أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل الرائي - تأملات في البنية الكلية














المزيد.....

تأملات في البنية الكلية


ميشيل الرائي

الحوار المتمدن-العدد: 8371 - 2025 / 6 / 12 - 08:13
المحور: الادب والفن
    


ليس الشرط من ماهية المشروط، بل هو خارجٌ عنها، كإطارٍ لا يدخل في نسيج اللوحة، لكنه يُملي عليها حدود الظهور. هو سابق من حيث الرتبة، لاحق من حيث الإدراك، ملازم من حيث الضرورة، منفصل من حيث الهوية.

الشرط لا يُشكّل الكلّ، بل يقتضي وجوده. وما يلزم من عدمه عدم المشروط، دون أن يعني ذلك أنه من أجزائه. إنه علاقة ذات طابع أنطولوجي: لا يتقوم الشرط بالمشروط، بينما المشروط يتوقف عليه كتوقف الأثر على سببه، أو كتوقف الانكسار على الكسر.

أما الجزء، فداخليّ، يشكّل بنية الكلّ، لا بوصفه تابعًا، بل بوصفه مشاركة في الجوهر. الكل ليس تجميعًا كمّيًا لأجزائه، بل وحدة نوعية تنبثق منها، تمثل صورة التئامها. الجزء لا يسبق الكلّ زمنيًا، بل يكوّنه من الداخل.

الشرط مغاير للمشروط، لا في الوجود فقط، بل في جهة النظر: الشرط من لوازم الوجود، والمشروط من الممكنات المتحققة. ومع ذلك، لا يكون اللازم سابقًا على الملزوم، لأن العلاقة بينهما ليست ترتيبًا زمنيًا، بل بنية ترابطية، حيث يتحقق الشرط مع المشروط، كما يتحقق الضوء مع الرؤية، لا قبله ولا بعده، بل به.

وهكذا، فإن الحدوث لا يتولد من تراكم الأجزاء وحدها، بل من انبثاق الشرط في قلب تحقق المشروط، كما لو أن كلّ وجودٍ هو استجابة آنية لشرطٍ ظلّ كامنًا في التخوم.

الشرط، في وضعه، كليّ، مجرّد، عامّ. لكنه لا يدخل حيّز الفاعلية إلا عبر تخصيصه: عبر الاستعمال، والمقام، والسياق. إنه ينتقل من المفهوم إلى البنية، من الاحتمال إلى الضرورة، حين يُفعّل داخل شبكة المشروطات التي تمنحه شكله المتعيّن.
إذا كان الشرط لا يدخل في ذات المشروط، فهو مع ذلك لا يغادره؛ كالحبر في هوامش النص، لا يصوغ المعنى لكنه يُنذِر بحدوده. إن العلاقة بينهما ليست من جنس العِلّيّة السببية البسيطة، بل من نظامٍ دلاليٍّ معقّد، تُشبه ما يسميه أوغسطين "زمن القلب": زمن لا يُقاس بالحركة، بل بالتواطؤ البنيوي بين إمكانٍ ينتظر، وتحقّقٍ يُجيب.

فالشرط ليس علّة، لكنه لازِم، واللّازم لا يكون أسبق من ملزومه، بل يُلازمه في الحضور، ويتوارى في الغياب. إنه ينتمي إلى بُنية "الما قبل دون أن يكون سابقًا"، و"الما وراء دون أن يكون خارجًا".

لهذا، فكل مشروط حادث، لا لأنه يبدأ زمنًا، بل لأنه يكشف عن اقترانٍ جديد بين شرطٍ انفتح، ومقامٍ قبِل. الحدوث ليس لحظة زمنية، بل انكشاف لنظام من الشروط لحظة توافر شرط التلاقي. إن الحدوث علامة، دالّ، أكثر مما هو واقعة؛ إنه لغة الشرط حين تُصرّح داخل جسد الوقوع.

ولأن الشرط كليّ، فإنه حين يُستعمل، ينكسر، يتشظى، يُختصّ. فالكلّي لا يعمل إلا في مقامات الجزئي. والمجرد لا يفعل إلا حين يلبس لبوس الخصوصية. في هذا المعنى، فإن الشرط، رغم طابعه الميتافيزيقي، هو بنية تداولية، لا تتحقق إلا في أفق الاستعمال.

لذلك، فكل شرط يحمل طابعًا سيميائيًا خفيًا: هو أثر قبل أن يكون سببًا، علامة قبل أن يكون قانونًا. وهو لا يُعرف إلا بأثره، كما لا تُدرك الريح إلا بحركة الأشجار.

في استنتاج مُحتمل

من هنا، يمكن أن نقرر:

1. إن كلّ مشروط هو نتاج شبكة من الشروط لا تُختزل إلى مجموعٍ كمّي، بل إلى بنية ترابطية دلالية.


2. الشرط كائن على نحو لا-زمني، لكنه يُفعل في الزمن.


3. الجزء يؤسّس الكل من الداخل، بينما الشرط يهيّئ للظهور من الخارج.


4. الكلّ ليس وحدة الأجزاء، بل لحظة التقاء الشرط بالجزء في مقام واحد.

لكن، ما الكلّ؟
هل هو حقيقة تُدرَك بالعقل، أم بناء تُعيد اللغة تشكيله كلّما استُخدمت مفرداته؟
في ظلّ هذا التشابك بين الشرط والجزء، يبدو الكلّ لا بوصفه معطًى أنطولوجيًا ناجزًا، بل بوصفه أفقًا دائم الانفتاح، لا يتحقق إلا في لحظة التقاء ما ليس من ماهيته (الشرط)، بما هو جوهره الداخلي (الجزء). تلك اللحظة – أو الومضة – هي الحدوث، وليست شيئًا يُمسك، بل أثرًا يُقرأ.

وهكذا، فإن الكلّ ليس كيانًا ميتافيزيقيًا ثابتًا، بل هو إمكان تأويلي يتشكل كل مرة ضمن بنية تَحقّق. هو علامة على أن العلاقة بين ما هو خارجي (الشرط)، وما هو داخلي (الجزء)، ليست علاقة "بنية تامة"، بل علاقة "بنية مفتوحة" كما أشار أمبرتو إيكو في L’Opera Aperta، حيث الكلّ لا يُستنفد في تأويلٍ واحد، ولا يكتمل في دلالةٍ واحدة، بل يبقى مواربًا، مضطربًا، قيد القراءة.

فالشرط، حين يُفعل، يُحوّل المشروط إلى نصّ، لا إلى واقعة. والجزء، حين يُسهم، لا يُؤسّس الكلّ بل يضعه في حالة تعليق. نحن لا نصل إلى الكلّ، بل نظلّ ندور حوله.

وفي هذا الدوران، تكمن الفلسفة: لا كبحث عن أصلٍ أو تمام، بل كإقامة في المسافة بين الحدوث والشرط، بين الداخل والخارج، بين الكلّي والمخصوص.


ليس في العالم ما يُشكّل كلًّا مكتملًا، بل هناك فقط شرائط تُشير، وأجزاء تُقاوم، وكلّيات لا تتحقق إلا في عبورها.

ذلك أن المعرفة نفسها مشروطة، والوجود نفسه مجزّأ، والكلّ ليس سوى حُلم الاستواء الذي يُولد من اصطدام الشرط بالمقام، ويتلاشى كلما اقتربنا من لمسه.



#ميشيل_الرائي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرة أدونيس تمثال من دخان، أو كيف تُصنع أسطورة من ورق الجرائ ...
- الرواقية
- العُري السماوي
- حاشية ثانية على جزيرة اليوم السابق
- الجسد المؤنث كفضاء للسلطة والمقاومة: في تشكيل الهوية الجنسية ...
- بيان مسرحي
- نظام الوحدات وتشكيل السلطة: في هندسة المسرح الكلاسيكي
- في عيون الأرنب الشمسي ويبدأ القارئ بالصراخ
- شذرات من مسرح لا أتذكّر اسمه
- طفل الخشبة /شذرات ضد الأب-المعلّم
- عَتَبة اللّامفاتيح: مُحرِّكُ الأصواتِ اليتيمةِ في هندسةِ الت ...
- الفراغُ يعشقُ الخُلد الأعمى
- القرد الأخير يحاول فهم نزيف ساعةٍ وظله يُعلق ذاته بحبل من أس ...
- تشريح الدرس الأكاديمي
- دليلُ الماعزِ الأعمى إلى علاماتِ الترقيمِ المقدّسةِ
- الركح في متاهة المرايا: عن استيهام الموضة وتيه الهوية في الم ...
- مستدركات على نص تكوينات
- الحاشية الثانية على نص تكوينات
- بيان تأويلي ضد المسرح، أو في امتناع العرض كحدث
- تكوينات / نص مسرحي


المزيد.....




- سواد القدور الخاوية يوثق في لوحات ظلام مجاعة غزة
- هل نجح الباحثون الأردنيون في توثيق هوية القدس وحمايتها معرفي ...
- كيف أثّر فن وفكر زياد الرحباني في أجيال متعاقبة؟
- الكتابة من تحت الأنقاض.. يوسف القدرة: في الشعر لغة -فرط صوتي ...
- تشييع الفنان اللبناني زياد الرحباني... وفيروز في وداعه
- (فيديو) في وداع الرحباني.. ماجدة الرومي تبكي عند أقدام فيروز ...
- أطروحة دكتوراة عن الديستوبيا في روايات سناء الشّعلان في جامع ...
- -ركعت أمامها وقبلت يديها-.. تفاعل مع أسلوب عزاء ماجدة الرومي ...
- الممثلة المصرية وفاء عامر ترد على اتهامات الاتجار بالأعضاء
- لبنان: الحزن يخيم على مراسم جنازة زياد الرحباني بحضور والدته ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل الرائي - تأملات في البنية الكلية