أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ضيا اسكندر - لو عرفنا الغد... لما عشناه














المزيد.....

لو عرفنا الغد... لما عشناه


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 8352 - 2025 / 5 / 24 - 14:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من أجمل نِعَم الحياة أنها لا تكشف أوراقها دفعةً واحدة. نمشي في دهاليزها على ضوء شمعة، لا على وهج شمس. نعرف ما يكفي لنواصل السير، لكننا نجهل بما يكفي لنظل بشراً: نرتبك، نحلم، نرجو، ونخاف. لا نملك خريطةً للمستقبل، إلا في نشرات الطقس أو في علوم الفلك حين يخبروننا عن خسوفٍ أو كسوفٍ أو اقتراب مذنّب. أما مصائرنا، ومصائر من نحبّ، وعلاقاتنا، وسقوط الدول، وأفول الإمبراطوريات، فلا تزال طيّ الغيب، تُقرأ في أفضل حالاتها كفرضيات أو تكهنات واحتمالات.
تخيّلْ لو أن هاتفك يذكّرك بموتك كما يُذكّرك بعيد ميلاد صديق، أو أن أمراضك القادمة معروضة منذ الآن على شاشةٍ أمامك!
تخيّلْ لو أن لقاءك الأول مع من تحب هو في الوقت ذاته وداعك الأخير له...
هل كنت ستعيش حقاً؟ هل كنت ستُحب بالجرأة نفسها، وتضحك بالبراءة ذاتها، وتحلم بعفوية الطفل الذي لا يعرف بعد أن الحياة تفترس الأحلام؟
أم كنت ستقف على هامش الحياة، متفرّجاً لا شريكاً؟
تخيّلوا لو أننا كنّا نعلم مسبقًا كل ما سيحدث!
لو أنّ المصير لم يكن سرّاً، بل حقيقةً معلنة تنتظر التنفيذ…
قد يتساءل البعض: ولماذا تنحو أسئلتك هذا المنحى الكئيب؟
والجواب ببساطة: لحظات السعادة نادرة، كأنها عطايا خاطفة وسط سيلٍ من الخسائر. الأفراح نوافذ صغيرة في جدار طويل من الأسئلة، والمصائب أكثر عدداً من الضحكات، والخيبات أشد حضوراً من الانتصارات. ولأن الوعي نفسه، الذي نتباهى به كبشر، هو أول أبواب القلق. ما أن نعي هشاشتنا وزوالنا، حتى تبدأ سلسلة الأسئلة الثقيلة: من سأخسر؟ ماذا سينكسر فيّ؟ ومتى؟
وهكذا يصبح جهلنا بالمستقبل ضرباً من الرحمة، نوعاً من الحماية النفسية، تحفظ لنا الشغف، وتُبقي على جذوة الدهشة.
لو كُشف لنا الغيب، كنا سنُحب بتحفّظ، ونضحك بحذر، ونخطو بحساب، لو عرفنا الغيب، لتحوّلت أيامنا إلى مسرحٍ باهت، نعرف فيه نهاية كل مشهد قبل أن يُعرض، ونقرأ قدرنا كأننا نقرأ وصفة دواء: دون عاطفة، دون مفاجآت، دون دهشة..
سرّ الحياة أنها لا تُعطينا خريطتها.
أن نستيقظ كل صباح دون أن ندري ما يخبئه لنا المساء، هو ما يمنح اليوم معناه، ويمنح القلب خفقته. نحب لأننا لا نعلم، ونحلم لأننا نأمل، ونسامح لأن المستقبل لا يزال مجهولاً.
لو أن الإنسان امتلك يقين الغد، لاختفى الإبداع، وتجمّدت العواطف، وذبل الحنين.
كيف نحب ونحن نعلم أن الفراق مؤكد؟
فلو امتلكنا يقين الغد، لاختفى الإبداع، وتجمّدت المشاعر، وذبل الحنين. لأن اليقين يقتل المغامرة، والمعرفة المسبقة تُطفئ الرغبة في التجربة، والرحلة بلا مفاجآت لا تُشبه سوى تمارين عسكرية: دقيقة، لكن بلا روح.
الجهل بالمستقبل ليس عيباً فينا، بل هو سرّ بقائنا. هو ما يمنح للحظة قيمتها، وللحُب نُبله، وللأمل معناه.
نتعثر، ثم ننهض. نحب، ثم نُخذل. نحاول، ثم نعيد المحاولة. وفي كل ذلك، لا نقلّد الحياة... بل نعيشها.
ومع كل هذا، يظل السؤال معلقاً في سماء الحيرة كقمرٍ لا يكتمل:
هل جهلنا بالمصير نوعٌ من الهروب من الحقيقة؟
أم أنه الحقيقة الوحيدة التي تجعل الحياة تستحق أن تُعاش؟
لا تسألوا الأيام عن سرِّ المسير
فالحكمةُ في أن نخطو، لا أن نعرف.
نُحبّ بلا وعدٍ
ونمضي بلا خريطة
لأنّ أجمل القصائد كُتبت
حين تاه الشاعر في عتمة الحروف.
فدعوا الغد يأتِ متخفياً
ربما يحمل معه وردة... وربما عاصفة.
لكننا، رغم كل شيء، سنظل نفتح النوافذ... كل صباح.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور الحروب والأزمات المعيشية في تفكك الروابط الأُسرية
- تركيا والكردستاني.. هل اقترب حلّ القضية الكردية؟
- مرسوم للعدالة الانتقائية: الكل تحت المحاسبة ما عدا -ربعنا-!
- النصر الروسي في سوريا... هزيمة بصيغة أخرى؟
- صديق نفسه
- السوريون بين مطرقة العقوبات وسندان الفساد: هل من مخرج؟
- التطبيع الزاحف: كيف يُهيَّأ الشعب السوري لقبول المستحيل؟
- جدوى الكفاح المسلح في ظل التحولات الدولية: بين الواقع والتطل ...
- حين يتجاوز ترامب -إسرائيل-: دلالات التفاهم مع الحوثيين
- الصراع المتجدد بين الهند وباكستان: جذور تاريخية وتحديات معاص ...
- جنازة الضمير في بث مباشر
- ظاهرة الإساءة إلى الأديان: من يؤجّجها؟ وكيف نواجه تداعياتها؟
- من حرب المصالح إلى خطر التقسيم.. سوريا أمام مفترق طرق
- الوطنية بين الشعارات الجوفاء والممارسات المكشوفة
- من زنزانة إلى طاولة المفاوضات.. هل تدرك أنقرة قيمة ورقة أوجل ...
- الفساد والانفتاح.. إعدام الاقتصاد السوري
- الواقع الأمني والاجتماعي في الساحل السوري.. مجازر وقلق وخيبا ...
- اليسار نائم: الرجاء عدم الإزعاج!
- -ثوار- خارج الخدمة
- اللجنة الوطنية للتحقيق: عندما تتحول المجازر إلى مسلسل شهري ب ...


المزيد.....




- هيئة البث الإسرائيلية: الجيش أدخل كل ألوية المشاة إلى غزة وا ...
- الدفاع الروسية: الدفاعات الجوية تعترض 95 مسيرة أوكرانية خلال ...
- مصر.. سياسي بارز يفجر مفاجأة صادمة عن المال السياسي في الانت ...
- بينهم موسيقيّ بارز.. الكشف عن ضحايا تحطم الطائرة في سان دييغ ...
- فيضانات أستراليا.. خمسة قتلى وآلاف المنازل المتضررة
- رئيس الكونغو الديمقراطية السابق يواجه محاكمة
- ترامب يهدد أوروبا.. 50% رسوم جمركية
- لقطات من قمرة قيادة فريق -فرسان روسيا- أثناء تنفيذه الألعاب ...
- مروحيات عسكرية تنقل جنودا إسرائيليين جرحى إلى المستشفيات تزا ...
- -ذا صن-: حزب المحافظين البريطاني يريد إعادة بوريس جونسون إلى ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ضيا اسكندر - لو عرفنا الغد... لما عشناه