أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل الرائي - بيان مسرحي














المزيد.....

بيان مسرحي


ميشيل الرائي

الحوار المتمدن-العدد: 8359 - 2025 / 5 / 31 - 19:37
المحور: الادب والفن
    


ليست العودة إلى الدراما الأرسطية عودة إلى الأصل، بل إلى الجهاز: ليس "ما قيل" بل "ما جعل القول ممكنًا". إنّنا لا نقف أمام مأساة، بل أمام آلة إنتاج قابلة للتكرار، تقوم بترميز الأثر، وتوزيع الرغبة، وتشكيل المعنى ضمن هندسة تمثيلية مغلقة.

الدراما الأرسطية؟ ليست حكاية، بل تشفير للحدث. ليست قَصًّا، بل مخطط استيطان للزمن. البطل المأساوي؟ ليس شخصًا بل نقطة تلاقي بين قوى، كثافة في خارطة دلالية تُنتج "الأهمية" كسلطة. لا يموت لأنه يخطئ، بل لأن الآلة تتطلب لحظة اختناق لتعيد إنتاج المعنى.

الحدث، إذًا، ليس فعلاً، بل اختراع غياب. المشهد ليس ظهورًا بل تحت-رؤية (sous-vision)، التمثيل لا يقدّم العالم، بل يطويه عبر مفاصل الزمان-مكان-هوية.

الحبكة؟ إنها آلة سببية تعمل بمبدأ إغلاق الفعل. كل أثر يُبنى بوصفه أثرًا لشيء "سبق"، لكن هذا "السبق" لا وجود له إلا كافتراض. هنا يظهر ما نسميه الزمن الكريستالي: لا ماضٍ ولا حاضر، بل تموجات في سطح الحدث.

من هذه الزاوية، لا يُمكن أن نواصل الكتابة من داخل نص أرسطي، إلا عبر شقّه لا تمزيقه، حفر تجاويف داخل بنيته الصلبة، واختراقه لا بتفكيكه بل بتركيبه مع غيره، تركيبًا هجينًا، تعدديًا، غير قابِل للتطهير ولا الخلاص.

كل مأساة، إذًا، هي جسد-نص مركّب، جسد بلا أعضاء، يُنتج إيقاعه الخاص، لا ليُقرأ بل ليُحسّ. نحن لا نقرأ البطل، بل نخترق طبقاته. لا نحلّل الفعل، بل نحرّك الخطوط الخارجة عن الحبكة، ما يسميه دولوز بـ الخطوط الهاربة.

ولذا، فالمسرح ليس مكانًا لتجميع المعاني، بل مختبر للانفلات التأويلي. جهاز التأويل الأرسطي ينهار حين نتوقّف عن السؤال: "ما الذي يعنيه هذا؟"، ونسأل بدلًا من ذلك: "أي قوى تعبر هنا؟ أي رغبات تُقطع أو تُعاد توجيهها؟"

المأساة ليست سقوطًا، بل تكرارًا مفارقًا. ليست نهاية، بل تكوينًا مستمرًا للفرق. ليست حبكة بل سطح كثافة. وكل نص يُحكم إغلاقه، يخفي تحته ارتجافًا، ذبذبة، احتمال شقّ.

هكذا، لا تطهير. لا كاتارسيز. لا معنى أخير. بل: فقط آلة. فقط رغبة. فقط هروب. فقط أثر.
هامش
❝إنّ ما يُعرض في المأساة ليس هو الحدث، بل هو حدود المسموح برؤيته. ما يُعرض هو إنتاج خاضع لسلطة معرفية؛ المسرح ليس خشبة بل ساحة مراقبة. لم يكن أوديب مذنبًا، بل قابلاً للمعرفة؛ لذلك وجب أن يُعرّف. ليس البطل من يسقط، بل الجسد الذي يُراد له أن يُشفّر بالسقوط.

إنّ جهاز الحبكة ليس مجرد تقنية، بل نسق انضباطي يُنتج الفاعل الأخلاقي بوصفه خاضعًا للتمثيل. الطهارة؟ ليست تطهيرًا، بل إعادة إدخال الرغبة ضمن الاقتصاد الرمزي للسلطة. وما يُسمّى بـ"الحدث المأساوي" هو مجرد غطاء لغوي يُخفي أثر العقاب الرمزي.

إنّ ما يجب فضحه ليس الخطأ بل آلية تصنيف الفعل كخطأ، وما يجب تحطيمه ليس البنية بل نظام الرؤية نفسه: كيف نرى؟ من يُرى؟

هنا، لا يعود المسرح فنًّا بل تكنولوجيا للتمثيل السياسي، حيث تُراقَب الرغبة، ويُوزّع الخيال ضمن شبكات السلطة والمعرفة.

تذكّر: ليس المهم ما يُقال، بل من يمكنه القول، وليس ما يُمثَّل، بل ما تم استبعاده كي يُمثَّل.

المسرح، إذًا، ليس نصًا، بل أرشيف قمعيّ يُعاد إنتاجه عبر الرؤية والتأويل والتصفيق.❞



#ميشيل_الرائي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظام الوحدات وتشكيل السلطة: في هندسة المسرح الكلاسيكي
- في عيون الأرنب الشمسي ويبدأ القارئ بالصراخ
- شذرات من مسرح لا أتذكّر اسمه
- طفل الخشبة /شذرات ضد الأب-المعلّم
- عَتَبة اللّامفاتيح: مُحرِّكُ الأصواتِ اليتيمةِ في هندسةِ الت ...
- الفراغُ يعشقُ الخُلد الأعمى
- القرد الأخير يحاول فهم نزيف ساعةٍ وظله يُعلق ذاته بحبل من أس ...
- تشريح الدرس الأكاديمي
- دليلُ الماعزِ الأعمى إلى علاماتِ الترقيمِ المقدّسةِ
- الركح في متاهة المرايا: عن استيهام الموضة وتيه الهوية في الم ...
- مستدركات على نص تكوينات
- الحاشية الثانية على نص تكوينات
- بيان تأويلي ضد المسرح، أو في امتناع العرض كحدث
- تكوينات / نص مسرحي
- المسرح بوصفه جهازًا أركيولوجيا التمثيل والمراقبة
- بيان تنظيري خراب المعنى في المسرح المعاصر
- بيانٌ حول تأجيل المعنى في المسرح الحديث
- -الكتابة كهرطقة تأويليّة: في تمارين العبور بين اللغة والخراب ...
- ضدّ العرض تفكيك المسرح كجهاز معرفي
- المسرح كحيّز للخراب الدلالي نحو عرض ينسى ذاته ليتذكّر جسده


المزيد.....




- نقيب المهن التمثيلية بمصر يطمئن محبي الفنان عادل إمام: الصور ...
- وكالة الأنباء السورية -تبدأ بث أخبارها باللغة العبرية-.. ما ...
- «سامسونج تقلب الموازين في 2025».. Galaxy S25 Edge بكاميرا جب ...
- ألبومات صيف 2025: نجوم الغناء العربي يعودون بقوة والمنافسة ت ...
- مصر.. فتح تحقيق بعد اكتشاف محاولة تنقيب عن الآثار خلال زيارة ...
- الحِكمة والحُكم أو كيف تنعكس المزايا العقلية والثقافية على ت ...
- الإعلان عن الفائزين بجائزة سلطان العويس في دورتها الـ 19
- مدير متحف في برلين يحذر من صراع ثقافي عالمي تقوده واشنطن
- حين ظهرت مكة والمدينة في خريطة أميركا.. قراءة في التسمية وال ...
- المستعرب الإسباني خوسيه بويرتا: غرناطة مركز التراث الأندلسي ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل الرائي - بيان مسرحي