ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 8380 - 2025 / 6 / 21 - 15:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كشفت الحرب المشتعلة بين "إسرائيل" والجمهورية الإسلامية الإيرانية عن ثغرة استخباراتية صادمة، اخترقت من خلالها شبكات التجسس قلب الدولة العميقة، فاغتالت قيادات عسكرية وأمنية، وامتدت يدها إلى علماء نوويين كانوا يوماً درع المشروع الاستراتيجي الإيراني.
ضربة بهذا العمق، لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في سجل الحروب الحديثة.
وكأن الداخل الإيراني قد تمّت قراءته حرفاً حرفاً، قبل أن يُشهَر ضده خنجر الطعن من الخلف.
لقد أُصيبت منظومات الدفاع الجوي بالشلل، فباتت الطائرات الإسرائيلية تجوب الأجواء الإيرانية بحرّية تامة، كما لو كانت تنفّذ عرضاً جوياً في سماء خالية من السيادة.
حالة من الذهول والاستغراب سيطرت على المراقبين؛ كيف تسقط أسوار بهذا الحجم دون طلقة واحدة في الهواء؟
لكن طهران، لم تلبث أن ردّت، وبقسوة، وأطلقت وابلها باتجاه القواعد العسكرية الإسرائيلية، معلنةً أنها لا تزال تمتلك قدرة الردّ الموجع. وبعد أيام، كشفت سلطاتها خلايا تجسسية وأوقفت عشرات العملاء المتعاونين مع "إسرائيل".
إنه تحرّك أمني يُحسب لها، وإن جاء متأخراً، وأشبه بمحاولة ترميم جدار تهدّم نصفه.
لكن السؤال الذي لم يفارق أذهان المتابعين هو أنه؛ كيف لجهاز أمني يمشط الحدائق العامة والحافلات للتأكد من جلوس رجل وامرأة "لا يمتّان بصلة قرابة"، أن يغفل عن خلايا تجسسية تنخر جهاز الدولة نفسه؟ أليس في ذلك مفارقة مؤلمة تكشف حجم الخلل في الأولويات؟
لا شك أن هناك عوامل داخلية ساعدت هذا الاختراق على التمدد، وهو أن شرائح عديدة من الشعب الإيراني لم تعُد ترى في النظام مظلّته، بل سجّانه.
ومع قمع الحريات الشخصية والسياسية، وفرض أنماط سلوكية واجتماعية بالقوة، إلى جانب أزمة اقتصادية خانقة، وفساد مستشرٍ، لم يعُد من الصعب استمالة بعض المواطنين للعمل كجواسيس، ليس طمعاً، بل نكايةً في سلطة سلبتهم الحلم والكرامة.
ويتهكّم البعض سائلاً: هل يمكن لدولة ما أن تُجنّد مواطناً سويدياً أو سويسرياً للعمل جاسوساً ضد وطنه؟ الجواب، ببساطة: لا. فالمواطن الذي يحيا في ظل العدالة والحرية والرفاه، لا يبيع نفسه أو وطنه مقابل أي ثمن.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، اليوم، تقف عند مفترق طرق حرج، إذ كشفت حرب الخارج ضعف الداخل.
وإن لم تعترف السلطات الإيرانية بحاجتها إلى مراجعة شاملة لتجربتها على كل المستويات، فإن كل إنجازاتها الخارجية ستبقى قابلة للانهيار من الداخل، كقلعة مشيدة على رمل.
إن الشعب الإيراني، العريق في حضارته، والغني بثرواته، والمتجذر في تاريخه، يستحق أكثر من قبضة حديدية وشعارات ثورية. يستحق حياة تليق به.. وبكرامته، وبإرثه، وبإنسانيته.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟