل الحاضر-
- قفي أيتها الملكة.. فالساقطون لا يرون الهامات المرتفعة
- من أندلسِ تطوان إلى نبضِ بغداد: شهرزاد الركينة… نشيدُ الفنّ ...
- -أنا الحرف الذي لا يركع… هذا بعض ما كنته يا سائلين عن حامد ا ...
- -اخوتنا درع العراق… حين يكون العراقي ظلاً لأخيه-
- من دفتر فكتوريا... حيثُ تنوح الأرقام وتبكي الدولة.
- تَجَلّيات الحضارة الإغريقية بين وهج البدايات ومرآة التأثير ا ...
- ضحكة التريليون… وبكاء الخدعة الكبرى


المزيد.....




- أهراءات مرفأ بيروت... صرح شاهد على أضخم انفجار شهده لبنان يض ...
- زياد رحباني، الكائن الذي خُلق ليبدع ويلتزم
- غزة.. 70 قتيلا منذ الفجر و-أوكسفام- تحذّر من إبادة جماعية
- روسيا تدمر 18 مسيرة أوكرانية وحريق بمحطة قطارات فولغوغراد
- دخلتا المجال الجوي المحظور.. اعتراض طائرتين فوق منتجع ترامب ...
- اليمن.. مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب
- استطلاع: 38% فقط من الألمان مستعدون للقتال من أجل وطنهم
- الرئيس اللبناني: العدالة لن تموت الحساب آت لا محالة
- علاء مبارك يشعل تفاعلا بفيديوهات لوالده عن دور مصر في دعم غز ...
- -حصار السفارات-: اعتداءات على بعثات دبلوماسية أردنية ومصرية ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - ياسين غالب.. طائر الحرية الذي حطّ في هلسنكي