أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ميشيل الرائي - بيان تأويلي ضد المسرح، أو في امتناع العرض كحدث














المزيد.....

بيان تأويلي ضد المسرح، أو في امتناع العرض كحدث


ميشيل الرائي

الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 11:06
المحور: قضايا ثقافية
    


ليس هناك ما يُدعى بداية. البداية محض أثر لاحق، علامة بكماء تتنكر كأصل. ولهذا فإن كل ما يُسمى عرضًا مسرحيًا، هو في جوهره تمرينٌ على خداع التأريخ، وإيهام الزمن بأنه تسلسل.

إن الاحتفال المسرحي لا يحتفل، بل يُدوِّن غيابه في هيئة طقسٍ مُضاءٍ بعناية زائدة. الطقس، في جوهره، ليس تكرارًا، بل جهاز نسيان فاعل، يؤرشف ما لم يحدث، ويرتّب فراغه كأنه سلالة مقدّسة.

الخشبة؟ إنها استعارة معمارية لفراغ لا يحتمل تأويله. مكان يُحوِّل الألم إلى جماليات تقنية، ويستبدل السؤال بالإضاءة، والجرح بالبروتوكول الجمالي.

الجسد في المسرح لا يُستعرض، بل يُحتجز. إنه يُقدَّم كدليل على حضوره، بينما هو، تأويليًا، الدليل الأقوى على محوه. يُستدعى إلى الضوء لا ليُرى، بل ليُصدّق صُورته، كما يُصدّق الأسير مرآته بعد عُتمة طويلة.

ما يُدعى "النص المسرحي" ليس إلا وثيقة نسيان لنص لم يُكتب، لأنه، من حيث المبدأ، لا يُكتب. فالكلمة الأولى لم تكن تواصلاً، بل فزَعًا من الصمت.

الممثل؟ ليس من يمثل، بل من يُحوّل القناع إلى بشرة ثانية. القناع ليس تمويهًا، بل هوية مُعلّقة على جدار الإدراك. وهو لا يرتديه، بل يسكنه، وينسى.

إن المسرح، في بنيته الأعمق، نظامٌ شبه دينيّ لتأجيل الفوضى. هو هندسة للريبة المقنّعة بالإيقاع. وكل جملة تُقال، تُقال كي لا تُقال الجملة التي كان يجب أن تُقال.

العرض ليس انكشافًا، بل سترٌ ماهرٌ للفجوة. هو طيّ المعنى تحت قماش الصورة. هو تمرين على إعادة التمثيل بوصفه طقس نسيان إبداعي.

كل محاولة لبعث المسرح هي استعادة صوتية لصمتٍ خُطّط له بعناية. فالمسرح، بوصفه آلة تمثيل، هو قوسٌ مغلق على لحظة سهوٍ جماعي.

ولأن العرض المسرحي، كما نعرفه، قد مات أكثر من مرّة، وصُوّر في جنازته ألف مرة، آن أن نعترف: لا حاجة لنا بعرضٍ لا ينهار.

شذرات بنائية نحو عرضٍ لا يشبه ذاته

1. لا تبدأ، أو بالأحرى، ابدأ بالخاتمة بوصفها لحظة نكران. اجعل كل مشهد نسيانًا للمشهد الذي سبقه. وليكن الزمن مُختلًا، بلا إشارة مرجعية.


2. لا تعتمد على النص. النص، ككائن معرفي، كان دومًا عذرًا تأويليًا لفقدان الصوت. تعامل مع الصفحة البيضاء كاحتمال لمشهد لم يُرسم.


3. لا تنتظر جمهورًا. الجمهور جزء من جهاز السلطة المسرحية. اجعل المقاعد تتفرج على المقاعد. اجعل التصفيق يتم خارج المعنى.


4. لا تستخدم الديكور كإيهامٍ بالمكان، بل كاتهامٍ للمكان. اجعل الستارة عنصر شغب. اجعل المصابيح تُكذّب الضوء.


5. الممثل ليس ناقلًا للنص، بل خطأ ناطقٌ به. فمه فجوة لا تُسدّ، ذاكرته تمرين على النسيان. دعْ الجسد يتلعثم كما لو أنه يكتشف اللغة.


6. لا تُخرج. فالإخراج شكل متحضّر للرقابة. كن حفّارًا في هاوية المعنى، لا منظّمًا للعلامات.


7. لا تبدأ العرض. اجعل العرض يهرب من بدايته. امحُ الستار لا لتُعلن البدء، بل لتُبطل إمكانيته.


8. الزمن: لا هو كرونولوجيا، ولا حدث. اجعل اللحظة تمتد كما لو أن المشهد قرّر أن لا يتحرك.


9. لا تستخدم الإكسسوار، بل رماده. الأشياء التي كانت ذات معنى تصلح أكثر من الأشياء ذات المعنى.


10. الصمت: ليس انقطاع الصوت، بل كثافته القصوى. اجعل الضجيج مرآة له. فكلاهما لغة تُربك التأويل.


11. المعنى؟ لا تبحث عنه. كل عرض قابل للفهم هو عرض فشل في أن يُولّد ألمه.


12. العرض الحقيقي يحتضر من لحظته الأولى. لا يعتذر عن نفسه لأنه فوضوي، بل لأنه مدركٌ تمامًا أنه غير ضروري.

هذا النص ليس بيانًا، بل فتات بيان.
نداء بلا هوية زمنية، بلا قناعة شكلية.
اقتراحٌ بلا وعد.
لعرض لا يريد أن يُعرض،
ولمسرح لا يسعى أن يكون.
بل ينهار، بهدوء، أمام فراغٍ فُهِمَ خطأً على أنه معنى.



#ميشيل_الرائي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تكوينات / نص مسرحي
- المسرح بوصفه جهازًا أركيولوجيا التمثيل والمراقبة
- بيان تنظيري خراب المعنى في المسرح المعاصر
- بيانٌ حول تأجيل المعنى في المسرح الحديث
- -الكتابة كهرطقة تأويليّة: في تمارين العبور بين اللغة والخراب ...
- ضدّ العرض تفكيك المسرح كجهاز معرفي
- المسرح كحيّز للخراب الدلالي نحو عرض ينسى ذاته ليتذكّر جسده
- خطاب ثوري ضد المسرح
- هشاشة العرض ومكر الدلالة
- اللوحة كفضاء مسرحي
- الكتابة إلى ذ. محمد الكغاط


المزيد.....




- إيران: المحادثات النووية مع واشنطن ستفشل إذا أصرت على وقف تخ ...
- استطلاع يكشف: 44% من البريطانيين يشعرون بأنهم -غرباء- في بلد ...
- -القسام- تعلن قتل وإصابة عسكريين إسرائيليين بكمين غرب بيت لا ...
- الاستخبارات الفرنسية ترد على اتهام مؤسس -تلغرام- لها بمحاولة ...
- -مصر تستعد لمواجهة عسكرية ضد إسرائيل-.. الإعلام العبري يحذر ...
- رئيس مجلس النواب الليبي: ما حدث في طرابلس جريمة وعلى حكومة ا ...
- تظاهرات في طرابلس تطالب المجلس الرئاسي بمواجهة الأزمة السياس ...
- أحدهم فارق الحياة.. ولادة ستة توائم في سوريا
- شاهد.. الصين تكشف عن طائرة عملاقة تحمل أكثر من 100 طائرة مسي ...
- من معبر رفح.. سياسيون وحقوقيون إيطاليون يطالبون بوقف الحرب ف ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ميشيل الرائي - بيان تأويلي ضد المسرح، أو في امتناع العرض كحدث