أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - التحية الأخيرة أمام الكاميرا: عندما يذوب الانضباط في حضرة العاطفة.














المزيد.....

التحية الأخيرة أمام الكاميرا: عندما يذوب الانضباط في حضرة العاطفة.


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8384 - 2025 / 6 / 25 - 08:00
المحور: قضايا ثقافية
    


التحية الأخيرة أمام الكاميرا: عندما يذوب الانضباط في حضرة العاطفة...
في كل ربيع عراقي أو صيف ساخن، يخرج مئات الضباط الجدد من كليات الشرطة والعسكرية، يحملون نجومًا لماعة على أكتافهم، وخيوطًا ذهبية تنسدل على أكمامهم، وصدورًا يملؤها الفخر. مشهدٌ يكرّر نفسه بتكرار المواسم، وتتناقله الشاشات ومواقع التواصل كما لو أنه طقس شعبي أكثر منه مراسيم دولة، فتراه في كل فيديو متداول، ضابطًا يركض نحو والده في ساحة العرض العسكري، أو يذرف الدموع في حضن أمه، أو ينحني ليُقبّل يد خطيبته، أو يلوّح بعصبية الفرح نحو عدسة الهاتف، وكأنّ الميدان قد تحوّل إلى منصة زفاف أو مشهد ختامي لفيلم درامي طويل.لكن خلف كل ذلك الاحتفال الصاخب، ثمة سؤال موجع: هل تماهت قدسية الزي العسكري مع شغف التوثيق؟ هل طغت العاطفة على مهنية الانضباط؟ وهل يحق لمن وُلد اليوم في مؤسسة الانضباط أن يتعامل مع ميدانه الأول بهذه الخفة الإعلامية والانكشاف الوجداني؟إن التحية العسكرية، في جوهرها، ليست مجرّد حركة تؤدى، بل هي اختزال عميق لمفهوم الطاعة والتراتبية والانتماء للدولة. حين يقف الضابط ليؤدي التحية، فإنها موجهة – وفق البروتوكول العسكري – لرأس الدولة أو ممثله الدستوري، وليس لأبٍ عادي وإن كان قامة كبيرة في قلب ولده، ولا لأمّ وإن كانت أعظم من الوطن ذاته في وجدانه، ولا لحبيبة أو كاميرا أو متابعين على "الستوري" أو "الفيسبوك". إن أداء التحية لغير مقامها الرسمي هو إخلال جوهري بمعايير المؤسسة العسكرية، ومؤشر خطر على فقدان الانضباط في أول خطوة من عتبة الواجب.التحية ليست مجاملة شخصية، ولا لحظة فرح عابرة، بل رمز صارم للسلطة التي يمثلها الضابط. إنها مرآة الانضباط، وصورة الدولة في عين المواطن. فحين تختلط تلك الرمزية بمشاعر الابتهاج العائلي، ويُستهان بها في سبيل "ترند" أو توثيق فخر، فإننا بذلك نغتال معانيها ونفضح هشاشة مفهوم الانتماء المؤسسي.ما يثير الأسى أكثر، أن هذه المشاهد – التي تبدو ظاهريًا بريئة – قد كشفت عن خرق أمني غير مسبوق، فكل ضابط في هذه المقاطع، اسمه معروف، وجهه مكشوف، كليته معروفة، وتاريخ تخرجه موثق، وكل من يراه يعرف أين يعمل. لقد صار كل واحد منهم هدفًا سهلاً لأي استخبار دولي، لا يحتاج إلى عمل ميداني أو مراقبة معقدة، بل يكفي أن يراجع الفيديوهات المتداولة ليجمع قاعدة بيانات كاملة عن ضباط الصف الأول في البلد.في دول العالم التي تحترم أمنها القومي، لا يُسمح بنشر صور الضباط ولا تُعرف أسماؤهم إلا داخل الدوائر الرسمية، لأنهم يشكلون جزءًا من خطوط الدفاع السرية والاستراتيجية. أما عندنا، فقد تحوّل هؤلاء إلى رموز شعبية لحفلة عائلية علنية، تذوب فيها أسرار الدولة على مائدة "اللايك" و"الشير".لقد آن الأوان أن يُعاد النظر في هذه الظاهرة، لا بمنظار العاطفة، بل من خلال معيار الأمن الوطني. يجب على الدوائر الأمنية أن تعيد تأهيل مفهوم السرية والانضباط في أذهان المتخرجين الجدد. ليس عيبًا أن يفرح الأب بابنه الضابط، ولا أن تبكي الأم فرحًا، ولا أن تشعر الخطيبة بالزهو، لكن العيب كل العيب، أن يتحول الفرح الشخصي إلى خرق جماعي.لا أحد يطلب من الضابط أن يكون جافًا أو جامدًا، لكن عليه أن يكون مدركًا لحساسية موقعه، وأن يفهم أن البدلة التي يرتديها لم تعد ملكًا لعائلته، بل باتت ملكًا للوطن. عليه أن يعلم أن وجهه صار ضمن حسابات الخصوم قبل أن يُحسب في قائمة المكرّمين.في النهاية، التحية العسكرية يجب أن تُمنح لمن بيده أمر الدولة، لا من بيده الهاتف ليوثّقها. ومهمة الدفاع عن الوطن تبدأ بالسكوت لا بالتصفيق، وبالإخفاء لا بالإشهار، وبالمهنية الصارمة لا بالعاطفة المنفلتة. وحده من يدرك خطورة ما يحمل، سيصمت عن الفخر، ويذوب في ظل العلم، لا في ظل العائلة. فالولاء للعائلة فطرة، أما الولاء للدولة فمسؤولية. وما بينهما، تتحدد هوية الضابط الحقيقي.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -سلامٌ على شفرة السكين: حين يبتسم الدخان في الشرق الأوسط-
- ياسين خضر القيسي... طائر الإبداع ووجع الثقافة في زمن التبدّد ...
- ميرفت الخزاعي... فراشة السرد التي حلّقت من شط العرب إلى سماء ...
- بين قيدٍ وركام: المسرح العربي في متاهة الإحباط والفقدان .
- إيران ومضيق هرمز... حين تتدلّى يد الغريق فوق زر الحرب
- -فوردو تحت الجبل وتحت المطرقة: الضربة التي أطاحت بظل إيران ا ...
- -حين تهاوت قم من برج الطاووس... وانكسر قرن المجوس في مرآة ال ...
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء .
- رماد الفتنة
- لا أحد يسمع الوجع
- -وطنٌ للبيع... من يشتري الذل-.
- على سفح التل… تُزهِرُ الحسرة وتُكمم الحقيقة.
- -الرگيّة التي فضحت نظام الحكم!-
- -سايكس بيكو الجديدة تحت توقيع ترامب... الشرق الأوسط يتهيأ لز ...
- -السماء تكتب بلون النار: مآلات الشرق في عصر الحرب الذكية-
- في حضرة العشيرة والطائفة: حين يتوارى الوطن خلف عباءة السلطة ...
- -حين صار عيد الصحافة مأتماً: من منابر الكلمة إلى مزامير الخر ...
- الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة .
- -الشرق الأوسط الجديد: رقصة الأفاعي على رماد الخراب-


المزيد.....




- كعبٌ عالٍ وسقوطٌ مدوٍّ... حين تعثّرت نعومي كامبل ونهضت نجمة ...
- مدير IAEA: أجهزة الطرد المركزي بمنشأة فوردو النووية بإيران - ...
- مصور وناشط فلسطيني وثق الحرب بغزة في جولة أمريكية لجمع التبر ...
- قمة الناتو: إسبانيا تتحدى ترامب... تساؤلات: هل يظهر خامنئي ف ...
- السعودية..جدل بعد منع -البقالات- من بيع التبغ واللحوم
- تحطمت أسطورة إيران التي لا تقهر.. ما عليك معرفته الآن عمّا ق ...
- غزة: قتلى وجرحى في قصف على مدرسة وسموتريتش يهدد: إما وقف الم ...
- وصفه بالبطل.. ترامب يدعو لإلغاء محاكمة نتنياهو بتهم الفساد
- محللون والحرب الصهيونية الأمريكية على إيران
- تصريح صحفي صادر عن اللجنة التحضيرية للجبهة الوطنية الشعبية


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - التحية الأخيرة أمام الكاميرا: عندما يذوب الانضباط في حضرة العاطفة.