أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - هوية بصرية.. أم بصيرة غائبة؟














المزيد.....

هوية بصرية.. أم بصيرة غائبة؟


ضيا اسكندر
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8393 - 2025 / 7 / 4 - 13:52
المحور: كتابات ساخرة
    


اتصل بي في ساعة متأخرة من مساءٍ لا يُبشّر بخير، ومن دون أي تمهيد أو تحية، اندفع صوته المتوتر عبر الهاتف، قائلاً:
– هل تتابع ما يجري في الساحات ضمن المناطق التي تُسيطر عليها هيئة تحرير الشام؟
فاجأني سؤاله كصفعة غير متوقعة. أنا الذي لم يعرف الغفلة عن تفاصيل هذا البلد منذ اندلاع الحريق الأول، شعرتُ للحظة أن حدثاً جللاً قد وقع من دون أن يمرّ على راداري. فسألته متوجساً:
– خير؟ ماذا هناك؟
ردّ بلهجة تنضح بالخذلان:
– يا رجل! مئات الآلاف يحتشدون في الساحات، ينتظرون بفارغ الصبر ما ستعلنه "سلطة الأمر الواقع"، مترقبين الإعلان عن الهوية البصرية الجديدة لسوريا! تخيّل، هوية بصرية! يا حيف! يا حيف على السنوات التي هدرتها من عمري في النضال من أجل شعب منافق، انتهازي، متخلف، وغير قابل للتطور أبداً. أُقسم لك، لو بُعث فيهم محمدٌ من جديد، لعجز عن إصلاحهم!
ثم تابع ساخراً:
– وأجزم لك أن الغالبية العظمى من الواقفين هناك لا يعرفون أصلاً ما تعني عبارة "الهوية البصرية"!
زفرت تنهيدة طويلة، كأنّي أحاول إطفاء الحريق الذي شبّ في صدره:
– أولاً، أرجوك، خذ نفساً عميقاً، واذهب واشرب كأساً من الماء، بل شغّل الكاميرا ودعني أراك وأنت تشربه. أحتاج أن أطمئن أنّك لم تبتلع لسانك مع غصّة هذا الوطن.
ضحك بمرارة:
– وهل صرت طبيباً نفسياً الآن؟ لماذا يجب أن أرتشف الماء أمامك؟
– لأنّ الماء في مثل حالتك علاج، ولأنّي أخشى أن تجرفك نوبة الغضب إلى مكان لا عودة منه.
– يا رجل، بالكاد تمكنت من الاتصال بك، فالشبكة في الحضيض، وتشغيل الكاميرا سيقضي على المكالمة، ومع ذلك أعدك بأن أشرب، هل يُرضيك ذلك؟

ثم عاد بعد لحظات، بنبرة أقل توتراً:
– حسناً، تفضل.. ما رأيك؟ هل لديك تعليق على ما يجري؟
فقلت له بهدوء لا يخلو من الألم:
يا صديقي العزيز، دعنا نكن أكثر دقة وإنصافاً: ما شاهدته على فيسبوك لا يرقى إلى مشهد لمئات الآلاف كما ظننت، بل بضع آلاف في أحسن الأحوال، لا يتجاوزون – في تقديري – 5% من السكان في تلك المناطق. فهل من الحكمة أن نعمّم حُكماً قاسياً على شعب بأسره بناءً على تصرفات فئة قليلة، مهما بدت مستفزّة؟
ثم لِم لا تلقي نظرة أخرى، ولكن هذه المرة على سيل التعليقات الغاضبة والساخرة من هذه "المسرحية السمجة" على مواقع التواصل؟ ستجد أنّ المزاج الشعبي العام لا يرحّب بهذا العبث المسمّى "هوية بصرية"، بينما الناس بالكاد تجد ما تسدّ به رمقها، أو ما يداوي وجعها.
كان الأولى بالحكومة أن تضع جهدها ومالها في مواضع الحاجة الحقيقية، في تلك الأولويات التي يعرفها الطفل والمسنّ، القاصي والداني، دون حاجة لشعارات رنانة ولا ألوان مُبهرة.
ولا تنسَ، يا صديقي، أن هذا الشعب لم يكن يملك قراره طوال عقود من التسلّط والقمع، في مناخ خنق فيه الوعي، وشُوّهت فيه القيم، فكيف نطالبه اليوم بالكمال؟
نعم، الطريق نحو الشفاء طويل، ولكن لا أحد يشفى إذا وُضع موضع الإدانة دائماً.
سوريا، بكل فسيفسائها، بكل أقلياتها وغالبية أكثريتها، لا يمكن أن ترضخ طويلاً لحكمٍ يستمد شرعيته من تطرف أو غلوّ، أو من خارج التاريخ.
صحيح أن ما حصل في البلاد لم يكن بيد الشعب، بل خُلِطت أوراقه على طاولات إقليمية ودولية، وقد تُخلط من جديد بتفاهمات مشابهة، لكن تبقى الحقيقة الأهم: لا شعب يقبل أن يبقى على هامش مصيره إلى الأبد.
قد يغيب الدور الشعبي حيناً، لكنه لا يُمحى... بل يعود، حين يدرك الجميع أن لا خلاص إلا بإرادة من الداخل، لا بإملاء من الخارج.
قهقه ساخراً:
– وماذا بعد؟ ستقول لي إنّ الفجر قادم، وأنّ التغيير على الأبواب؟! يا عزيزي، أراهنك أن ما تتحدث عنه لن يحصل حتى في زمن أحفاد أحفادنا.
قلت بإصرار لا يعرف الانكسار:
– لا ضير من أن نكون آخر الواقفين في هذا المدى، لكنني لن أمدّ يدي لمصافحة اليأس. الاستسلام لا يصنع خلاصاً، بل يراكم المزيد من الركام على ما تبقّى فينا من كرامة.
قد لا نرى التغيير في أعمارنا، لكن كل حجر نرميه في مياه الجمود يصنع دوائر، وكلّ قطرة وعي تنزل اليوم، ستُثمر غداً وطناً يستحق الحياة.
في زمن الهزائم المتتالية، لا عار في أن نحزن، لكنّ العار، كل العار، أن نحترف جلد الذات ونغفل عن نورٍ صغير في نهاية نفق طويل.
فالهويّة البصرية مهما تزيّنت، لن تخفي قبح الواقع. أما الشعب، فمهما أنهكته المسرحيات، ستأتي لحظة يُسدل فيها الستار... ويبدأ العرض الحقيقي.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تصبح البديهيات مادةً للجدل
- الصلاة في زمن الخوف
- هل مجزرة -كنيسة مار إلياس- آخر -التجاوزات الفردية-؟
- الردع الرمزي وتوازن الهيبة
- الثغرات القاتلة.. قراءة في فشل استخبارات إيران خلال الحرب
- ترامب.. بائع السلام الذي يشعل الحروب
- الأسد الصاعد والوعد الصادق: صراع البقاء بين تل أبيب وطهران
- هل تركيا الهدف التالي بعد إيران؟ قراءة في تحذيرات زعيم القوم ...
- يا للعجب! ويا للمهزلة!
- الضربة التي لم تفاجئ أحداً.. حين يُضرب الكبرياء الإيراني فجر ...
- وسام العزاء الذهبي
- حين تتحوّل النقابات إلى فروع أمنية
- تسعة أكفان بيضاء... وقلبٌ لا ينكسر
- لو عرفنا الغد... لما عشناه
- دور الحروب والأزمات المعيشية في تفكك الروابط الأُسرية
- تركيا والكردستاني.. هل اقترب حلّ القضية الكردية؟
- مرسوم للعدالة الانتقائية: الكل تحت المحاسبة ما عدا -ربعنا-!
- النصر الروسي في سوريا... هزيمة بصيغة أخرى؟
- صديق نفسه
- السوريون بين مطرقة العقوبات وسندان الفساد: هل من مخرج؟


المزيد.....




- الإسهامات العربية في علم الآثار
- -واليتم رزق بعضه وذكاء-.. كيف تفنن الشعراء في تناول مفهوم ال ...
- “العلمية والأدبية”.. خطوات الاستعلام عن نتيجة الثانوية العام ...
- تنسيق كلية الهندسة 2025 لخريجي الدبلومات الفنية “توقعات”
- المجتمع المدني بغزة يفنّد تصريح الممثل الأوروبي عن المعابر و ...
- دنيا سمير غانم تعود من جديد في فيلم روكي الغلابة بجميع ادوار ...
- تنسيق الجامعات لطلاب الدبلومات الفنية في جميع التخصصات 2025 ...
- -خماسية النهر-.. صراع أفريقيا بين النهب والاستبداد
- لهذا السبب ..استخبارات الاحتلال تجبر قواتها على تعلم اللغة ا ...
- حي باب سريجة الدمشقي.. مصابيح الذاكرة وسروج الجراح المفتوحة ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - هوية بصرية.. أم بصيرة غائبة؟