أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضيا اسكندر - الصلاة في زمن الخوف














المزيد.....

الصلاة في زمن الخوف


ضيا اسكندر
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8386 - 2025 / 6 / 27 - 14:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في كل حضارة، ومنذ فجر الإنسانية، كانت أماكن العبادة ملاذاً روحياً، يأوي إليه الإنسان للتأمل وطلب للطمأنينة.
ففي المساجد والكنائس والمعابد، يتوق المؤمنون إلى لحظات يختلط فيها الخشوع بالسكينة، بحثاً عن السلام، والتطهّر من أعباء الحياة وضجيجها، والتماساً من الطقس الديني عزاءً يعينهم على الاستمرار.
غير أن هذا السلام بات مهدّداً. فكم من مؤمن دخل إلى بيتٍ من بيوت الله وهو يحمل في قلبه الرجاء، ليجد نفسه فجأة، في قلب مأساة... دويّ انفجار، صرخات ذعر، وصلاة لم تُكمل! تشيع الرعب وتغتال المعنى الأسمى للعبادة.
كيف يمكن لإنسان أن يركع لله مطمئناً، وهو يتوجّس من أن تكون هذه الركعة الأخيرة؟
وكيف للمؤمن الخضوع لسكينة روحه، بينما جسده يتأهّب للفرار عند أول صوت مريب؟

سؤال يفرض نفسه: كيف تؤمّن دور العبادة من الإرهاب؟
الحماية الأمنية ضرورة، نعم، لكنّها ليست كافية. إذ إن تجفيف منابع الإرهاب لا يبدأ من فوهات البنادق، بل من جبهات الفكر والثقافة والسياسة.
علينا مواجهة الإرهاب لا كفعلٍ منفرد، بل كنتاجٍ مركّبٍ لانسداد الأفق، والفقر، والتهميش، والانحطاط التربوي، والتعبئة العمياء التي تُنبت التطرف في تربة اليأس والجهل.
ولعلّ الجذر الأعمق يكمن في الخلط بين الدين والدولة. فحين تتداخل السلطة بالعقيدة، تُفتح الثغرات لكل من يسعى لتبرير العنف باسم المقدّس.
والعلمانية هنا لا تعني خصومة مع الدين، بل صيانته من التسييس، وحماية للمجتمع من الانقسام على أسس طائفية.

لقد أدركت أوروبا - بعد قرون من الحروب الدينية والدماء المهدورة باسم الله - أن لا نهضة دون علمانية، ولا تقدّم بلا وضع الدين في مكانه الطبيعي؛ في قلب الإنسان، لا في قبضة السلطة.
وحين فعلت ذلك، ازدهرت، وتصالحت مع تعددها، وأصبحت مثالاً يُحتذى به في التعايش والاحترام المتبادل.
لا يمكن تحصين دُور العبادة من خطر الإرهاب، دون التوجّه إلى الجذور التي تُغذيه. فالإصلاح يبدأ من المدرسة، حيث تُبذر بذور التسامح والمواطنة في عقول الناشئة، ويكتمل بدورٍ إعلامي ناضج يقدّم العلمانية بوصفها ضامناً للتعددية الدينية وليست خصماً للإيمان. وفي موازاة ذلك، لا بد من اجتثاث الجهل والخرافة، عبر إشراك المؤسسات الثقافية والدينية في ورش عمل تحصّن الفكر، مع معالجة الفقر والبطالة اللذين يوفران البيئة المثالية لتمدّد التطرف.
ولا يتحقق كل ذلك دون ترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية، ليشعر كل فرد، أياً كان انتماؤه الديني، أنه شريك كامل في الوطن، لا مواطن منقوص الحقوق.

ختاماً: الإرهاب لا يميز بين ضحاياه، ولا يقتصر على أماكن العبادة وحدها، فقد يطال المدارس والأسواق العامة والمؤسسات والمستشفيات، مستهدفاً جوهر الحياة وأمنها.
ودُور العبادة لا تُصان فقط بالجدران العالية وفي تكثيف الحراسات وكاميرات المراقبة، بل بما نبنيه داخل العقول والقلوب من وعي ومسؤولية وحرية.
عندما يشعر كل فرد أن المسجد أو الكنيسة أو المعبد بيتٌ للطمأنينة، لا للترقب والخوف، حينها فقط تستعيد الصلاة لحظتها الخالصة؛ لقاء روحاني لا يعكّره دويّ انفجار، ولا ظلال الحقد والكراهية.
وما لم نعتمد العلمانية نهجاً واضحاً، لا شعاراً مراوغاً يُستخدم لتزيين الخطابات، فإن القادم سيكون أدهى وأمرّ، وما حدث مؤخراً في كنيسة مار الياس بدمشق، ليس إلا بروفة دامية لما قد ينتظرنا… إذا استمرّ الجهل مشرّع الأبواب والتعصّب محروساً برعاية السلطة ومُبرّراً بالتشريع.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل مجزرة -كنيسة مار إلياس- آخر -التجاوزات الفردية-؟
- الردع الرمزي وتوازن الهيبة
- الثغرات القاتلة.. قراءة في فشل استخبارات إيران خلال الحرب
- ترامب.. بائع السلام الذي يشعل الحروب
- الأسد الصاعد والوعد الصادق: صراع البقاء بين تل أبيب وطهران
- هل تركيا الهدف التالي بعد إيران؟ قراءة في تحذيرات زعيم القوم ...
- يا للعجب! ويا للمهزلة!
- الضربة التي لم تفاجئ أحداً.. حين يُضرب الكبرياء الإيراني فجر ...
- وسام العزاء الذهبي
- حين تتحوّل النقابات إلى فروع أمنية
- تسعة أكفان بيضاء... وقلبٌ لا ينكسر
- لو عرفنا الغد... لما عشناه
- دور الحروب والأزمات المعيشية في تفكك الروابط الأُسرية
- تركيا والكردستاني.. هل اقترب حلّ القضية الكردية؟
- مرسوم للعدالة الانتقائية: الكل تحت المحاسبة ما عدا -ربعنا-!
- النصر الروسي في سوريا... هزيمة بصيغة أخرى؟
- صديق نفسه
- السوريون بين مطرقة العقوبات وسندان الفساد: هل من مخرج؟
- التطبيع الزاحف: كيف يُهيَّأ الشعب السوري لقبول المستحيل؟
- جدوى الكفاح المسلح في ظل التحولات الدولية: بين الواقع والتطل ...


المزيد.....




- شاهد.. مسيرات حاشدة في محافظات يمنية تبارك انتصار الجمهورية ...
- عيد النائمين السبعة: قصة مسيحية تنبئ الألمان بالطقس
- الاحتلال يعتقل شابا من -الأقصى- ويبعد أحد حراس المسجد
- 45 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
- ما مستقبل المسيحيين في سوريا في ظل السلطة الجديدة؟
- خطيب الأقصى: ظهور نتنياهو في أنفاق المسجد تحد لإثبات السيادة ...
- الأرجنتين: القضاء يعتزم محاكمة مسؤولين إيرانيين سابقين غيابي ...
- خطوات تثبيت تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي نايل سات ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 شغله على نايل وعرب سات بكل ...
- حبس رئيس الأساقفة في أرمينيا بتهمة تنفيذ محاولة انقلاب


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضيا اسكندر - الصلاة في زمن الخوف