ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 13:54
المحور:
كتابات ساخرة
بأسلوب يذكّرنا بـ "المحاكم الثورية"، قررت نقابة المحامين في ريف دمشق تشكيل "لجنة تقصّي حقائق" للتحقيق مع كل محامٍ خدم في الجيش السوري خلال الفترة بين 2012 و2024!
سواء كان مجنداً إلزامياً، أو متطوعاً، أو حتى من دفع بدل خدمة ليتجنّب القتال!
اللافت أن القرار يخلط بلا خجل بين:
من نفّذ أوامر عسكرية قانونية دون تورط في جرائم حرب، ومن هرب من الخدمة وباع ما يملك ليدفع بدلاً مالياً!
كأنّ النقابة تبحث عن "كبش فداء" يحمّل أوزار الحرب، بشعار يبدو أنه غير مكتوب لكنه واضح:
"المتهمون: هم.. الجميع!"
والقرار يفضح تناقضاً فجّاً:
المجندون: متهمون بـ "دعم النظام" لمجرد تنفيذهم الخدمة الإلزامية! وكأن القانون لا يفرّق بين جندي يؤدي واجبه ومجرم حرب.
المتهربون: متهمون أيضاً لأنهم "دفعوا أموالاً للنظام" بدلاً من الخدمة! وكأن دفع البدل، وهو هروب من القتال، صار فجأة "تمويلاً للإجرام"!
هنا تقع النقابة في فخ التناقض الكوميدي:
الجندي خائن، والمتهرب ممول للإجرام... فمن البريء إذاً؟!
والمفارقة الأكبر أن النقابة تكرّس تحوّل المؤسسات المهنية إلى فروع أمنية، كما حدث في نسخٍ سابقة من هذا المسلسل:
حقبة الأسد: حُوّلت النقابات إلى "منظمات شعبية" تتبع حزب البعث، وتم قمع إضرابها التاريخي عام 1980 بالاعتقالات والحلّ التعسفي.
حقبة الجولاني في إدلب: حوّلت "هيئة تحرير الشام" النقابات إلى أدوات لقمع المعارضين تحت مسمى "جهاز الظلم العام".
اليوم: نقابة المحامين بريف دمشق تستنسخ النموذج ذاته، وتحاول أن تلعب دور "محكمة ثورية" ببدلة المحاماة!
كما أن القرار يضرب عرض الحائط بأبسط قواعد العمل النقابي والقانوني:
- التحقيق الإداري العشوائي بدلاً من اللجوء للقضاء المختص.
- ابتزاز مالي عبر فرض غرامات على من دفعوا بدل الخدمة سابقاً، وكأنهم مدينون للنقابة!
- تشويه سمعة المحامين بالجملة، دون تمييز بين من دافع عن القانون ومن انتهكه.
والسؤال المشروع هنا: من يحاسب النقابة؟ لا سيما وأن القرار يناقض القانون السوري والدولي:
- فالخدمة الإلزامية واجب دستوري وليست جريمة.
- ومحاكمة جرائم الحرب من اختصاص المحاكم العسكرية أو المحاكم الدولية، لا "لجان النقابة"!
فهل يُعقل أن يصبح تنفيذ القانون... جريمة؟
وكيف لهيئة يفترض أنها حامية للقانون أن تتحول إلى جهة قمعية تنتهكه؟!
ما جرى يُجسّد تراجيديا النقابات السورية باختصار:
"باسم محاربة الفساد.. يُنتَج فساد أكبر، وباسم العدالة.. تُنتهك الحقوق!"
النقابة التي كان يُفترض أن تكون درعاً للمحامي، تحوّلت إلى سيفٍ مسلّط على رقبته،
ومن كان يفترض أن يكون حارساً للعدالة، صار يمارس "عدالة الغاب".
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟