أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - الحقد لا يسقط من السماء.. بل يصعد من الجحيم














المزيد.....

الحقد لا يسقط من السماء.. بل يصعد من الجحيم


ضيا اسكندر
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 13:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في بلدٍ طحنته آلة القمع لعقود، ثم مزّقته الحرب، لا يعود الحقد مجرّد انفعال فردي، بل يتحوّل إلى بنية نفسية وجماعية، كأنه لعنة تتناسل من جيلٍ لآخر.
فما الجذور النفسية والاجتماعية والسياسية لظاهرة الحقد؟ وكيف يمكن تفكيكها قبل أن تبتلع ما تبقى من نسيجنا الوطني؟
الحقد انفعال بشري قديم، وُلد مع الإنسان نفسه، وغالباً ما يتغذى على الألم والحرمان، لا يظهر بالحدّة نفسها في كل الأزمنة والمجتمعات، بل يتأجج حين تغيب العدالة، وتنهار منظومات الأمان، وتُسحق كرامة الفرد.
فبقدر ما يسود العدل وتُصان الحقوق وتُتاح الفرص بشكل متكافئ، تميل مشاعر الحقد إلى الخمود، أما في بيئات الاستبداد والفقر والتهميش، فتنمو كما تنمو الطحالب في المياه الآسنة.

وما نشهده اليوم في سوريا من مشاهد حقدٍ عارم، وتشفٍّ يُبثّ على العلن بلا خجل، ليس حدثاً طارئاً، بل نتيجة متأخرة لعقودٍ من الإذلال والقمع الممنهج. إنه الحصاد المُرّ لسنواتٍ جرى فيها سحق الكرامة، وتجريف العدالة، وخنق الأمل في صدور الناس.
من مجازر الساحل إلى تفجير كنيسة مار الياس، ومن دماء جرمانا وصحنايا إلى ما يجري اليوم في السويداء، تتكشف أمامنا حقيقة موجعة: إن هذا العنف المقزز لا ينبع من فراغ، ولا يمكن فهمه فقط من بوابة السياسة أو الاصطفافات الطائفية، بل لا بد من الغوص عميقاً في الطبقات المنهكة من النفس السورية، لفهم كيف تحوّل القهر الطويل إلى كراهية متوحشة... وإلى رغبة بالانتقام من كل شيء.
الصور ومقاطع الفيديو التي تتناقلها مواقع التواصل، لم تعد مجرّد توثيق لحظات عنف، بل أصبحت مرايا مشروخة تعكس انهياراً أخلاقياً مرعباً.
أجساد تُسحل في الطرقات على أنغام الشتائم، رؤوس تُركل كما لو كانت متاعاً لا حياة فيه، جثث يُمثّل بها أمام عدسات الهاتف، وصرخات تخرج من أفواه الضحايا فتُقابل بالضحك أو التصفيق...
هذه ليست مشاهد من فيلم رعب، بل من قلب الواقع السوري.
ما نراه لا يُعبّر فقط عن عنف لحظي، بل عن طوفان من الكراهية الدفينة التي تراكمت في الظلّ، ثم انفجرت كحمم بركانية، وجدت أخيراً من يفتح لها فوّهة الخروج.
إنه انفجار نفسي/اجتماعي من النوع الذي لا يمكن احتواؤه بالأمن أو التبرير، بل يحتاج إلى وقفة جذرية أمام مرآة الذات الجماعية، لنسأل بجرأة: كيف وصلنا إلى هذا القاع؟
السيكولوجيا السياسية توضّح أن المجتمعات التي تتعرض للقمع الممنهج – كما حصل في سوريا منذ عقود، وتفاقم بعد انطلاق الحراك الشعبي عام 2011 – تعيش حالة من الانكسار الوجودي، إذ يُحوَّل الألم إلى غضب، والغضب إلى رغبة بالانتقام، وغالباً لا يجد هذا الانتقام هدفاً واضحاً، فينقلب إلى سلوك عنيف أعمى، قد يُوجه ضد أبناء الوطن ذاته.

النظام البعثي، بسياساته الأمنية الطاحنة، أرسى بنية نفسية مأزومة في جسد المجتمع، تقوم على الخوف والكبت والمهانة. وما فعله من مجازر وتهجير وقمع، خلّف ندوباً في الذاكرة الجمعية لا تندمل بسهولة، ثم جاءت بعض الفصائل التي تصدرت المشهد، وعلى رأسها "هيئة تحرير الشام"، بعد استلامها زمام الحكم في دمشق لتكمل المهمة على طريقتها، عبر فرض سلطات لا تقلّ قمعاً، وقرارات لا تمتّ بصلة لأهداف "الثورة" ولا لآمال الناس.

إن ما نراه اليوم، من تفجّر مشاعر الحقد والتشفّي، ليس إلا عرضاً متقدماً لمرضٍ نفسي واجتماعي خطير، ينهش ما تبقّى من الروح السورية.
ولا يمكن مواجهة هذا الانهيار الأخلاقي بالشعارات الجوفاء أو بالردع الأمني، بل بخطوة جريئة نحو مصالحة عميقة بين الدولة والمجتمع، تبدأ من الاعتراف الصريح بالظلم، وتمضي عبر عدالة انتقالية حقيقية، ونظام سياسي جديد يقوم على مبدأ المواطنة لا المحاصصة، وعلى العدالة لا على الانتقام.
ومفتاح هذا التحوّل لا يكون إلا بعقد مؤتمر حوار وطني شامل، تُشارك فيه جميع المكونات دون إقصاء أو تهميش، تُشكَّل على أساسه حكومة وحدة وطنية تعبّر عن إرادة السوريين، وتُكلّف بوضع منظومة تشريعية جديدة، تشمل دستوراً يضمن الحقوق والحريات، وقوانين عصرية للأحزاب والانتخابات، تعيد للسوريين ثقتهم ببعضهم وبمستقبل وطنهم.
فالوقت ليس في صالحنا، والحقد إن تُرك بلا علاج، سيأكل ما تبقّى من النسيج الوطني.

فالحقد لا يولد من فراغ... بل هو ابن القهر، وإذا لم يُقطع من جذوره، فسيورّث لأبنائنا جحيماً أشدّ مما ورثناه نحن.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلد الفزعات؟ أيّ وطن هذا؟!
- من السويداء إلى سايكس بيكو جديد... حين يصبح التقسيم حلاً مرغ ...
- من الساحل إلى السويداء.. متى يسقط الخوف؟
- العالم ليس صامتاً... العالم شريك في الجريمة
- هل تُفرّط حكومة الشرع بالجولان مقابل طرابلس؟
- هوية بصرية.. أم بصيرة غائبة؟
- حين تصبح البديهيات مادةً للجدل
- الصلاة في زمن الخوف
- هل مجزرة -كنيسة مار إلياس- آخر -التجاوزات الفردية-؟
- الردع الرمزي وتوازن الهيبة
- الثغرات القاتلة.. قراءة في فشل استخبارات إيران خلال الحرب
- ترامب.. بائع السلام الذي يشعل الحروب
- الأسد الصاعد والوعد الصادق: صراع البقاء بين تل أبيب وطهران
- هل تركيا الهدف التالي بعد إيران؟ قراءة في تحذيرات زعيم القوم ...
- يا للعجب! ويا للمهزلة!
- الضربة التي لم تفاجئ أحداً.. حين يُضرب الكبرياء الإيراني فجر ...
- وسام العزاء الذهبي
- حين تتحوّل النقابات إلى فروع أمنية
- تسعة أكفان بيضاء... وقلبٌ لا ينكسر
- لو عرفنا الغد... لما عشناه


المزيد.....




- جامعة هارفارد تطالب القضاء بإجبار إدارة ترامب على إعادة منح ...
- عاجل | ترامب: سنعيد ضرب المنشآت النووية الإيرانية إذا كان ذل ...
- شيخ عقل دروز لبنان: على الهجري -التجاوب- وإبداء -مرونة-
- فيديو متداول لـ-اشتباكات عشائر بدوية ومسلحين دروز- بالسويداء ...
- مصر: محكمة جنايات القاهرة تشطب اسم علاء عبد الفتاح من قائمة ...
- الكشف عن تفاصيل الجولة الثالثة من المفاوضات بين موسكو وكييف ...
- فيديو أثار غضبا.. إجبار شبان دروز على القفز من الطابق الرابع ...
- أزمة مياه في تونس العاصمة تزامنا مع الحر الشديد
- أقصر يوم في تاريخ البشرية.. الموعد قريب
- حصيلة ضحايا جديدة لأعمال العنف في السويداء


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - الحقد لا يسقط من السماء.. بل يصعد من الجحيم