ميشيل الرائي
الحوار المتمدن-العدد: 8350 - 2025 / 5 / 22 - 02:35
المحور:
الادب والفن
كأنما خُلق المسرح العربي على عتبة ديرٍ لا يخصه، يقيم في ظلال مخطوطات ليست له، ويتهجّى نصوصًا لا يعرف إن كانت تُقرأ من اليمين إلى اليسار أم بالعكس. هنا، لا يعود الركح فضاءً للكشف، بل متحفًا يلمع فيه غبار الغرب، يُعرض فيه جسد درامي مأخوذ من مقبرة ما بعد الحداثة، وموضوعٌ على مقعد حنينيٍّ نحو ما لم نعشه أصلًا.
إنه مشهد يستدعي ضحكة بوذا أمام مرآة هيغل، أو تنهيدة أرسطو وهو يشاهد عرضًا تجريبيًا بلغة لم تُصقل في فوهة المدينة، بل وُلدت في علب الترجمة ونُفخت فيها روح اصطناعية تُشبه الكائنات الخرافية التي تخيَّلها بورخيس.
نُشاهد مسرحنا العربي يُحاكي مسارح الآخرين كما تحاكي الببغاء صلاة لاتينية، ظنًا منها أن الطقوس تنبع من الصوت لا من الإيمان. لا سؤال جوهري يُطرح، فقط إعادة تدوير لصيغ جمالية نشأت في حقول معرفية مغايرة، بين فرانكفورت ومونمارتر، محمَّلة بثقل نيتشهاني عن نهاية الذات وانفجار المركز.
لقد أصبح المهرجان التجريبي، والذي كان يُفترض أن يكون مرآة للذات في لحظة الشك، منصة لتأدية تمارين مدرسية على مفاهيم أوروبية تُلقّن كما تُلقّن تعاويذ سحرية دون أن يفهم الساحر اللغة التي كُتبت بها. بين "بوست دراما" و"ما بعد البنية"، تحوَّل المسرحي العربي إلى ناسكٍ مهووس بتقليد طقوس لا يعرف أصلها، كمن يحاول إقامة قداسٍ بدون مذبح.
أما الأكاديميات، فهي معابد تُقدّس الكتب أكثر من النص الحيّ، وتُدرّس الأصنام بدلاً من تحطيمها. لا فرويد، لا ماركس، لا لاكان، فقط شبحهم، يمشي بين قاعات الدرس ويضحك ساخرًا من هذا الاستدعاء المتأخر لأرواحٍ لن تستجيب.
وفي مجتمع لم يخض معاركه الفكرية، تُصبح هذه الموضات استيرادًا للخلاص، كما تُستورد الحبوب المهدئة من بلاد لا تعاني من الأرق ذاته. هكذا، يتحول المسرح إلى خيال علمي كُتب على هامش العدم، نصٌّ بلا ذاكرة، تمثيل بلا نبض، وكأن الممثل يصرخ داخل بئر لا صدى لها.
هذا هو الاستلاب بعينه، لا بصفته فشلاً في التمثيل، بل كفقدان للبوصلة في متاهة اللغة، كأن يكون ديونيزوس قد دخل مسرحنا متأخراً جداً، ليجده قد تحول إلى قاعة عرض أزياء.
#ميشيل_الرائي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟