أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - نزار بنات واليمن... قصّةُ حُبٍّ لا تعرفُ الخيانة!














المزيد.....

نزار بنات واليمن... قصّةُ حُبٍّ لا تعرفُ الخيانة!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8377 - 2025 / 6 / 18 - 16:17
المحور: القضية الفلسطينية
    


لم يكن الوطن، عند نزار بنات، مجرد أرضٍ وعلم، بل كان شعوراً بالكرامة لا يُباع، وصوتاً لا يُشترى. وحين ضاقت به حدود الجغرافيا، وجد في اليمن قلباً آخر ينبض بالمقاومة، جُرحاً يشبه جُرحه، وصرخة لا تختلف عن صرخته الأخيرة.
في كل سطرٍ كتبه، كان اليمن حاضراً... لا لأنه بلده، بل لأنه يُشبهه: محاصَر، صامد، نازف، لكنه لا ينحني.
رحل نزار بنات، وبقي صدى كلماته يتردَّد على جبال اليمن، كما لو كان يعرفها عمراً، وكأنها كانت تعرفه جيداً. فبعض الأرواح تلتقي رغم المسافات، وتُحب رغم الحصار، وتظلُّ وفيّة حتى بعد الموت.

ما سرّ حبّ نزار بنات لليمن؟
وما الذي جعل اليمن، في نظره، عنواناً للنخوة، وأيقونةً للوفاء العربيّ في زمنٍ شحّت فيه المروءة، وتكاثرت فيه الخيانات؟

بدأت الحكاية حين كان نزار طفلاً في السادسة من عمره، غادر مدينة الخليل مع أسرته إلى السعودية، ليستقرّوا في مدينة الهفوف. هناك، بدأت أولى فصول العلاقة الوجدانية بينه وبين اليمن، علاقة نسجتها التجربة قبل الكلمات، وغذّتها المواقف أكثر من الخطب.

في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم بالهفوف، التقى نزار بأستاذٍ يمنيّ للغة العربية، رجلٍ قصير القامة، نحيل الجسد، لكنه ممتلئ الروح. أحبّ هذا الأستاذ تلميذه الفلسطيني الصغير، واحتضنه بعنايةٍ خاصة، وأسند إليه مهامّ لم تكن تُكلَّف بها أعمارٌ كتلك، فشعر نزار أنه يؤدي دوراً استثنائياً، أشبه بـ"مبعوثٍ أمميّ".
هناك، على مقاعد الدراسة، ارتبط اليمنيّ في وجدانه بالكرامة، والثقة، والدفء الإنساني.

لكنّ التجربة التي حفرت في ذاكرته صورة لا تُمحى، كانت يوم اندلع حريق في منزل أسرته. وبينما اكتفى الجميع بالمشاهدة، اندفع شابٌ يمنيّ، لا يعرف العائلة، بشجاعة نادرة وسط ألسنة اللهب والدخان لإنقاذهم.
ذلك المشهد ظل حاضراً في وعي نزار، يعود إليه كلما سالت دماء شعبه، وكلما خذلته مواقف الصمت العربي.. إلا من اليمن.

لم يكن نزار يسأل فقط عن المواقف، بل عن الجوهر:
ما سرّ هذا القلب اليمني؟
ما الذي يجعلهم يشعرون بأن فلسطين ديارهم؟
لماذا لا يصمتون حين يصمت الجميع؟
لماذا لا يخونون؟

بحث عن الجواب في التاريخ، في كتب القبائل والمآثر، في سِيَر الكرماء وأهل النخوة، وفي تفاصيل الرُّكن اليمانيّ بالكعبة، الذي كان يشدّه إليه شعورٌ خفيّ، وكأنّه علامة روحية على عروبةٍ لا تموت.

أحبّ اليمن لأنه وجد فيه ما لم يجده في غيره: الشرف الأصيل.
سمع كلمة "النخوة" أول مرة من رجلٍ يمني، وآخر مرة لمس معناها كانت حين تخلى العالم عن فلسطين.. وبقي اليمن صامداً.

سأل نفسه ذات مرة:
لماذا يحبّ الفلسطينيون اليمن كما لو كان قطعة من بلادهم؟
ربما كان الجواب في صوت فرقة "العاشقين"، حين غنّت في صنعاء عام 1990، في حفلٍ لم يكن فيه جمهور، بل جيشٌ من القلوب المفتوحة لفلسطين.

أحبّ نزار اليمن: لهجته، بساطته، أكله، شعبه، وتاريخه.
لكنه أحبه أكثر لأنه لم يخنه.
رآه دائماً هناك، حيث يُطلب الشرف، وحيث لا يُباع الصوت، ولا يُشترى.

حتى في أيامه الأخيرة، ظلّ نزار يتساءل:
هل يُولد اليمنيون بقلبٍ مختلف؟
هل يولدون وهم يعرفون أن القدس أختُ صنعاء؟

استُشهِد نزار بنات، وقلبه معلّقٌ بالرُّكن اليمانيّ، ساجداً بلا ركوع، يردّد في سرّه:
يا ليتني متُّ وأنا أعرف السرّ...
سرّ هذا الحب الذي لم يخنه اليمن يوماً.

رحل نزار، لكن السؤال الذي شغل قلبه لا يزال حيّاً بيننا:
ما سرّ هذا الوفاء اليمنيّ لفلسطين؟
قد لا نجد الجواب في كتب السياسة، لكنّنا نلمسه...
في يدٍ أنقذت بيتاً مشتعلاً، في نظرة أستاذٍ نحيلٍ أكرمه حبّاً، في أغنية من صنعاء تشدو للقدس، وفي ركنٍ يمانيّ بالكعبة يضجّ بالعروبة.

نزار بنات، المناضل الذي لم يساوم، مضى إلى ربّه ووجهته القدس... لكن قلبه، كان يمانيّاً.

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نزار بنات: شهيد الحقيقة في زمن الخيانة!
- حين بكى غسان... ونام نزار في تراب فلسطين
- جيهان ونزار... وحدهُما في حُضنِ الغيابِ!
- حين تُناديه الأُمُّ... ولا يُجيبُ!
- حين ينكسرُ قلبُ الأب… ولا أحدَ يسمع!
- مجزرة مدرسة صيدا الرسميَّة – المدخل الجنوبي: حين تحوَّل المل ...
- محمد نمر غضبان: ضميرُ الثورة الذي خذله الزمن!
- غزّة لا تنتظر القيامة... إنّها تعيشها!
- حين يموتُ المُؤرِّخُ... وتبقى غزّة تكتُبُ المأساة!
- الدكتورة آلاء النجار... أُمُّ الشهداء وصبرُ الجبال في وجه ال ...
- غزّة تمُوتُ ببُطءٍ... والعالمُ يغُضُّ الطّرف
- غزّة... النَّعشُ الذي يمشي وحدهُ
- غزّة تكتُبُ قصيدة الشّاعر نزار قبّاني الأَخيرة!
- بدر فلسطين التي غابت دون وداعٍ!
- شهد الصوّاف... صرخةٌ جائعةٌ في وجه أُمَّةٍ خذلتها!
- مارغريت تاتشر... حين قالت: -أنا لست زعيماً عربياً-!
- خوسيه موخيكا يغيب... وغزة تزداد نزفاً
- الإنسان الفلسطيني: المعجزة التي هزمت السلاح!
- جائزة لصانع السلام... ورصاصةٌ لنزار بنات الذي نادى بالحق!
- إنزو مايوركا أنقذ دلفيناً... فمن يُنقذ غزّة؟


المزيد.....




- تحديث مباشر.. دخول الصراع يومه التاسع وترامب: إسرائيل لا يمك ...
- على وقع الضربات المتبادلة مع إسرائيل.. زلزال في شمال إيران
- -فتاح 2-: الصاروخ الإيراني الذي يصل إلى تل أبيب في أقل من 5 ...
- الدويري: المقاومة تعمل بعمق قوات الاحتلال وحرب إيران لا تؤثر ...
- شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لخيام تؤوي نازحين غرب مدينة غزة ...
- شاهد.. أفضل ضربة قاضية هذا العام
- هل ستقبل إيران بما يطرح على طاولة الأوروبيين؟ وما موقف إسرائ ...
- ترامب يكشف سبب -صعوبة- مطالبة إسرائيل بوقف ضرباتها على إيران ...
- تظاهرة في ماليزيا دعماً لإيران وفلسطين ورفضاً للدعم الأميركي ...
- مظاهرات حاشدة في بغداد دعمًا لإيران ورفضًا للحرب


المزيد.....

- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - نزار بنات واليمن... قصّةُ حُبٍّ لا تعرفُ الخيانة!