أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ميشيل الرائي - سيرة أدونيس تمثال من دخان، أو كيف تُصنع أسطورة من ورق الجرائد.














المزيد.....

سيرة أدونيس تمثال من دخان، أو كيف تُصنع أسطورة من ورق الجرائد.


ميشيل الرائي

الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 22:37
المحور: قضايا ثقافية
    


من هو أدونيس؟ شاعر أُلبِس قناع النبوّة بمباركة المحافل الغربية، بينما كان يرتّب نصوصه على طريقة الموظف الثقافي المجتهد. بدأ حياته باسمٍ عادي: علي أحمد سعيد إسبر، لكنه اكتشف أن "عليًّا" لا يُترجم إلى لغات المؤسسات، فخلع الاسم كما تُخلع القرى المهزومة، وارتدى اسم "أدونيس"، ذلك الإله الفينيقي القتيل، ظنًّا منه أن الأسطورة تُشترى بالتحايل اللغوي. سيرته الذاتية منسوجة بخيوط التناقض: يفاخر بمعارضة الأنظمة بينما كان ضيفًا دائمًا على موائدها، يلعن التراث وهو يقتات على مجازاته، يزعم الحداثة بينما يكتب قصيدة عمودية متنكرة في ثياب سريالية. لم يكن أدونيس يومًا ثائرًا على شيء، بل ثائرًا في الصحف فقط، على طريقة الأرستقراط الثقافي الذي يتقن الخطابة أكثر من الحرق.

مشروعه الفكري نسخة مغشوشة من جاك دريدا، مغموسة في حساء صوفي، يقتبس من الهرمسية ومن ابن عربي، لكنه يعجز عن إنتاج جملة واضحة واحدة دون أن يستند إلى سلطة ميتة. كل ما فعله هو تجميع فوضى معرفية وتسويقها على أنها تفكيك، بينما هي في الحقيقة هروب من أي موقف واضح، من أي التزام، من أي خطر. وأما عن الثورة الشعرية التي يتحدث عنها، فهي مثل طقوس العرافين: دخان كثير ولا نار، كلمات كبيرة ولا أثر حقيقي. شعره مليء بالصور المعلّبة التي تُنتجها ماكينة اللاوعي المُتعِبة، لكنه بلا قلب، بلا رائحة، بلا ضربة حقيقية تجعل اللغة ترتجف. إنه الحداثي الذي قتل الشعر وهو يظن أنه ينقذه.

إن سيرة أدونيس كما تُقدَّم في الأوساط الثقافية لا تختلف كثيرًا عن سيرة زعيم وهمي في رواية ديستوبية: تمجيد مستمر لا يجرؤ أحد على مساءلته، لكن ما أن تضع المجهر على نصوصه حتى تبدأ الأسئلة: لماذا كل هذا الضجيج؟ من الذي نصّبه نبيًّا؟ وهل حقًا كتب ما لم يُكتب، أم أنه أعاد كتابة ما طُمِرَ، لكن بلغة متذاكية فقط؟ هل كان أدونيس يكتب ليُفهم؟ لا، بل ليُبجَّل. إنه لا يستخدم اللغة لتقول، بل لتُخفي القول، واللغة عنده ليست وسيلة تواصل، بل أداة طقسية كما عند الكهنة. إن قصيدته – إذا قرأتها بسيميولوجيا حيادية – لا تدل على شيء إلا على رغبتها في أن تُقرأ كشيء ذي دلالة. وهذا هو التناقض الأول: المعنى عنده ليس غائبًا فقط، بل مستحيل. إنه يُراوغ لا لأنه يخاف الحقيقة، بل لأنه لا يؤمن بوجودها. وكما قال أحد النُسّاك في العصور الوسطى: "الذين يتكلمون كثيرًا عن الأسرار، هم غالبًا مَن لا يملكونها".

أدونيس صُنع في المختبرات لا في الميادين. تم انتقاؤه بعناية من قبل المؤسسات التي تُجيد اختيار الشرقيّ القابل للتأويل: ليس متطرّفًا، ليس ممانعًا جدًا، ليس مطواعًا بالكامل. لقد حُبك له سرد غربيّ أنيق: شاعر ثوري، ضد التراث، يكتب بلغة ضبابية تُرضي الذوق الفرنسي، ويقتبس من تراث لا يُقلق الرقيب. هل تذكرون "أويلر" في اسم الوردة؟ العالم الذي يخترع رموزًا فارغة لتبدو كأنها خزائن لأسرار؟ أدونيس مثله تمامًا: رجل بنى لنفسه مكتبة من المراجع دون أن يسأل مرة واحدة: من يخاطب؟ ولماذا؟

أدونيس يقول إنه جاء ليُنقذ الشعر من موته. لكن بأي أدوات؟ هل أنقذ الشعر عبر توسيع مجاله الإيقاعي؟ لا. هل بفتح اللغة على اليومي؟ لا. بل فعله أشبه بما يفعله طبيب شرعي لا شاعر: جرَّد القصيدة من جسدها، وراح يفككها في مشرحة البلاغة حتى لم يبقَ فيها دم ولا روح. الشعر عنده ليس ضربًا من الدهشة، بل تمارين ذهنية لشاعر يكتب كما يُعدّ موظف إيطالي أرشيفًا حكوميًا عن الحب. لم يفهم الحداثة كقلق جوهري، بل كموضة كتابية. سيميائيًا، الحداثة ليست لباسًا بل موقف. لكنها عنده أصبحت مجرد بنية بلاغية تُقنَّع بآيات من ابن عربي، وسطور من نيتشه، وركام من الصور الجمالية التي تُبهر ولا تلدغ.

إن أدونيس يشبه الكاتدرائية الزائفة: مهيبة، مزخرفة، لكنها لا تُفتح يوم الأحد، لأن لا أحد يصلي فيها. وبوصفي محققًا في محكمة العلامات، لا أحاكم أدونيس كشاعر، بل كنص جماعي. أدونيس هو علامة على ما أرادت الثقافة العربية تصديقه، لا ما كان موجودًا فعليًا. هو نبي اخترعه جمهور أراد نبوءة لا تزعج، وحداثة لا تُسائل، وتمردًا بلا مخاطرة. ولو أردنا حكمًا ختاميًا على طريقة محاكم القرون الوسطى، لقلنا: لقد ثبت أن أدونيس ليس شاعرًا بالمعنى الإغريقي، ولا متصوفًا بالمعنى الفارسي، ولا حداثيًا بالمعنى الأوروبي، بل هو نسق دلالي مشوَّه، يُكرّر نفسه عبر قرّاء لا يسألون، ونقّاد لا يقرأون. وعليه، فإننا نحكم عليه بأن يُقرأ – من الآن فصاعدًا – لا لما يقول، بل لما يُخفي، وأن يُعاد إلى رف الرموز المعطوبة، حيث يقيم أولئك الذين ظنّوا أن الشعر هو ما يُكتب لا ما يُفجَّر.



#ميشيل_الرائي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرواقية
- العُري السماوي
- حاشية ثانية على جزيرة اليوم السابق
- الجسد المؤنث كفضاء للسلطة والمقاومة: في تشكيل الهوية الجنسية ...
- بيان مسرحي
- نظام الوحدات وتشكيل السلطة: في هندسة المسرح الكلاسيكي
- في عيون الأرنب الشمسي ويبدأ القارئ بالصراخ
- شذرات من مسرح لا أتذكّر اسمه
- طفل الخشبة /شذرات ضد الأب-المعلّم
- عَتَبة اللّامفاتيح: مُحرِّكُ الأصواتِ اليتيمةِ في هندسةِ الت ...
- الفراغُ يعشقُ الخُلد الأعمى
- القرد الأخير يحاول فهم نزيف ساعةٍ وظله يُعلق ذاته بحبل من أس ...
- تشريح الدرس الأكاديمي
- دليلُ الماعزِ الأعمى إلى علاماتِ الترقيمِ المقدّسةِ
- الركح في متاهة المرايا: عن استيهام الموضة وتيه الهوية في الم ...
- مستدركات على نص تكوينات
- الحاشية الثانية على نص تكوينات
- بيان تأويلي ضد المسرح، أو في امتناع العرض كحدث
- تكوينات / نص مسرحي
- المسرح بوصفه جهازًا أركيولوجيا التمثيل والمراقبة


المزيد.....




- هل تُحجب منصة إكس في فرنسا بسبب المحتوى الإباحي؟
- كيف حصلت إيران على الوثائق الحساسة لمنشآت إسرائيل النووية؟
- برا ،بحرا وجوا: تضامن وصمود في مواجهة الإبادة والحصار والتطب ...
- ماكرون: الحصار المفروض على دخول المساعدات إلى غزة -فاضح-
- بناء الأهرامات.. الذكاء الاصطناعي ينتقد حواس وعالم يوضح
- غروسي: ما فعلته إيران -خطوة سيئة-
- فيديو.. إصابة مراسلة في بث مباشر لاحتجاجات لوس أنجلوس
- بسبب -أحداث لوس أنجلوس-.. حاكم كاليفورنيا يقاضي ترامب
- في ختام رحلة العمر.. الحجاج يؤدون طواف الوداع
- النوم أكثر من 9 ساعات يهدد دماغك وصحتك


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ميشيل الرائي - سيرة أدونيس تمثال من دخان، أو كيف تُصنع أسطورة من ورق الجرائد.