|
الرُّؤْيَة اللِّيبْرَالِيَّة -الْجُزْءُ الرَّابِعُ-
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8385 - 2025 / 6 / 26 - 21:25
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ دُورٌ الدَّوْلَةِ فِي فَرْضٍ الْأَخْلَاق ضَمِن الْإِطَار اللِّيبْرَالِيّ
دُورٌ الدَّوْلَةِ فِي فَرْضٍ الْأَخْلَاق ضَمِن الْإِطَار اللِّيبْرَالِيّ هُوَ بِالْفِعْلِ أَحَدٌ أَكْثَرَ النِّقَاط تَعْقِيدًا وَإِثَارَة لِلْجَدَل. فَاللِّيبْرَالِيَّة تُعْلِي مِنْ شَأْنِ الْحُرِّيَّةِ الْفَرْدِيَّة وَتُقَلِّلُ مِنْ تَدَخُّلَ الدَّوْلَةِ فِي الشُّؤُونِ الشَّخْصِيَّة، لَكِنَّهَا فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ تَسْعَى لِضَمَان مُجْتَمَع مُسْتَقِرّ وَعَادَل. هَذَا يَخْلُق تَوَتُراً دَائِمًا حَوْل أَيْنَ يَجِبُ أَنْ يَرْسُمَ الْخَطّ الْفَاصِل. الدُّورُ الْأَخْلَاقِيّ لِلْحُكُومَة اللِّيبْرَالِيَّة: لَيْسَ فَرْضًا، بَلْ حِمَايَة وَتَيْسِير. الْحُكُومَةُ اللِّيبْرَالِيَّة لَا تَهْدِف عَادَةً إلَى فَرْضٍ رُؤْيَة أَخْلَاقِيَّة شَامِلَةً عَلَى مُوَاطِنِيهَا، بَلْ دَوْرُهَا الْأَخْلَاقِيّ يُنْصَبُ عَلَى مَا يَلِي: 1. حِمَايَةُ الحُرِّيَّاتِ وَالحُقُوقِ: الدَّوْر الأَسَاسِيّ هُوَ ضَمَانُ حُقُوقِ وَحُرِّيَّات الْأفْرَادُ، وَهَذَا يَشْمَلُ حِمَايَتُهُمْ مِنْ الْأَذَى الَّذِي قَدْ يَلْحَقُهُ بِهِمْ الْآخَرُونَ أَوْ الدَّوْلَةِ نَفْسِهَا. مَبْدَأ الضَّرَر لِجَوَن سِتِّيوَأَرَتّ مِيلٌ هُوَ هُنَا الْأَسَاس. الْغَايَة الْوَحِيدَةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا تُمَارسْ السُّلْطَة بِصُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ عَلَى أَيِّ فَرْدٍ فِي الْمُجْتَمَعِ المُتَمَدِّن، خِلَافًا لِإِرَادَتِه، هِي الْحَيْلُولَة دُونَ إلْحَاقِ الْأَذَى بِالْإخَرِين. 2. ضَمَانُ الْعَدَالَة وَالْإِنْصَاف: تَتَجَاوَز الدَّوْلَة اللِّيبْرَالِيَّة دُور الْحَارِس اللَّيْلِيّ لِضَمَان تَكَافُؤَ الْفُرَصِ وَتَوْفِير شَبَكَة أَمَان إجْتِمَاعِيّ. هَذَا لَا يَعْنِي فَرْض أَخْلَاق مُعَيَّنَةٍ، بَلْ تَوْفِير الظُّرُوفِ الَّتِي تُمْكِنُ الْأَفْرَادِ مِنْ مُمَارَسَةِ حَرِياتُّهِم بِفَعَالِيَّة، مِثْلُ الْوُصُولِ إلَى التَّعْلِيمِ وَالرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ وَالْعَدَالَة الْقَانُونِيَّة. 3. الْحُفَّاظُ عَلَى النِّظَامِ الْعَامِّ: الدَّوْلَة مَسْؤُولَةٌ عَنْ سَنِّ القَوَانِينِ الَّتِي تَضْمَنُ التَّعَايُش السِّلْمِي، وَتَفَضُّ النِّزَاعَات، وَ تَحْمِي الْمُمْتَلَكَات. هَذِهِ الْقَوَانِينِ قَدْ تَكُونُ لَهَا أبْعَاد أَخْلَاقِيَّة ضِمْنِيَّة مِثْل قَوَانِين ضِدُّ الْعُنْفِ أَوْ السَّرِقَةِ، لَكِنَّهَا تَهْدِف أَسَاسًا إِلَى تَيْسِيرِ الْحَيَاةَ الِإجْتِمَاعِيَّةَ لَا فَرْضَ قَيِّم مُحَدَّدَة. 4. حِمَايَةُ الْفِئَات الضَّعِيفَة: تَعْتَرِفْ اللِّيبْرَالِيَّة بِمَسْؤُولِيَّة حِمَايَة أُولَئِكَ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِمَايَة أَنْفُسِهِمْ بِشَكْل كَامِلٍ، مِثْلٌ الْأَطْفَال. هَلْ يَجِبُ أَنْ تَتَدَخَّل الدَّوْلَة لِفَرْض مَعَايِير أَخْلَاقِيَّة مُعَيَّنَةً؟ هَذَا هُوَ قَلْبُ الْمُعْضِلَة: حِمَايَةُ الْبِيئَة: أَغْلَب الْمُجْتَمَعَات اللِّيبْرَالِيَّة تُقِرّ بِضَرُورَة تَدَخُّلَ الدَّوْلَةِ لِحِمَايَة الْبِيئَة مِثْلَ فَرْضِ قَوَانِين الِإنْبِعَأَثْأَتْ، حِمَايَةُ الْمَوَارِد الطَّبِيعِيَّة. هَذَا التَّدَخُّل يُبَرِّر عَادَةً مِنْ مَنْظُورٍ "الضَّرَر". التَّلَوُّث يُلْحِقُ ضَرَرًا بِالصِّحَّة الْعَامَّة وَمُسْتَقْبَل الأَجْيَال الْقَادِمَة أَوْ مِنْ مَنْظُورٍ "الصَّالِحَة الْعَامَّةِ" الَّذِي تَتَّفِقُ عَلَيْهِ غَالِبِيَّة الْمُجْتَمَع. هُنَا، تُعْتَبَرُ حُرِّيَّةُ الْفَرْدِ فِي التَّلْوِيثِ مُقَيَّدَة لِحِمَايَة حَقِّ الْآخَرِينَ فِي بِيئَة صِحِّيَّة. حُقُوقُ الْحَيَوَانِ: هَذَا أَكْثَرُ إثَارة لِلْجَدَل. بَعْض اللِّيبْرَالِيِّين يُجَادِلُون بِأَنَّ حُقُوقَ الْحَيَوَان تُعَدُّ قَضِيَّة أَخْلَاقِيَّة تَتَطَلَّب تَدَخُّلَ الدَّوْلَةِ لِمَنْع الْقَسْوَة غَيْر المُبَرِّرَة مِثْل الْقَوَانِين ضِدّ إسَاءَة مُعَامَلَة الْحَيَوَانَات. آخَرُونَ يَرَوْنَهَا أَقَلّ أَوْلَوِيَّة مُقَارَنَة بِالْحُقُوق الْبَشَرِيَّةِ، أَوْ أَنَّهَا تَقَعُ ضِمْنَ نِطَاق الِإخْتِيَار الشَّخْصِيّ فِي الِإسْتِهْلَاكِ أَوْ الْمُمَارَسَات الزِّرَاعِيَّة، طَالَمَا لَا تَسَبُّبَ ضَرَرًا مُبَاشِرًا لِلْبَشَر. الْقَيِّمُ العَائِلِيَّة: اللِّيبْرَالِيَّة بِطَبِيعَتِهَا تَتَحَفَّظ بِشَدِّة عَلَى تَدْخُلُ الدَّوْلَةِ فِي تَحْدِيدِ "الْقَيِّم العَائِلِيَّة" أَوْ أشْكَالٍ الْعَائِلَة الْمَقْبُولَة مِثْل الزَّوَاج الْمِثْلِيّ، أشْكَال الْأُبُوَّة الْمُخْتَلِفَة. تُرَكِّزُ عَلَى حِمَايَةِ حُقُوقَ الْأَفْرَادِ دَاخِلَ هَذِهِ التَّرْتِيبَات مِثْل حِمَايَة الْأَطْفَالِ مِنْ الْإِسَاءَةِ، وَلَكِنْ لَيْسَ فَرْضَ نَمُوذَج عَائِلي مُعَيَّنٍ. أَيْ تَدْخُلُ هُنَا غَالِبًا مَا يُبَرِّرُ بِحِمَايَة أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ الضُّعَفَاءِ مِثْلَ الْأَطْفَالِ، وَ لَيْسَ بِفَرْض رُؤْيَة أَخْلَاقِيَّة لِلْعَائِلَة. أَيْنَ يَقَعُ الْخَطّ الْفَاصِل؟ الْخَطّ الْفَاصِلِ بَيْنَ حِمَايَةُ الحُرِّيَّاتِ الْفَرْدِيَّة وَضَمَان مُجْتَمَع أَخْلَاقِيّ وَمُسْتَدَام هُوَ خَطُّ مُتَغَيِّر بِإسْتِمْرَار، وَيَتَأَثَر بِالنَّقَاش الْعَامِّ، التَّطَوُّرَات الِإجْتِمَاعِيَّة، وَ التَّحْدِيَات الْجَدِيدَةُ. لَا تُوجَدُ إجَابَةٌ وَاحِدَةٌ مُحَدَّدَة، لَكِنْ الْمَبَادِئ اللِّيبْرَالِيَّة تُقَدِّمُ إِطَارًا لِلْمُنَاقَشَة: 1. مَبْدَأُ الضَّرَرَ (Harm Principle): هُوَ الْمِعْيَارُ الأَسَاسِيّ. يَحِقّ لِلدَّوْلَة التَّدَخُّل لِتَقْيِيد الْحُرِّيَّةَ الْفَرْدِيَّةَ فَقَطْ عِنْدَمَا تَسَبَّب مُمَارَسَة هَذِهِ الْحُرِّيَّةِ ضَرَرًا مُبَاشِرًا وَقَابِلًا لِلْقِيَاس لِلْآخَرِين، بَشَرٍ، أَوْ بِيئَة تُؤَثِّرُ عَلَى الْبَشَر. 2. مَبْدَأُ النَّفْعِيَّة (Utilitarianism) فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ: بَعْض السِّيَاسَات قَدْ تَبَرَّر إذَا كَانَتْ تَحَقَّق أَكْبَرَ قَدْر مِنْ الْخَيْرِ لِأَكْبَر عَدَدٍ مِنْ النَّاسِ، حَتَّى لَوْ قُيِّدَتْ بَعْض الحُرِّيَّات الْفَرْدِيَّة بِشَكْل طَفِيف مَثَلًا، قُيُود الْمُرُور لِسَلَامَة الْجَمِيع. 3. الْعَقْدِ الِإجْتِمَاعِيِّ (Social Contract): الْأَفْرَاد يُوَافِقُون ضِمْنِيًّا عَلَى التَّنَازُلِ عَنْ بَعْضِ حَرِياتُّهم الْمُطَلَّقَةُ لِصَالِح قَوَانِين تَمَكُّنِهِمْ مِنْ الْعَيْشِ بِسَلَام فِي مُجْتَمَعٍ مُنَظَّمٍ. هَذِهِ الْقَوَانِينِ تُشْكِل الْحَدّ الْأَدْنَى مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمُشْتَرَكَة. 4. الْقَيِّمُ الدُّسْتُورِيَّة (Constitutional Values): الدَّسَاتِير فِي الدُّوَلِ اللِّيبْرَالِيَّة تُكَرِّس قَيِّمًا مِثْل الْمُسَاوَاة، الْعَدَالَةِ، وَ الْحُرِّيَّةِ، وَتُصْبِح هَذِهِ القِيَمَ بِمَثَابَة إِطَار يُوَجَّه التَّشْرِيعَات وَ وَضَع الْحُدُود. 5. الْمُوَازَنَة الْمُسْتَمِرَّةَ: لَا يُوجَدُ حَلّ ثَابِت. كُلِّ حَالَةٍ تَتَطَلَّب مُوَازَنَة دَقِيقة بَيْنَ حَقِّ الْفَرْدِ فِي مُمَارَسَةِ حُرِّيَّتِه، وَبَيْن التَّأْثِيرِ السَّلْبِيِّ الْمُحْتَمَل لِهَذِه الْمُمَارَسَة عَلَى الْآخَرِينَ أَوْ عَلَى الصَّالِحِ الْعَامِّ. هَذَا يُعَالِجُ مِنَ خِلَالِ التَّشْرِيع، الْقَضَاء، وَالنَّقَّاش الدِّيمُقْرَاطِيّ. الْحُكُومَةُ اللِّيبْرَالِيَّة لَا تَسْعَى لِفَرْض الْأَخْلَاق بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ، بَلْ تَهْدِفُ إِلَى تَأْمِينِ الْبِيئَة الَّتِي تُمْكِنُ الْأَفْرَادِ مِنْ الْعَيْشِ بِحُرِّيَّة وَكَرَامَة، وَتَضَع حُدُودًا لِسُلُوكِهِمْ لِمَنْعِ الضَّرَرِ بِالْآخَرِين وَ الصَّالِح الْعَامّ. الْخَطّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْحُرِّيَّةِ الْفَرْدِيَّةِ وَ الْمَسْؤُولِيَّةِ الْمُجْتَمَعِيَّة هُو دَيْنٌاميكي، وَيُحَدِّدُ مِنْ خِلَالِ التَّوَافُق الدِّيمُقْرَاطِيّ وَالْمَبَادِئِ الْقَانُونِيَّة، مَع التَّرْكِيزِ عَلَى مَبْدَأِ الضَّرَر كَقَيْد رَئِيسِيّ عَلَى الحُرِّيَّات.
_ التَّسَاؤُلُات عَنْ الْخُيُوطِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي نَاقَشْنَاها سَابِقًا، اللِّيبْرَالِيَّة، الْعِلْم كَسُلْطَة، الْأَخْلَاقِ فِي ظِلِّ إقْتِصَاد السُّوق، يَدْفَع بِهَا إلَى مُسْتَوَى أَكْثَر تَعْقِيدًا وَإِلْحَاحُا هَلْ تَقَدَّمَ اللِّيبْرَالِيَّة إِطَارًا أَخْلَاقِيًّا كَافِيًا لِتَوْجِيه التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ غَيْرِ الْمَسْبُوقِ؟ وَ هَلْ مَبَادِئُهَا الْكَلاَسِيكِيَّة قَادِرَةً عَلَى إحْتِوَاء التَّحَدِّيَات الْأَخْلَاقِيَّة الْجَدِيدَةِ الَّتِي يَفْرِضُهَا الْعِلْم وَ التِّكْنُولُوجْيَا؟ الْجَوَابُ الْمُخْتَصَر كَالْآتِي: تُقَدَّمُ اللِّيبْرَالِيَّةُ إِطَارًا ضَرُورِيًّا، لَكِنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ كَافِيًا بِمُفْرَدِه لِمُوَاجَهَة التَّعْقِيدَات الْأَخْلَاقِيَّة لِلتِّطَوُّرَات الْعِلْمِيَّةِ الْحَدِيثَة. . اللِّيبْرَالِيَّة الْكَلاَسِيكِيَّة وَالتَّقَدُّمُ الْعِلْمِيّ: نِقَاط الْقُوَّة وَ التَّحْدِيَات تَارِيخِيًّا، إرْتَبَطَتْ اللِّيبْرَالِيَّة إرْتِبَاطًا وَثِيقًا بِتَقَدُّم الْعِلْم. مَبَادِئُهَا تُدَعِّم الْبَحْث وَالِابْتِكَار. لَقَدْ تَمَكَّن الْعُلَمَاءِ مِنْ إسْتِكْشَاف الْأَفْكَار دُون قُيُود دَغْمٌائِيَّة. إلَى جَانِبِ حِمَايَةِ المِلْكِيَّةِ الْفَرْدِيَّة لِلْمُخْتَرَعَات وَالِإكْتِشَافَاتِ شَجَّعْت اللِّيبْرَالِيَّة الْكَلاَسِيكِيَّة عَلَى الِإبْتِكَارِ وَتَوَفُّر حَوَافِز لِلْبَاحِثَيْن وَالْمُطَوَّرِين. كَمَا أَنَّهَا تَنْظُرُ إلَى التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ غَالِبًا عَلَى أَنَّهُ يُصَبُّ فِي مَصْلَحَةِ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ خِلَالِ تَحْسِين الظُّرُوف الْمَعِيشِيَّةِ وَالصِّحَّةُ. لَكِنَّ الْمُشْكِلَةَ تَنْشَأ عِنْدَمَا تُصْبِحُ هَذِهِ الحُرِّيَّاتِ بِلَا حُدُودٍ، أَوْ عِنْدَمَا تَتَعَارَضُ مَعَ قَيِّم أَوْسَع. فِي مَجَالَاتِ مِثْلَ الْهَنْدَسَةِ الْوِرَاثِيَّة أَوِ الذَّكَاءِ الِإصْطِنَاعِيّ، قَدْ يَكُونُ الضَّرَرُ غَيْرُ مُبَاشِرٍ، أَوْ طَوِيلٍ الْأَمَدِ، أَوْ غَيْرَ وَاضِحٍ عَلَى الْفَوْرِ. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، قَدْ لَا يَلْحَقُ التَّلَاعُب بِالْجِينَوم البَشَرِي ضَرَرًا مُبَاشِرًا بِفَرْد مُعَيَّنٍ فِي الْبِدَايَةِ، لَكِنْ قَدْ تُثِير أثَارِه الْأَخْلَاقِيَّةُ وَالِإجْتِمَاعِيَّةُ عَلَى الأَجْيَالِ الْقَادِمَة تَسَاؤُلَات عَمِيقَة حَوْلَ مَا يَعْنِيهِ أَنْ تَكُونَ إنْسَانًا. الرِّبْحُ مُقَابِل الْأَخْلَاق: تُشَجِّع اللِّيبْرَالِيَّة الِإقْتِصَادِيَّة عَلَى تَسْوِيق الِإبْتِكَارَات. هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى تَسَرُع فِي تَطْبِيقِ تِقْنِيَات قَبْلَ فَهْمِ أثَارِهَا الْأَخْلَاقِيَّةُ وَالِإجْتِمَاعِيَّةُ الْكَامِلَةِ، أَوْ تَرْكِيز الْبَحْثِ عَلَى مَا هُوَ مُرْبِح بَدَلًا مِنْ مَا هُوَ مُفِيدٌ لِلْبَشَرِيَّة جَمْعَاء. غِيَاب مِعْيَار مُشْتَرَك لِلْخَيْر الأسْمَّى: إذَا كَانَ لِكُلِّ فَرْدٍ الْحَقُّ فِي تَحْدِيدِ الْخَيْرِ لِنَفْسِهِ، فَكَيْفَ نُحَدِّد الْخَيْر الأسْمَّى لِلْبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ عِنْدَمَا يَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِتَقْنِّيَّات تَغَيَّرَ جَوْهَر الْوُجُود الْبَشَرِيّ؟ هَلْ نَحْتَاجُ إلَى إِطَار أَخْلَاقِيّ أَوْسَع يَتَجَاوَز اللِّيبْرَالِيَّة؟ هَذَا هُوَ السُّؤَالُ الْفَلْسَفِيّ الْمِحْوَرُي. يُجَادِلَ الْكَثِيرُون بِأَنَّنَا بِحَاجَةٍ إِلَى إِطَار أَخْلَاقِيّ يَكْمُل اللِّيبْرَالِيَّة، أَوْ حَتَّى يَتَجَاوَزُهَا فِي بَعْضِ الْجَوَانِبِ، لِضَمَانٍ إنْ يَسْتَخْدِم الْعِلْم بِطُرُق مَسْؤُولَة. 1. اللِّيبْرَالِيَّة الِإجْتِمَاعِيَّة وَالتَّدَخُّل الْمُنَظَّم: اللِّيبْرَالِيَّة الِإجْتِمَاعِيَّة بِشَكْل مُخْتَلِفٌ عَنْ اللِّيبْرَالِيَّة الْكَلاَسِيكِيَّة تُقَرُّ بِدُور أَكْبَر لِلدَّوْلَة وَالْمُجْتَمَعِ فِي تَوْجِيهِ الِإقْتِصَاد وَالْعُلُوم. هِي تُؤْمِن بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الدَّوْلَةِ التَّدَخُّل لِضَمَان الْعَدَالَةِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَ تَكَافُؤ الْفُرَص، وَتَضَع قُيُودًا عَلَى الحُرِّيَّات الْفَرْدِيَّة أَوْ الِإقْتِصَادِيَّة عِنْدَمَا تَتَعَارَضُ مَعَ الصَّالِحِ الْعَامّ. التَّنْظِيم وَالتَّشْرِيع: تُعَدُّ الْقَوَانِين وَاللِّوَائِح الصَّارِمَة ضَرُورِيَّة لِتَوْجِيه التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ مَثَلًا، تَنْظِيم أَبْحَاث الْخَلَايَا الْجِذْعِيَّةَ، إسْتِخْدَام الْبَيَانَات فِي الذَّكَاءِ الِإصْطِنَاعِيّ، الْأَمْن السَّيبراني. هَذِهِ الْقَوَانِينِ تُشْكِل تَعْبِيرًا عَنْ أَخْلَاقِيَّات جَمَاعِيَّة يَتِمّ التَّوَصُّلَ إلَيْهَا دِيمُقْرَاطِيَّا. 2. الْأَخْلَاقِ الْكَوْنِيَّة أَوْ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمُشْتَرَكَة: قَدْ نَحْتَاجُ إلَى الْبَحْثِ عَنْ قَيِّمِ أَخْلَاقِيَّةٍ تَتَجَاوَزُ الْفَرْدِيَّةَ اللِّيبْرَالِيَّةَ، وَتُرَكِّز عَلَى الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمُشْتَرَكَة، حُقُوق الأَجْيَال الْقَادِمَة، وَ حِمَايَة الْكَوْكَب كَكُلّ. هَذَا قَدْ يَسْتَدْعِي الرُّجُوع إلَى فَلْسَفَات الْوَاجِبَ (Deontology) مِثْلُ أَخْلَاق كَانَط، الَّتِي تُرَكِّزُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ الْأَخْلَاقِيَّة الْمُطْلَقَة بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ النَّتَائِجِ. وَأَخْلَاقِيَّات الْعَوَاقِب (Consequentialism) أَوْ النَّفْعِيَّةِ (Utilitarianism) الَّتِي تُرَكِّزُ عَلَى النَّتَائِج النِّهَائِيَّة، وَ تَسْعَى لِتَعْظِيم الْفَائِدَة لِأَكْبَر عَدَدٍ مِنْ النَّاسِ وَتَقْلِيل الضَّرَر. وَ أَخْلَاقِيَّات الْفَضِيلَةُ (Virtue Ethics) الَّتِي تُرَكِّزُ عَلَى تَنْمِيَةِ الصِّفَات الْأَخْلَاقِيَّة الْحَمِيدَةِ فِي الْعُلَمَاءِ وَالْمُجْتَمَع كَكُلّ. ثُمَّ الْأَخْلَاقَيَّات البِيئِيَّة الَّتِي تُعْطِي قِيمَة لِلْبِيئَة وَالْكَائِنَات غَيْر الْبَشَرِيَّة بِذَاتِهَا، وَ لَيْس فَقَطْ كَأَدَوَات لِخِدْمَةِ الْإِنْسَانِ. 3. الْمُشَارَكَةُ الدِّيمُقْرَاطِيَّة الْمُوَسَّعَة: ضَمَانَ إنْ قَرَارَات تَوْجِيهٌ الْعِلْم وَالتِّكْنُولُوجْيَا لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَوْ السِّيَاسِيِّين أَوْ أَصْحَابِ رُؤُوسِ الْأَمْوَالِ، بَلْ تَشْمَلُ مُشَارَكَة أَوْسَعُ مِنْ المُوَاطِنِينَ مِنْ خِلَالِ لِجَان إسْتِشَارِيَّة، نَقَاشَات عَامَّةُ، وَ جَمْعِيَّات مُجْتَمَعِيَّة. هَذَا يُعَزِّز الشَّرْعِيَّة وَيُسَاعِدُ عَلَى دَمْج قَيِّم مُتَنَوِّعَةً مِنْ مُخْتَلَفِ شَرَائِح الْمُجْتَمَع. 4. الْأَخْلَاقَيَّات التَّطْبِيقيَّة كَجَسَر: تَقَدَّمَ مَجَالَات مِثْل أَخْلَاقِيَّات الْبَيُولُوجْيَا وَأَخْلَاقِيَّات الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ أَطْرًا لِتَقْيِيم التِّقْنِيَّاتِ الْجَدِيدَةِ مِنَ مَنْظُور أَخْلَاقِيّ. هذِهِ الْمَجَالاَتِ تُحَاوِل سَدّ الْفَجْوَةِ بَيْنَ مَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ عِلْمِيًّا وَمَا يَجِبُ فِعْلُهُ أَخْلَاقِيًّا. بِشَكْلٍ عَامٍّ نَسْتَنتج إنْ الْمَبَادِئ اللِّيبْرَالِيَّة الْكَلاَسِيكِيَّة، مِثْلُ الْحُرِّيَّةَ الْفَرْدِيَّةَ وَحِمَايَة الْمِلْكِيَّة، ضَرُورِيَّة لِتَعْزِيز الِإبْتِكَار وَ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا غَيْرُ كَافِيَةٍ بِمُفْرَدِهَا لِتَوْجِيه التَّطَوُّرَات التِّكْنُولُوجِيَّة الْمُعَاصِرَةِ الَّتِي تُثِيرُ تَحَدِّيَات أَخْلَاقِيَّة وُجُودِيَّة. نَحْنُ فِي أَمْسِ الْحَاجَةِ إلَى إِطَار أَخْلَاقِيّ أَوْسَع، يُمْكِنُ أَنْ يَنْبَثِقَ مِنْ لِيبْرَالِيَّة إجْتِمَاعِيَّة أَكْثَر نُضْجًا تُقِرّ بِضَرُورَة التَّنْظِيم وَالْعَدَالَةِ، أَوْ مِنْ فَلْسَفَاتِ أَخْلَاقِيَّةٍ تَتَجَاوَزُ الْفَرْدِيَّة الْبَحْتَة وَتُرَكِّز عَلَى الْقَيِّمِ الْإِنْسَانِيَّة الْكَوْنِيَّة وَحِمَايَة الْكَوْكَبِ. هَذَا الْإِطَارِ يَجِبُ أَنْ يُشْكِلَ نِتَاجًا لِحِوار دِيمُقْرَاطِيّ وَاسِع، وَيَضْمَنُ إنْ الْعِلْم يَسْتَخْدِم كَأَدَاة لِخِدْمَة الْبَشَرِيَّة جَمْعَاء، بَدَلًا مِنْ أَنَّ يُسْهِمُ فِي تَفَاقُم عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ أَوْ تَهْدِيد وُجُودُنَا. التَّوَازُنِ بَيْنَ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَالْمَسْؤُولِيَّة الْأَخْلَاقِيَّة هُو التَّحَدِّي الْأَكْبَر لِعَصَرنا.
_ الْعِلْم وَتَحَدَّي الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة التَّقْلِيدِيَّة
أَحَدَ أَبْرَزِ التَّحَدِّيَات الَّتِي تُوَاجِهُ الْمُجْتَمَعَات الْحَدِيثَة، كَيْفَ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ سُرْعَة التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ الَّذِي يُعِيدُ تَعْرِيف مَفَاهِيم وُجُودِيَّة، وَبَيْن بُطْىء تَطَوُّر الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة التَّقْلِيدِيَّة، وَكُلُّ ذَلِكَ تَحْتَ مِظَلَّةِ اللِّيبْرَالِيَّةِ الَّتِي تَعْلِي مِنْ حُرِّيَّةِ الْفِكْر وَالتَّحَدِّي؟ هَذَا الصِّرَاع لَيْسَ مُجَرَّدَ نَظَرِيّ، بَلْ يُشْكِل جَوْهَر الْكَثِيرِ مِنْ النَّقَّاشُات الْمُجْتَمَعِيَّة الْمُعَاصِرَة. الْعِلْمُ بِطَبِيعَتِه إسْتِكْشَاف لِلْوَاقِعِ، وَلَا يَلْتَزِمُ بِالْحُدُودِ الَّتِي تَفْرِضُهَا الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّةِ أَوِ الدِّينِيَّة التَّقْلِيدِيَّة. عِنْدَمَا يُقَدِّمُ الْعِلْمَ رُؤَى جَدِيدَة، يُمْكِنُ أَنْ يُحْدِثَ صَدْمَة مَعْرِفِيَّة تَشَكَّكَ فِي مَفَاهِيمِ كَانَتْ تُعْتَبَرُ ثَابِتَةً وَمُقَدَّسَة. طَبِيعَةِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ: التَّقَدُّمِ فِي الطِّبِّ الْحَيَوِيّ وَالْهَنْدَسَة الْوِرَاثِيَّة مِثْل تَحْدِيدِ النَّسْلِ، الْإخْصَاب الْمُسَاعِدُ، إسْتِنْسَاخ الْخَلَايَا، تَعْرِيف مَوْت الدِّمَاغ يُثِير أَسْئِلَة عَمِيقَة حَوْل مَتَى تَبْدَأُ الْحَيَاة وَمَتَى تَنْتَهِي، وَمَا هِيَ حُدُودُ التَّدَخُّل الْبَشَرِي فِي الْخَلْقِ. الْجِنْسُ وَالْهَوِيَّة: الْعُلُومُ الْبَيُولُوجِيَّة وَالِإجْتِمَاعِيَّة تُقَدِّم فَهْماً أَكْثَر تَعْقِيدًا لِلْجِنْس الْبَيُولُوجِيّ وَالنَّوْع الْجُنَدْرِي وَالْهَوِيَّة الْجِنْسِيَّةِ، مِمَّا يَتَحَدَّى الْمَفَاهِيم الثُّنَائِيَّة وَالتَّقْلِيدِيَّة حَوْلَ الأُسْرَّة وَالْإِدْوَار الِإجْتِمَاعِيَّة. الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ: يُثِير الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ تَسَاؤُلَات حَوْلَ الْوَعْي، الذَّكَاء غَيْر الْبَشَرِيّ، وَحَتَّى حُقُوق الكِيَّانِات الِإصْطِنَاعِيَّة، مِمَّا يُعِيدُ تَعْرِيفُ مَفْهُومِ الْكَائِن الْوَاعِي أَوْ الشَّخْصِ. الْمُرَاقَبَةُ وَالْخُصُوصِيَّة: التِّكْنُولُوجْيَا تَمَكَّنَ مِنْ مُرَاقَبَةِ الْأَفْرَاد وَتَحْلِيل بَيَانَاتِهِمْ بِشَكْلٍ غَيْرِ مَسْبُوقٍ، مِمَّا يَتَحَدَّى مَفَاهِيم الْخُصُوصِيَّة وَالْحُرِّيَّات الْفَرْدِيَّةَ الَّتِي تُعَدُّ أَسَاسِيَّةً فِي اللِّيبْرَالِيَّة. اللِّيبْرَالِيَّة، بِتَرْكيزها عَلَى حُرِّيَّةِ الْفِكْر وَالنَّقْد وَالعَقْلَانِيَّة، تُشَجِّع بِطَبِيعَتِهَا هَذَا التَّحَدِّي. فَهِي تَرَى أَنَّ الْمَعْرِفَةَ يَجِبُ أَنْ تَتَقَدَّمَ، وَأَنْ لَا شَيْءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ السُّؤَالِ. كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْمُجْتَمَع اللِّيبْرَالِيّ التَّعَامُلِ مَعَ الصِّرَاعَات بَيْنَ القَيِّمِ التَّقْلِيدِيَّة وَالنَّتَائِج الْعِلْمِيَّة الْجَدِيدَة؟ هَذَا يَتَطَلَّب مُقَارَبَة مُتَعَدِّدَة الْأَوْجَه، تَجْمَعُ بَيْنَ الْمُرُونَة وَالثَّبَات: 1. الْحِوَار الْعَامّ الْمُسْتَنِير وَالْمُكْثُف: يَجِبُ أَنْ تُوَفِّرَ الْمُجْتَمَعَات اللِّيبْرَالِيَّة مِسَاحَات أَمَّنَه لـِنِقَاشَات عَامَّةُ عَمِيقَة وَشَامِلَة تُشَارِكُ فِيهَا جَمِيعُ الْأَطْرَاف، الْعُلَمَاء، الْفَلَاسِفَة، اللَّاهُوتيون، خُبَرَاءُ الْأَخْلَاق، وَصُنَّاع السِّيَاسَات، وَعَامَّة الْمُوَاطِنِين. الْهَدَفُ لَيْسَ فَرْضَ رُؤْيَةٍ، بَلْ الْوُصُولُ إلَى تَفَاهِمَّات مُشْتَرَكَةٍ حَوْل الْأثَار الْأَخْلَاقِيَّة لِلتِّقْنِيَّات الْجَدِيدَة. 2. التَّعْلِيم وَالتَّوْعِيَة: زِيادَةِ الْوَعْيِ الْعِلْمِيّ لَدَى الْجُمْهُورِ مَعَ تَعْزِيز التَّفْكِير النَّقْدِيّ، حَتَّى لَا تُقْبَلُ النَّتَائِج الْعِلْمِيَّة بِشَكْل أَعْمَى وَلَا تُرْفَضُ مِنْ مُنْطَلَقِ الْجَهْلِ أَوْ الْخَوْف. وَإدْخَال أَخْلَاقِيَّات الْعُلُومُ وَ التِّكْنُولُوجْيَا فِي المَنَاهِجِ التَّعْلِيمِيَّة لِتَدْرِيب الْأَجْيَالِ الْجَدِيدَةِ عَلَى التَّفْكِيرِ فِي الْأثَارِ الْأَخْلَاقِيَّة لِلتَّقَدُّم. 3. الْأَطْرُ التَّشْرِيعِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة الْمُتَطَوِّرَة: تَطْوِير قَوَانِين وَ تَشْرِيعَات مَرِنَّة قَادِرَةً عَلَى التَّكَيُّفِ مَع التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ، مَعَ ضَمَانِ أَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى مَبَادِئِ أَخْلَاقِيَّة وَاضِحَة. إلَى جَانِبِ إنْشَاء لِجَان أَخْلَاقِيَّة مُتَعَدِّدَة التَّخَصُّصَات (Ethics Committees) فِي مَجَالَاتِ مِثْل الطِّبّ وَالذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ، لِتَوْجِيه الْبَحْث وَ التَّطْبِيق وَتَقْدِيم الْمَشُورَة لِلْمُشَرِّعِين. ثُمَّ التَّرْكِيزِ عَلَى أَخْلَاقِيَّات الْمُمَارَسَةُ لِلْعُلَمَاء وَ الْمِهْنَدُسَيْن لِضَمَانِ أَنَّهُمْ يُدْرِكُونَ المَسْؤُولِيَّات الْأَخْلَاقِيَّة لِعَمَلِهِمْ. 4. الْمُوَازَنَةُ بَيْنَ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَسْؤُولِيَّةِ: اللِّيبْرَالِيَّة تَعْلِي مِنْ حُرِّيَّةِ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ، لَكِنَّهَا تُقَرُّ أَيْضًا بِأَنَّ هَذِهِ الْحُرِّيَّةِ لَيْسَتْ مُطْلَقَةً. يَجِبُ أَنْ تُقَيَّدَ عِنْدَمَا تَسَبَّب ضَرَرًا جَسِيمًا أَوْ تُهَدِّد كَرَامَةُ الْإِنْسَانِ أَوْ وُجُودِه. النَّقَّاش يَدُورُ حَوْلَ تَحْدِيد مَاهِيَّة الضَّرَرِ: فِي سِيَاقَات جَدِيدَة مَثَلًا، هَلْ التَّلَاعُب بِالْجِينَات يُعَدُّ ضَرَرًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَظْهَرْ فَوْرًا؟. هَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ اللِّيبْرَالِيَّة مَرِنَّة بِمَا يَكْفِي لِإسْتِيعَاب التَّغَيُّرَات الْأَخْلَاقِيَّة، أَمْ أَنَّ هُنَاكَ قِيِّمًا أَسَاسِيَّةٌ يَجِبُ أَنْ تَظَلَّ ثَابِتَة؟ هَذَا هُوَ التَّحَدِّي الأَعْمَّق. مُرُونَة اللِّيبْرَالِيَّة: تَعَدّ اللِّيبْرَالِيَّة بِطَبِيعَتِهَا مَرِنَّة وَمَتَكَيْفَهْ، فَهِيَ تُؤْمِن بِالتَّقَدُّم وَالعَقْلَانِيَّة وَالْقُدْرَةُ عَلَى إعَادَةِ تَقْيِيم الْمُعْتَقَدَات. هَذِه الْمُرُونَة تُمَكُّنِهَا مِنْ إسْتِيعَابِ التَّغَيُّرَات الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي يُمْلِيهَا الْفَهْمِ الْجَدِيدِ لِلْعَالِم. فَمَثَلًا، تَطَوُّر الْفَهْم الْعِلْمِيّ لِلْجِنْس سَاعِد الْمُجْتَمَعَات اللِّيبْرَالِيَّةُ عَلَى إسْتِيعَابِ حُقُوق الْمِثْلِيَّيْن، وَهُوَ مَا كَانَ يُعْتَبَرُ غَيْرُ أَخْلَاقِيّ تَقْلِيدِيٍّا. الْقَيِّمُ اللِّيبْرَالِيَّة الْأَسَاسِيَّة كَـثَوَابِت وَمَعَ ذَلِكَ، تُجَادِل الْكَثِيرِ مِنْ الْفَلْسَفَات اللِّيبْرَالِيَّة بِأَنَّ هُنَاكَ قِيَّمًا أَخْلَاقِيَّة أَسَاسِيَّةٌ يَجِبُ أَنْ تَظَلَّ ثَابِتَةً، أَوْ تُشَكَّلَ خُطُوطًا حَمْرَاءَ لَا يُمْكِنُ تَجَاوَزَهَا، حَتَّى فِي وَجْهِ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ. هَذِهِ الْقِيَمِ تَشْمَل: الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ: يَجِبُ الاّ يُسْتَخْدَم الْعِلْم بِطُرُق تُقَلِّل مِنْ كَرَامَةِ الإِنْسَانِ، أَوْ تُعَامُل الْبَشَر كَوَسَائِل لِغَايَات أُخْرَى. الْمُسَاوَاة وَالْعَدَالَة: يَجِبُ الَّا تُؤَدَّي التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ إلَى تَفَاقُمِ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ أَوْ إنْشَاءٍ طَبَقَات جَدِيدَةٍ مِنْ التَّمْيِيزِ مَثَلًا، الْمُعَدِّلُون جِينِيّاً مُقَابِلُ غَيْر الْمُعَدِّلِين. عَدَمُ إلْحَاقِ الضَّرَرِ غَيْرُ المُبَرِّر: وَهَذَا يَمْتَدّ لِيَشْمَل الأَجْيَال الْقَادِمَة وَالْبِيئَة. الْحَقِّ فِي الْوُجُودِ (Right to Exist): التَّسَاؤُل حَوْلَ مَدَى حَقَّ الْعِلْمِ فِي التَّدَخُّلِ فِي جَوْهَرٍ الْوُجُودِ الْبَشَرِيِّ أَوْ تَهْدِيدٍ بَقَاء الْأَنْوَاع. الْمُفَارَقَة تَكْمُنُ فِي أَنَّ هَذِهِ الْقِيَمَ الْأَسَاسِيَّة الْكَرَامَة، الْمُسَاوَاة، الْعَدَالَةَ هِيَ نَفْسُهَا تُعَدُّ جُزْءًا مِنْ الْإِطَارِ الْأَخْلَاقِيّ لِلِّيبْرَالِيَّة، وَبِالتَّالِي فَهِيَ لَيْسَتْ خَارِج اللِّيبْرَالِيَّة تَمَامًا، بَلْ تُشْكِل حُدُودًا دَاخِلِهَا. التَّحَدِّي هُوَ فِي كَيْفِيَّةِ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْقِيَمَ وَتَطْبِيقِهَا فِي سِيَاقَات عِلْمِيَّة جَدِيدَةٍ غَيْرِ مَسْبُوقَة. خِتَامًا، تَوَفُّر اللِّيبْرَالِيَّة إِطَارًا ضَرُورِيًّا لِتَحَدي الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة التَّقْلِيدِيَّة مِنْ خِلَالِ حُرِّيَّةُ الْفِكْرِ وَالنَّقْد. لَكِنْ لِمُوَاجَهَة التَّعْقِيدَات الْأَخْلَاقِيَّة لِلْعِلْم الْحَدِيث، تَحْتَاج الْمُجْتَمَعَات اللِّيبْرَالِيَّةُ إِلَى تَطْوِيرِ آلِيَاتٍ قَوِيَّة لِلْحِوَار الْعَامّ، وَ التَّعْلِيم الْأَخْلَاقِيّ الْمُسْتَمِرّ، وَالْأَطْر التَّشْرِيعِيَّة المَرِنَّة، مَعَ التَّمَسُّكِ بِقِيَم أَخْلَاقِيَّة أَسَاسِيَّة رَاسِخَة تُشْكِل حُدُودًا لَا تُمْكِنُ تَجَاوَزَهَا لِضَمَانٍ إنْ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ يُفِيد الْبَشَرِيَّة جَمْعَاء وَيُعَزِّز كَرَامَتَهَا، بَدَلًا مِنْ تَهْدِيدُهَا.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرُّؤْيَة اللِّيبْرَالِيَّة -الْجُزْءِ الثَّالِثِ-
-
الرُّؤْيَة اللِّيبْرَالِيَّة -الْجُزْءِ الثَّانِي-
-
الرُّؤْيَةِ اللِّيبْرَالِيَّة -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
-
الْإِمْبِرَيَالِيَّة؛ نَزْعة نَحْو السَّيْطَرَة الشَّامِلَة
-
نَقْدٍ مَا بَعْدَ الِإسْتِعْمَار والِإسْتِعْمَار الْجَدِيد
-
نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة: -الْجُزْءُ الرَّابِعُ-
-
نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة: -الْجُزْءُ الثَّالِثُ-
-
نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة -الْجُزْءِ الثَّانِي-
-
نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة - الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
-
الْعِلْمُ و الْأَخْلَاق: الْمَرْكَزِيَّة الْغَرْبِيَّة
-
التَّنْمِيَط الثَّقَافِيّ وَالْقِيَمِيّ -الْجُزْءِ الثَّانِي
...
-
التَّنْمِيط الثَّقَافِيّ والقِيَمِيّ -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
-
حَوْسَبَة القَرَارَات الْأَخْلَاقِيّة -الْجُزْءُ الثَّانِي-
-
حَوْسَبَة القَرَارَات الْأَخْلَاقِيّة -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
-
الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة -الْجُزْءُ الثَّانِي-
-
الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
-
الهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ : -الْجُزْءُ الثَّالِثُ-
-
الهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ : -الْجُزْءُ الثَّانِي-
-
الهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ -الْجُزْءُ الْأَوَّل-
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : الْوَاقِع الِإفْتِرَاضِي
المزيد.....
-
البيت الأبيض لخامنئي: -عليك أن تحفظ ماء وجهك-
-
اثنتا عشر قنبلة على فوردو : كيف أنقذت إيران 400 كغ من اليورا
...
-
بعد -نصر- ترامب في الناتو: أي مكانة لأوروبا في ميزان القوى ا
...
-
الاتحاد الأوروبي يدعو لـ-وقف فوري- لإطلاق النار في غزة وإسبا
...
-
كريستيانو رونالدو يواصل اللعب في النصر حتى 2027
-
-نرفض حصول إيران على سلاح نووي-.. القمة الأوروبية: ندعو لفرض
...
-
البيت الأبيض يتّهم خامنئي بمحاولة -حفظ ماء الوجه-
-
بخيوط من ذهب وحرير أسود.. الكعبة ترتدي كسوتها الجديدة مع بدا
...
-
رافائيل غروسي يكشف معلومات مهمّة عن البرنامج النووي الإيراني
...
-
ترامب يضغط لوقف حرب غزة ونتنياهو يرى فرصة لاتفاقات سلام جديد
...
المزيد.....
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|