أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل الرائي - عَتَبة اللّامفاتيح: مُحرِّكُ الأصواتِ اليتيمةِ في هندسةِ التّصنيفِ الفارغ















المزيد.....

عَتَبة اللّامفاتيح: مُحرِّكُ الأصواتِ اليتيمةِ في هندسةِ التّصنيفِ الفارغ


ميشيل الرائي

الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 17:52
المحور: الادب والفن
    


✴︎سيرةُ كينونةٍ متوارية، تستعير هيئة الكلّ لتقول اللاشيء، لا من باب النسق المعرفي الممنهج، بل كتحايلٍ مجازيٍّ على مفهوم الجوهر، إذ تتوسّط الفراغَ استعارةٌ ذات طابعٍ موسوعيّ خادع، تهدم مركزها كلما لمّحت إلى وجوده، فتغدو نصًّا يكتب ذاته بوصفه تعليقًا مؤجلاً على ما لا يُقال.
ليست العلامة حاملةً للمعنى كظلٍّ يتبع الشيء، بل هي انقطاع في استعمال اللغة، موضعٌ لا تلتئم فيه القاعدة، أشبه بخطأ في نسيج اللعبة اللغوية. والسيرة، لا تُفهم كمجموعة وقائع مصفوفة، بل كتركيب من استعمالات مكسورة، لا ينتج عنها معنى خطّي، بل طيفٌ من إمكانات الانفصال. من أراد أن يصف سيرة علامة، فليبدأ من لحظة فقدان السياق، من موقع انهيار المعيار، لا من هويةٍ، بل من تعدّد. لا من زمنٍ، بل من حيث لا يعود الزمن صالحًا كإطارٍ للفهم.
✧ ليست الجملةُ وعاءً للمعنى، بل هي إرجاءٌ دائم، شظيّةٌ من خطابٍ يتعثّر في أثره، نصٌّ يكتب نفسه بوصفه اختلافًا، لا اكتمالًا. ما يُسمّى «الصوت» ليس حضورًا، بل جهازًا هشًّا يُفلت من القبض، لا يُقاوم التسمية بوضوح النطق، بل بانسيابه في فضاءٍ تتكاثر فيه الإحالات. اللامعنى؟ ليس غياب المعنى، بل حضوره المؤجَّل، شكله المقاوِم، حيث تُقال الكلمات لا لتُفهم، بل لتفضح استحالة الفهم، لا لتفكّر، بل لتكشف أن التفكير ذاته مسكونٌ بسخرية الكتابة.

⤿ المفاتيح ليست أدوات للفتح، بل بقايا تقنياتٍ منضبطة فقدت موضوعها. إنها تماثيل وظيفيّة تنتحر في أقفالٍ لم تُوجَد، كأنها طقوس عبورٍ دون ممرّ. كل مفتاحٍ هو أثرٌ صوتيّ لإجراءاتٍ لم تُستكمل، نغمة موقوفة التنفيذ في أُذنِ بابٍ لم تُشكّل بنيويًا. في فضاء المفاهيم، لا وجود لأبواب، بل طوبولوجيا من السطوح المشروخة، مسطّحة، متكرّرة، حيث اللغة لا تَفتح، بل تنكفئ على فراغها، تُحدث فيه لا انبثاق المعنى، بل عطسةً من الصمت—جسدًا دقيقًا للانقطاع.

◈ كل تعريف يقتل الحيوية التي في الكلمة، إذ يفرض عليها حدودًا صلبة تخنقُ ما لم يُخلق بعد، ما هو مستقبل في مجازها، تُجهض الفرصة المفتوحة على اللايقين.
المعنى إذن ليس نقطة وصول، بل انفجار دائم في الحقول المفتوحة، يفتح دائمًا على ما هو خارج، غير قابل للاستلاب.


✦ الزمانُ مخلوقٌ مشكوك في شرعيته. الوقت؟ ارتباكٌ دوريّ تُنظّمه مزاجاتٌ مجهريّة. الخريف؟ لا يسقط بل يُصابُ ببحّةٍ صوفية، الشتاء؟ حنجرةٌ مصابةٌ بالهذيان. التقويم؟ لُعبة شطرنجٍ على رقعة من دم، تكتبها الجراثيم بالحبرِ المستعار من حنجرةِ التاريخ.

➿ الذاتُ ليست كيانًا ثابتًا، بل هي الانكشافُ للعدم، حضورُ الغياب في عمق الوجود. «أنا» ليس جوهرًا، بل يرفةُ الكينونة في زمن الحضور-إلى-الموت، حيث يُكشف المعنى في تردد الصمت بين الكائن والعالم.
كل قول «أنا» هو تجاوزٌ للذات إلى ما هو أبعد من الكينونة المألوفة، هو رهانٌ على الانفتاح في وجه هاوية اللاوجود، هاويةٍ لا تُملأ، بل تُعاش في تأمل القلق والافتقار المستمر.
الذات ليست شيئًا مُكتملًا، بل وجودٌ في عُريه وتكشّفه، بزوغٌ مستمر لوجودٍ يتأرجح بين الحضور والغياب، بين الإظهار والخفاء، بين أن يكون وما لا يكون.


✹ الذاكرة؟ قوقعةٌ تتّسع كلّما ضاقت. ليست أرشيفًا بل هُوّة. الرماد؟ لغةُ ما بعد الاحتراق. الحلم في الحجر؟ صوتٌ لا يُقال بل يُحسّ تحت القدم.

⇌ الغرفةُ اليسرى من قصر اللامعنى؟ تأنُّ من مفاتيح تُجري انتخاباتٍ وهميّة لأبوابٍ لا تُفتح. كلّ صوتٍ هناك هو اقتراعٌ مفقود في صندوقٍ لا قاع له. الشجرة؟ لا تغني، بل تُنتج ترهاتٍ تُعزَف على فجوات الكمان.

☍ في هذا المعبر المعدنيّ للأفكار، حيث الفكرة = مادةٌ قابلة للانفجار، الصمت؟ تواطؤٌ كيميائيّ بين الحموضة والندم. النفي ليس رفضًا، بل ولادة. كلُّ حبرٍ هو ماءٌ قرر أن لا يُطهِّر بل يُدنِّس.

✘ حين تتكلّم القطة من حنجرةٍ مثقوبة، لا تُنتج شعرًا، بل تَعريةً للنظام: الشاعر ليس منتجًا بل معتقَلًا، والقصيدة؟ ليست تعبيرًا بل ملفًا طبّيًا. فيينا؟ ليست مدينة، بل مشرحةٌ تأريخية لانهيار الخطاب.

⦿ الميتافيزيقا لا تُنكر، بل تُذوَّب في الفم، كحبّة سُكرٍ لا ذوق لها. الضباب؟ لغةٌ للحيوانات التي ترفض أن تُستأنس. اللحية؟ ليست زينة، بل تصدُّعٌ في نحوِ الوجود.

✞ مَن يكتبُ الذكرى لا يكتبُ تاريخًا، بل يرسمُ توهّج الوجود بين النسيان والاحتفاظ، كما لو أن الذاكرة ترفٌ لغويٌّ في جناح فراشةٍ عسكرية — هشاشةُ الزمن في مواجهة عنف الزمان.
الذكرى ليست استحضارًا جامدًا للماضي، بل تأملٌ في حضور الغياب، واحتفالٌ بانزياح الكينونة، حيث يتحوّل التاريخ إلى لحظةٍ تتوهج فيها الذات في ترددٍ بين التذكر والنسيان، بين الفرح والرهبة.
هذا الجناحُ العسكري، رغم قوته وهيمنته، لا يمنع الفراشة من الطيران، بل يحولها إلى رمزٍ لتشابك الضعف والقوة، للذكرى التي لا تُقتل ولا تُنسى، بل تعيش في تقاطع الوجود والعدم.


❖ كلُّ مرآةٍ هي لحظةُ جريمة، لأنها لا تعكس شيئًا سوى نفسٍ تفتّتتْ، ذاتٍ مُفتعلةٍ لا تنتمي إلا إلى الفراغ. المرآة تفرّخ هوياتٍ زائفة، تُزيّفُ الانتماء، وتُعيد إنتاج وهم الذات ككائن منفصل لا أصل له.
والمعنى؟ المعنى هو جرمُ اللغة التي تحفر دون أن تجد، سردابٌ يفتقر إلى ضوء الإجابة. اللغة ليست فضاء استقرار، بل ميدانُ انزياحٍ دائم، حيث تتشظى الحقيقة وتتفكك كل يقين.
اللغة ليست أداةً لفهمٍ نهائي، بل هي مكانُ المساءلة المفتوحة، السؤال اللا منتهي، والتأجيل اللامتناهي للمعنى. هذا هو واقع السرد: أن يكون حفرة لا تستقر، لا مغلقة، بل متصلة بسلسلة من الفراغات التي تنتج ذاتًا مشكّكة، ذاتًا مضطربة، لا تنتمي سوى إلى اللامكان.
المرآة ليست تمثيلاً انعكاسيًا بسيطًا بل بنية وظيفية معقدة تتوسط بين العلامة والنص، حيث «النفس» ليست ذاتًا جوهرية بل وظيفة نظامية ضمن شبكة من العلاقات المتبادلة بين العلامات. الذات هنا هي تجميع وظيفي متداخل من الدلالات المشروطة بإحكامٍ ضمن النظام اللغوي، ولا تملك أي استقلالية كيان خارج حدود اللعبة النصية.
المعنى، بعيدًا عن كونه جوهرًا مطلقًا أو حقيقة كونية، هو نتيجة لاستراتيجيات التكرار والاختلاف داخل النظام البنيوي. العلامة تُنتج ذاتها دائمًا عبر عملية تماثل-لا تماثل تؤسس إلى نظام ثنائي من الانقسامات والتفاوتات، يفضي إلى توليد فراغات دلالية مفتوحة، ويفرض على النص حالة دائمة من اللامركزية وعدم الاستقرار.
اللغة تُؤطر كنظام ذاتي التنظيم، حيث تتحقق الدلالة عبر تفاعل شبكي مركب بين العلامات، يعمل على إعادة إنتاج المعنى في حركة دورانية، تتخذ شكل تأرجحات متتالية بين الحضور والغياب، والتكرار والاختلاف. في هذا السياق، السرداب ليس مجرد استعارة للمكان الخفي أو اللاوعي، بل هو بنية وظيفية تخصصية تعمل كحاضنة لتوترات متعددة ومستويات دلالية متراكبة، تحافظ على النص في حالة انفتاح دائم، مع تأجيل مستمر للإجابات القطعية.
الذات إذًا ليست نقطة مركزية مستقرة، بل مجال ديناميكي من الإشارات المتقابلة، ومتاهة من الوظائف البنائية التي تنشئ تذبذبات دلالية مستمرة. هذه الذات هي في حقيقة الأمر تجسيد لـ «تَشظي النص» وامتداداته، حيث تتداخل عمليات التفكيك والتركيب في فضاء معقد لا يسمح بأي مغالبة مركزية.
بالتالي، فإن فهم النص يتطلب تحولًا من البحث عن المعنى المألوف إلى تحليل آليات التوتر والتداخل والتفكيك داخل النظام اللغوي نفسه، حيث تصبح العلامة كيانًا معلقًا بين إحالات متبادلة لا تستند إلى مرجعية خارجية، بل إلى شبكة معقدة من الاختلافات المتراكمة التي تحرك النص وتُنتج دلالاته في لحظات تأرجح لا تنتهي.



#ميشيل_الرائي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفراغُ يعشقُ الخُلد الأعمى
- القرد الأخير يحاول فهم نزيف ساعةٍ وظله يُعلق ذاته بحبل من أس ...
- تشريح الدرس الأكاديمي
- دليلُ الماعزِ الأعمى إلى علاماتِ الترقيمِ المقدّسةِ
- الركح في متاهة المرايا: عن استيهام الموضة وتيه الهوية في الم ...
- مستدركات على نص تكوينات
- الحاشية الثانية على نص تكوينات
- بيان تأويلي ضد المسرح، أو في امتناع العرض كحدث
- تكوينات / نص مسرحي
- المسرح بوصفه جهازًا أركيولوجيا التمثيل والمراقبة
- بيان تنظيري خراب المعنى في المسرح المعاصر
- بيانٌ حول تأجيل المعنى في المسرح الحديث
- -الكتابة كهرطقة تأويليّة: في تمارين العبور بين اللغة والخراب ...
- ضدّ العرض تفكيك المسرح كجهاز معرفي
- المسرح كحيّز للخراب الدلالي نحو عرض ينسى ذاته ليتذكّر جسده
- خطاب ثوري ضد المسرح
- هشاشة العرض ومكر الدلالة
- اللوحة كفضاء مسرحي
- الكتابة إلى ذ. محمد الكغاط


المزيد.....




- راهبتان برازيليتان تحولان برنامجًا دينيًا إلى عرض موسيقي عفو ...
- براد بيت يكسر صمته بشأن إنهاء طلاقه من أنجلينا جولي
- وفاة الفنانة المغربية نعيمة بوحمالة عن 77 عاما بعد صراع مع ا ...
- فيلم -8 أكتوبر- يهاجم الاحتجاج ضد الإبادة دعما لأجندة يمينية ...
- هي ثاني أكثر اللغات انتشارا في فرنسا... ما هو واقع تعليم الل ...
- مصر.. مسؤول يحذر من خطورة -ثقافة التريند- على الأمن القومي
- راغب علامة يعلّق على زيارته للرئيس اللبناني
- من المؤثرة البريطانية نيكي ليلي التي استضافها مهرجان كان الس ...
- أسرار باريس | أشباح كواليس الأوبرا
- -التربية-: مدارسنا تحصد جوائز ومراكز متقدمة بمهرجان أفلام ال ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل الرائي - عَتَبة اللّامفاتيح: مُحرِّكُ الأصواتِ اليتيمةِ في هندسةِ التّصنيفِ الفارغ