أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ضيا اسكندر - دور الحروب والأزمات المعيشية في تفكك الروابط الأُسرية














المزيد.....

دور الحروب والأزمات المعيشية في تفكك الروابط الأُسرية


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 13:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حين تسود العدالة الاجتماعية، وتستقرّ الحياة بعيداً عن الأزمات، تنشأ بيئة صحّية تُفضي إلى تَكوُّن شخصيات متزنة، متسامحة، قادرة على التفاعل الإيجابي مع محيطها.
أما في ظل الحروب وضغوط المعيشة الخانقة، فإن انعدام الأمان وانتشار الفقر لا يلبثان أن يصيبا الأسرة، وهي نواة المجتمع، في مقتل. فتبدأ الروابط العائلية بالتآكل، ويتصاعد التوتر بين الأزواج، فتتحوّل البيوت تدريجياً من ملاذ آمن إلى ساحة صراع.
وفي هذا المناخ المختل، تصبح العلاقة الزوجية مرهقة، وتفتقر الأسرة إلى أبسط مقومات الاستقرار، مما يخلق بيئة غير مؤهلة لتنشئة الأبناء على نحو سليم، أو توفير الحدّ الأدنى من الطمأنينة والنمو النفسي المتوازن.
تُعدّ الحروب من أخطر العوامل التي تهدّد تماسك أفراد الأسرة، إذ تنتزع منهم الشعور بالأمان، وتُغرقهم في دوامة قلق لا تهدأ.
وفي سوريا، مثلاً، لم تقتصر تداعيات الأزمة التي بدأت عام 2011 على الدمار المادي، بل امتدت لتطال عمق الحياة الاجتماعية، فانهارت البنية التحتية، وتفكك الاقتصاد، وارتفعت نسب البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة.
كل هذا أدّى إلى تفشّي الجرائم والانحرافات السلوكية، وتصاعد حالات الطلاق بشكل لافت، نتيجة عجز الأزواج عن مجاراة الضغوط المعيشية القاسية. فحين يُجرَّد الإنسان من إحساسه بالأهمية والاحترام، وتُهدَر حقوقه الأساسية، يُصبح أكثر عرضة للانفعال والغضب، خصوصاً إذا افتقر إلى وعي ناضج يتيح له فهم جذور معاناته. وفي ظل هذا الغياب للمعرفة، يحمّل كثيرون شركاءهم مسؤولية الألم، ظنّاً منهم أنهم السبب المباشر، فتتفاقم الخلافات، وتتلاشى فرص التفاهم، وقد تنتهي العلاقة إلى اللا عودة.
ولا تقلّ الأزمات الاقتصادية فتكاً عن الحروب، حين يتعلّق الأمر بتماسك الأسرة. فمع اشتعال الأسعار، وندرة فرص العمل، يجد الفرد نفسه محاصراً بعجز يومي عن تلبية أبسط احتياجات أسرته. وهنا يبدأ الإحباط بالتسلل، ويستقرّ التوتر في تفاصيل الحياة اليومية، حتى تتحوّل الأسرة – التي يُفترض أن تكون حضن الأمان – إلى ساحة صراع وتبادل للاتهامات.

ويزداد المشهد قتامةً حين تغيب العدالة الاجتماعية، ويستشري الفساد، فيشعر الإنسان بأنه عالق في نفقٍ بلا نهاية، وأن جهده لا يكفي ولا يُكافَأ.
وفي مثل هذا المناخ المسموم، لا يعود للهروب شكلٌ واحد؛ فهناك من يختار الهجرة، وهناك من ينسحب عاطفياً أو فعلياً من أسرته، ويكسر ما تبقّى من روابط. وهكذا، لا تُدمر الأزمات الفرد فحسب، بل تنخر في نسيج المجتمع بأكمله.
لكن، وعلى الرغم من هذا الركام، لا يمكن التسليم بأن تفسّخ الروابط الأسرية قدرٌ لا مهرب منه، بل هو نتيجة حتمية لعقودٍ من القمع والتجويع الممنهج، لسياطٍ جلدت الوعي، ولسلطةٍ داست كرامة الإنسان باسم الوطن!
وما نعيشه اليوم ليس أزمة... بل جريمة تاريخية ارتُكبت باسم الشرعية، على يد نظامٍ بعثيٍّ استنبت الخراب، وأعقبه نظامٌ غاشمٌ حوّل البلاد إلى مزرعة خوفٍ وتوريثٍ وانتهاكات فظيعة!
إن الأسرة حين تُزرع في تربةٍ كهذه، لا تثمر إلا تشظّياً، ولا تنجب إلا جراحاً جديدة. فكيف تُبنى الروابط في بيئة تُحرّض أفرادها على النجاة الفردية بدل التماسك؟ كيف تُربّى الأجيال في وطنٍ يضيق بأحلامهم ويلوّح لهم بالمنفى بدل الأمل؟
ما يحدث في بيوتنا انعكاسٌ مباشرٌ لما يحدث في قصور السلطة... حيث يُصادَر القرار وتُسرق الثروات ويُجرَّم الفقر! لسنا أمام تشققٍ اجتماعيٍّ عابر، بل أمام انهيارٍ ممنهجٍ لبُنية الأسرة، خطّطت له منظومةٌ لا ترى في المواطن إلا رقماً قابلاً للحذف أو الأَسْر أو العيش في طاحونة القهر والحرمان.
ولذا، فإن الخلاص لا يكون بالمسكنات، بل بالاجتثاث! لا بد من اجتثاث جذور القمع، وكنس تركة الطغيان، وكتابة عقدٍ وطنيٍّ جديد يجعل الإنسان محور الدولة، لا خادمها ولا ضحيتها. دولةٌ تُطلق الحريات كما تُطلق الأرواح من المعتقلات، تُقاتل الفساد كما تُقاتل الطغاة، وتُعيد توزيع الثروات كما تُوزَّع الكرامة: بعدل.
فالأسرة ليست جدراناً وأباً وأماً وأبناء فقط... إنها الملاذ الأخير لوطنٍ يتآكله السقوط. وإذا تحررت من الخوف؛ تنفّس المجتمع، وصحا الوطن من غيبوبته.
وحده التغيير السياسي الحقيقي، لا الترقيع، قادر على إحياء ما تبقّى من هذا الجسد المريض، وبناء وطنٍ من نقله للأجيال القادمة.
عندها فقط، يمكننا أن نغني مع أطفالنا نشيداً لا يكتبه الجلّاد، بل يكتبه العاشقون لوطنٍ يُشبه ملامحهم... نشيداً عنوانه: أمانٌ لا خوف، انتماءٌ لا تشرد، وكرامةٌ لا تُستجدى، ووطن لا يُورَّث كالغنائم..



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تركيا والكردستاني.. هل اقترب حلّ القضية الكردية؟
- مرسوم للعدالة الانتقائية: الكل تحت المحاسبة ما عدا -ربعنا-!
- النصر الروسي في سوريا... هزيمة بصيغة أخرى؟
- صديق نفسه
- السوريون بين مطرقة العقوبات وسندان الفساد: هل من مخرج؟
- التطبيع الزاحف: كيف يُهيَّأ الشعب السوري لقبول المستحيل؟
- جدوى الكفاح المسلح في ظل التحولات الدولية: بين الواقع والتطل ...
- حين يتجاوز ترامب -إسرائيل-: دلالات التفاهم مع الحوثيين
- الصراع المتجدد بين الهند وباكستان: جذور تاريخية وتحديات معاص ...
- جنازة الضمير في بث مباشر
- ظاهرة الإساءة إلى الأديان: من يؤجّجها؟ وكيف نواجه تداعياتها؟
- من حرب المصالح إلى خطر التقسيم.. سوريا أمام مفترق طرق
- الوطنية بين الشعارات الجوفاء والممارسات المكشوفة
- من زنزانة إلى طاولة المفاوضات.. هل تدرك أنقرة قيمة ورقة أوجل ...
- الفساد والانفتاح.. إعدام الاقتصاد السوري
- الواقع الأمني والاجتماعي في الساحل السوري.. مجازر وقلق وخيبا ...
- اليسار نائم: الرجاء عدم الإزعاج!
- -ثوار- خارج الخدمة
- اللجنة الوطنية للتحقيق: عندما تتحول المجازر إلى مسلسل شهري ب ...
- رسالة إلى سلطةٍ لم تَعُد ترى إلا ما تُريد..


المزيد.....




- الهند: موجات الحر الشديدة تهدد ثلاثة أرباع سكان البلاد
- السلطة الفلسطينية تتهم القوات الإسرائيلية بإطلاق النار على و ...
- هل أصبحت أوروبا مهددة بوباء حمى الضنك وشيكونغونيا بسبب الاحت ...
- الموت المفاجئ يطارد لاعبي كمال الأجسام المحترفين
- لماذا أعاد الأردن 17 طفلا فلسطينيا لقطاع غزة؟
- -يجب وضع حدّ لهذا الصمت المُطبق حيال ما يحدث في غزة-- الإندب ...
- لأول مرة في العالم: جراحون أمريكيون ينجحون في زرع مثانة بشري ...
- إنقاذ مئات الأشخاص بسبب الفيضانات التي ضربت مقاطعة نيو ساوث ...
- عون يلتقي عباس وسلاح المخيمات على بساط البحث: لن يكون لبنان ...
- برشلونة يركز اهتمامه على زميل محمد صلاح!


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ضيا اسكندر - دور الحروب والأزمات المعيشية في تفكك الروابط الأُسرية