أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - الشهيد نزار بنات... حين يُغتالُ الصوتُ ولا تموتُ الحقيقة!














المزيد.....

الشهيد نزار بنات... حين يُغتالُ الصوتُ ولا تموتُ الحقيقة!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8380 - 2025 / 6 / 21 - 15:54
المحور: القضية الفلسطينية
    


في ليلةٍ خرساء كُتبت بالوجع، أُسدِلَ فيها ستارُ الصمتِ على حنجرةٍ لم تعرف الصمتَ يوماً...
في تلك اللحظة التي خنق فيها الليلُ أنفاس الحقيقة، رحل نزار بنات.
لم يكن خبرُ رحيلهِ عابراً كأيِّ موت، بل كان رعشةً في قلبِ الوطن، وزلزلةً أيقظتِ الأسئلةَ المذبوحة:
أيُّ وطنٍ هذا الذي يفترسُ أبناءه؟
وأيُّ حريةٍ تُغتالُ بأيدٍ تُنادي باسمها، ثم تطعنها في الظل؟

نزار بنات، ذلك الرجلُ القويُّ البُنية، العظيمُ الصوت، الذي لم يكن يحمل من سلاحٍ سوى كلمته، وقف في وجه طغيانٍ داخليٍّ ينهش ما تبقّى من روح فلسطين.
ما باع، وما خان، وما ارتضى أن يعيش على هامش الكرامة. كان جسراً صعب العبور بين الحقيقة والجبن، فقرّروا أن يهدموه.

ضُرب حتى الموت، لا على يدِ غريب، بل على يدِ من لبسوا وجه الوطن وخنقوه. انهالوا عليه بعتلةٍ حديدية، وهراوات، وغاز الفلفل، كأنهم يخافون أن تبقى فيه نبضةُ حياةٍ تنطق بالحقيقة. لم يُمنح فرصةً للدفاع، ولم يُمهَل حتى يُكمل عدّهم... فقط، أسكتوه، لكنهم نسوا أن نزار بنات لم يكن جسداً فقط، بل كان فكرةً، وكان وهجاً لا تُطفئه الهراوات، ولا طلقات الخوف.
لم يكن يكتب ليُعجب، بل ليوقِظ. لم يكن يخطب ليمجَّد، بل ليحرِّض على الحق. وحين قال كلمته، كان يعلم أن ثمنها حياته، ومع ذلك مضى.

تركنا نزار بنات، لكن صوته لم يتركنا. وصيّته تمشي بيننا: "لا تتركوا صوتي يموت."
فكيف يموت صوتٌ بهذا الصفاء والصدق؟ كيف يُقتل رجلٌ لم يطلب إلا كرامةً لأبنائه، وحريةً لشعبه، ووطناً لا يُدار كدكّانِ فساد؟

يا نزار، نم قريرَ العين، فأنت قلت كلمتك ورحلتَ. أمّا هم، فسيبقون عالقين في مستنقع خيانتهم، لا يُطهِّرهم ماء زمزم، ولا يُنقذهم نسيان.
سيذكرك الناس حين تُذكر الحقيقة، وسيحملك التاريخ في صفحته البيضاء،
لأنّ التاريخ لا يُخلِّد الخونة، بل يُخلِّد الأبطال فقط.

وفي اللحظة الأخيرة، لم يكن نزار يفكّر إلا بأطفاله:
خليل، وكان يدللُه بـ(جعجول)، ومريم بـ(عبدالجبار)، ومارية بـ(ماشا)...
كان قلبه معلّقاً بضحكاتهم، بخطواتهم الصغيرة،
بعيونهم التي لم تعرف حتى الآن قسوة العالم، ولا خيانة الكبار.
كان يحلم أن يكبروا في وطنٍ لا يُخنق فيه الحُلم، ولا تُكسر فيه الكلمة، ولا يُدفن فيه الصوت حيّاً.
وكان يردّد دوماً: "أريد أن يحيا أطفالي بكرامة."

لكن اليد التي أطفأت صوته، لم تكتفِ باغتياله، بل اغتالت حُلمه في أن يراهم يكبرون أمامه، يسمعهم ينادونه: "بابا"، في صباحٍ عادي، لا يقطعه الخوف، ولا يفتّته الظلم.

يا خليل، إن كبرتَ ولم ترَ والدك، فاعلم أنه مات من أجلك، ليبقى اسمك عالياً.
ويا مريم، إن سألتِ يوماً عن سبب غيابه، قولي: "أبي مات واقفاً، لأنه رفض أن ننحني."
أما مارية الصغيرة، التي ما زال صدرها يفتّش عن رائحته، فلها الحق حين تكبر أن تعرف: أن أباها لم يكن غائباً، بل حاضراً في كل صرخة حقٍّ، وفي كل قصيدة مقاومة.

نزار لم يترك لهم بيتاً من حجر، لكنه ترك لهم بيتاً من كرامة، وصوتاً لن يسكت، وأمانةً في أعناقنا جميعاً...

ارقد بسلامٍ يا نزار، فأطفالك سيكملون الطريق، ونحن لن نترك صوتك يموت.

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خليل نزار بنات... يكبُرُ على وجعِ الوطنِ!
- نزار بنات... شهيدُ الكلمة والشّاهدُ الذي كتب وصيّتهُ بدمهِ!
- نزار بنات واليمن... قصّةُ حُبٍّ لا تعرفُ الخيانة!
- نزار بنات: شهيد الحقيقة في زمن الخيانة!
- حين بكى غسان... ونام نزار في تراب فلسطين
- جيهان ونزار... وحدهُما في حُضنِ الغيابِ!
- حين تُناديه الأُمُّ... ولا يُجيبُ!
- حين ينكسرُ قلبُ الأب… ولا أحدَ يسمع!
- مجزرة مدرسة صيدا الرسميَّة – المدخل الجنوبي: حين تحوَّل المل ...
- محمد نمر غضبان: ضميرُ الثورة الذي خذله الزمن!
- غزّة لا تنتظر القيامة... إنّها تعيشها!
- حين يموتُ المُؤرِّخُ... وتبقى غزّة تكتُبُ المأساة!
- الدكتورة آلاء النجار... أُمُّ الشهداء وصبرُ الجبال في وجه ال ...
- غزّة تمُوتُ ببُطءٍ... والعالمُ يغُضُّ الطّرف
- غزّة... النَّعشُ الذي يمشي وحدهُ
- غزّة تكتُبُ قصيدة الشّاعر نزار قبّاني الأَخيرة!
- بدر فلسطين التي غابت دون وداعٍ!
- شهد الصوّاف... صرخةٌ جائعةٌ في وجه أُمَّةٍ خذلتها!
- مارغريت تاتشر... حين قالت: -أنا لست زعيماً عربياً-!
- خوسيه موخيكا يغيب... وغزة تزداد نزفاً


المزيد.....




- الأردن.. جدل حول بدء تنفيذ نص قانوني يمنع حبس المَدين
- إيران تؤكد مقتل علي شدماني قائد -مقر خاتم الأنبياء- في غارات ...
- ما الذي حدث في غزة خلال 12 يوماً من المواجهة بين إيران وإسرا ...
- ألمانيا.. السوري المشتبه به بهجوم بيليفيلد عضو في -داعش-
- بزشكيان يؤيد منطقة خالية من الأسلحة النووية بما يشمل إسرائيل ...
- نيوزويك: هل كان قصف ترامب مواقع إيران النووية فكرة صائبة؟
- مقتل 17 جنديا في شمال نيجيريا إثر هجوم جديد على قواعد تابعة ...
- زيمبابوي تحطم الرقم القياسي بمبيعات التبغ لعام 2025 بأكثر من ...
- إريتريا تسعى لإلغاء ولاية المحقق الأممي لديها بعد إدانتها
- الفلاحي: المقاومة تركز على ضرب الآليات التي يصعب تعويضها خلا ...


المزيد.....

- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - الشهيد نزار بنات... حين يُغتالُ الصوتُ ولا تموتُ الحقيقة!