أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ميشيل الرائي - المسرح بوصفه جهازًا أركيولوجيا التمثيل والمراقبة














المزيد.....

المسرح بوصفه جهازًا أركيولوجيا التمثيل والمراقبة


ميشيل الرائي

الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 00:12
المحور: قضايا ثقافية
    


لكن ماذا عن المعنى عن تلك الشحنة المتفلتة التي لا يكبحها ضوء الخشبة ولا انتظام الكواليس إن المسرح وقد تشكّل كجهاز لا يُنتج الذوات فحسب بل يُنتج أيضًا أنظمة دلالة طبقات من التأويل متاهات من الإحالات لا يكفي أن نُراقب من يرى ومن يُرى بل أن نسأل أيضًا من يملك حق تأويل ما يُرى إن نظرةً واحدة ليست فقط خاضعة لهندسة الفضاء بل أيضًا لشبكةٍ من القوانين التي تنظم ما يُقال عمّا يُرى وتُحدّد ما يمكن فهمه مما يُعرض

ما يُسمى الخشبة ليس مجرد حيّز مادي بل نصّ مفتوح محفوفٌ بإرادات القراءة العرض لا يُنتج نفسه بل يُنتَج بوصفه عقدًا بين مَن ينطق ومَن يؤوّل بين مَن يظهر ومَن يُكتب عنه لا شيء يُعرض إلا وقد مرّ عبر سلسلة طويلة من التصفية من الترتيب من التقطيع الذي يحوّل الحدث إلى مشهد والانفعال إلى دور والصوت إلى إشارة

وكلما بدا العرض متمردًا كلما صار أكثر خضوعًا كل محاولة لإلغاء التمثيل تولّد تمثيلًا آخر كل صرخة ضد المعنى تُعاد هندستها كمعنى مضاد في العمق ليس هناك خروج من المسرح بل حركة لولبية تعيد كل شيء إلى منطق التمثيل ولو تحت قناع التعرية أو الصمت أو التفكيك

إن المسرح لا يُنتج الوهم بل يُنتج القابلية لتصديق الوهم لا يطلب منا أن نؤمن بما نراه بل أن نؤمن أن هناك شيئًا يُرى وأن هناك من يستحق أن يُرى ومن يجب أن يظل في العتمة حتى الغياب يُستثمر حتى الصمت يُوَجَّه حتى اللايقين يُصاغ بوصفه شكلًا من أشكال السيطرة الناعمة

وهكذا يغدو المسرح جهازًا لا لانضباط الجسد فحسب بل لانضباط المعنى لا يكفي أن تتحرك الأجساد في فضاء مضاء بل يجب أن تتحرك وفق شبكة من العلامات حيث كل إيماءة تُترجم وكل صمت يُقرَأ وكل انفعال يُصنَّف

لقد انتهى المسرح كحيز منفصل وتم امتصاصه تدريجيًا داخل كل ما هو يومي في المؤتمرات في الحملات الدعائية في النشرات الإخبارية في مراكز التسوق العرض لم يعد يُقدَّم بل يعيش فينا داخلنا كأننا دائمًا على الخشبة تحت عين لا نعرف موقعها نؤدي أدوارًا لم نخترها ونُراقب ذواتنا كما لو كنا آخرين

ما تبقّى من المسرح ليس مشهدًا ولا نصًا بل توترًا دائمًا بين الرغبة في الاختفاء والخوف من النسيان تلك المنطقة الرمادية بين أن تكون مرئيًّا جدًا أو لا تُرى إطلاقًا وبينهما يواصل المسرح عمله كقلق كصدى كأثر خفيّ لجهاز لا يتوقف عن التمثيل لكن ذلك كلّه لا يكفي ما دام المسرح يُقرأ داخل منطق التمثيل وحده ثمة ما يتفلّت دومًا من العين ومن المعنى من الرقابة نفسها من هندسة الفضاء ومن ميتافيزيقا التمثيل إن الجسد حين يرتعش لا يكرّر شكلًا بل يُنتج كثافة إن الصرخة لا تقول بل تفتح ثقبًا في اللغة في النظام في الخشبة ذاتها

المسرح كجهاز لا ينغلق على شكله السلطوي بل يتسرّب منه ما لا يمكن ضبطه تلك الحركات المجنونة التي لا تحاكي أحدًا ولا تمثّل شيئًا تلك الأصوات التي لا تعني ولكنها تصيب ما قبل المعنى وتخلخل النظام لا من خارجه بل من تجاويفه الخفية ما قبل البصري ما قبل الجسدي ما قبل المسرحي ذاته

ليست العين وحدها من ترى الجسد نفسه يرى عبر توتره وانفلاته الكلمة ليست قولًا بل حدثًا ماديًّا يهزّ الوجود المسرح ليس حيّزًا لعرض المعنى بل إمكانٌ لتفجيره ليس فقط فضاءً للمراقبة بل ساحةً للانفلات من كل قابليّة للقياس كل ما هو غير متوقع غير محسوب غير قابل للإعادة هو ما يؤسّس حقيقة المسرح كآلة للاختلاف

وحين يتوقّف العرض لا ينتهي شيء بل يبدأ ما لم يكن ممكنًا في حضرة الضوء في انطفاء المسرح تبدأ خطوط الهروب تظهر التشققات في جهاز الرؤية تبدأ الوجوه في التفلّت من أقنعتها وتبدأ اللغة في التهتهة كأنّها على وشك أن تُولد من جديد لا لتقول بل لتفكّ أنساق القول

ما يُخيف في المسرح ليس ما نراه بل ما لا يمكن أن نراه ما لا يُمثَّل وما لا يُنطَق ما يُقيم كقوّة عمياء لا مركز لها لا صوت لها لكنها تهزّ الكيان في الصميم

المسرح إذًا ليس بُنية ولا جهازًا تامًّا بل خريطة متشظّية حركة كثافات عبور دائم بين ما يُرى وما لا يُحتمل رؤيته بين ما يُنظَّم وما يتفلّت دائمًا

وهكذا لا يعود السؤال هل ما زال المسرح ممكنًا بل كيف يمكن للمسرح أن يُنتج ما لا يُمثَّل كيف يمكنه أن يكون لا مسرحًا بل إمكانًا دائمًا للاختلاف



#ميشيل_الرائي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان تنظيري خراب المعنى في المسرح المعاصر
- بيانٌ حول تأجيل المعنى في المسرح الحديث
- -الكتابة كهرطقة تأويليّة: في تمارين العبور بين اللغة والخراب ...
- ضدّ العرض تفكيك المسرح كجهاز معرفي
- المسرح كحيّز للخراب الدلالي نحو عرض ينسى ذاته ليتذكّر جسده
- خطاب ثوري ضد المسرح
- هشاشة العرض ومكر الدلالة
- اللوحة كفضاء مسرحي
- الكتابة إلى ذ. محمد الكغاط


المزيد.....




- هكذا علقت الصين على تهديدات ترامب بفرض عقوبات على روسيا
- مقتل أمريكي على يد مستوطنين بالضفة الغربية.. ومجموعة تطارد ف ...
- الاتحاد الأوروبي يأمل بإقرار حزمة عقوبات جديدة على روسيا
- كيف تخطط -بي واي دي- لإحداث ثورة في الشحن الكهربائي؟
- قيادي في القسام: المقاومة تعتمد على قدرة ذاتية وتصنيع محلي
- -آلية الزناد- ورقة ضغط تلوح بها أوروبا ضد البرنامج النووي ال ...
- اللجنة الأميركية العربية لمناهضة التمييز.. أهدافها وهيكلها و ...
- جامعة القدس المفتوحة صرح علمي يزاوج بين التعليم التقليدي وال ...
- مقال في بلومبيرغ: وأخيرا ها هو بوتين يثير حفيظة ترامب
- ترامب يعلن دعمه لحلف -الناتو- وهذا ما قاله عن بوتين بعد مهلة ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ميشيل الرائي - المسرح بوصفه جهازًا أركيولوجيا التمثيل والمراقبة