ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 12:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تشير الإبلاغات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران حول نيات كل طرف في تنفيذ ضربات عسكرية محددة - سواء استهداف المنشآت النووية الإيرانية أو قاعدة "العديد" في قطر - إلى وجود نمط من التواصل غير المباشر، يكشف عن مستوى عالٍ من الإدراك المشترك لخطورة الانزلاق نحو مواجهة شاملة. هذا النمط، الذي يمكن تسميته بـ "التنسيق العدائي"، لا يعني بالضرورة تقارباً سياسياً، بل يمثل اعترافاً متبادلاً بحدود القوة وأكلاف التصعيد، وسعياً إلى إدارة التوتر ضمن قواعد اشتباك غير مكتوبة.
في هذا الإطار، يمكن قراءة الرد الإيراني السريع على الهجوم الأمريكي الأخير ليس كتصعيد منفلت، بل كخطوة محسوبة بعناية، تنتمي إلى سياسة "الردع الرمزي" التي تعتمدها طهران منذ سنوات. الهدف ليس تحقيق مكاسب ميدانية مباشرة، بقدر ما هو إيصال رسالة مزدوجة: أولاً، أن طهران تحتفظ بقدرة فاعلة على الرد السريع، وثانياً، أنها لا تزال قادرة على استعادة توازن الهيبة في أي لحظة يُشكّك فيه بوزنها الإقليمي.
أما الضربة الصاروخية الإيرانية التي نُفّذت قبل لحظات من سريان وقف إطلاق النار، واستهدفت مواقع في إسرائيل، فهي مثال آخر على ما يمكن وصفه بـ"الاستعراض الاستراتيجي". فالتوقيت، والدقة، والرمزية المرافقة للعملية، تكشف أن طهران لا تسعى فقط إلى الانتقام، بل إلى تثبيت موقعها كطرف مستقل في معادلة الصراع، لا يتحرك بالوكالة، بل يفرض إيقاعه الخاص، حتى في مواجهة خصوم يفوقونها في القدرات التكنولوجية والعسكرية.
ما يميز السلوك الإيراني في هذه المرحلة هو غياب الاندفاع العاطفي، مقابل حضور لافت للعقلانية الاستراتيجية. طهران لا تستجيب لكل ضربة بضربة مماثلة، بل تختار توقيت الرد وأسلوبه بما يخدم هدفاً بعيد المدى: فرض معادلة ردع جديدة، وإعادة رسم خارطة النفوذ الإقليمي بما يتجاوز الجغرافيا التقليدية للصراع.
الردع هنا ليس استباقياً بالمعنى التقليدي، بل رمزياً، موجهاً للخصم وللإقليم وللقوى الكبرى في آنٍ معاً. وهذا ما يجعل الصراع بين طهران وواشنطن — أو بين طهران وتل أبيب — ليس مجرد تبادل نيران، بل تبادلاً للرسائل المُشفّرة، يُدار بعقلية الشطرنج أكثر مما يُخاض بعقلية المواجهة المباشرة.
في المحصلة، يبدو أن إيران باتت تعتمد سياسة "الردع المتدرج"، القائمة على تصعيد محدود ومدروس، هدفه ليس الانتصار النهائي، بل منع الهزيمة الرمزية، وتأكيد أن حضورها الإقليمي ليس طارئاً ولا قابلاً للتجاوز. وهنا تكمن قوة الردع الرمزي: في كونه أداة سياسية بقدر ما هو فعل عسكري، يسعى لا إلى تدمير العدو، بل إلى إعادة تعريف ميزان القوى، وتثبيت الهيبة.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟