أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بن سالم الوكيلي - الكبش الذي نجا من السكين: مرثية القيم في زمن الأضاحي المزيفة














المزيد.....

الكبش الذي نجا من السكين: مرثية القيم في زمن الأضاحي المزيفة


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 06:02
المحور: الادب والفن
    


في صباح خجول من صباحات العيد، بزغت الشمس من خلف الغيوم، كما لو أنها تخشى أن تكشف عن وجه المدينة العاري من الفرح. الضوء لم يكن ساطعا، بل مترددا، كأنه يبحث عن مبرر للنزول على مدينة فقدت يقينها. الأحياء القديمة، التي كانت ذات زمن تتمايل بالزغاريد والضحكات، باتت تكتفي بصمت كثيف، يشبه خشوعا من نوع آخر، لكن بلا طمأنينة.

في زاويةٍ من المدينة، جلس رجل عادي، لا يشبه أبطال القصص، لا يحمل سيفا، ولا يطالب بثورة. كل ما أراده أن يحتفل بالعيد دون أن يخون ذاته. اشترى كبشا صغيرا، قبل يومين من المناسبة، امتثالا لقرار سلطوي يحث على تقليص مظاهر العيد حفاظا على "القطيع الوطني". بدا القرار في ظاهره حكيما، لكنه في أعماقه كان ثقيلا على الأرواح البسيطة التي لم يتبق لها من العيد سوى لحم تقاتل من أجله عاما كاملا.

بالنسبة له، لم يكن الكبش مجرد ذبيحة. لقد كان شيئا آخر تماما: أملا مؤجلا، طقوسا من الطفولة، ذكرى لوالد كان يشرح له معنى الأضحية ذات صيف قديم. الكبش كان يشبهه؛ هادئا، محكوما عليه بشيء لا يفهمه، ويمشي في فناء البيت كما لو أنه يدور في دائرة القدر.

وبينما الكبش يرعى أوراق الليمون المتساقطة، كانت أفكاره تتسلل نحو فوضى الخارج: الطماطم تباع كأنها ذهب، الخبز فقد وزنه ومعناه، والماء يأتي بطعم الطاعة. كل شيء صار يحمل نكهة سياسية. حتى الخضار.

رغم كل ذلك، ظل في صدره شيء صغير، ربما غباء، وربما إيمان، يخبره أن الأمور قد تتغير، وأن الصدق لا يقتل بسهولة.

في صباح العيد، وقبيل أن يرفع السكين، جاءه ما لم يتوقع. الدخان. تصاعد في السماء بخطوط سوداء، متشابكة، كأنها تكتب كلمات محرمة. لم يكن دخانا من بيوت الفقراء، بل من نوافذ الفلل العالية، تلك التي تصدر الأوامر من جهة، وتخرقها من جهة أخرى. رجال السلطة الذين طالبوا الناس بالصبر والامتناع، كانوا أول من أشعلوا الفحم، وأخفوا أضحيتهم خلف جدران سميكة.

بقي الرجل جامدا. السكين في يده، الكبش أمامه، لكن شيئا في داخله انكسر. لم يكن انكسارا بسيطا، بل انكشافا مريرا. رأى في دخان الشواء مرآة للنفاق العام. شعر أن ما يطلب منه ذبحه ليس مجرد كبش، بل ضميره. وكأنه يستدرج ليشارك في طقس جماعي من الزيف.

في لحظة فارقة، وضع السكين جانبا. قرر أن يحتفظ بكبشه. لا بدافع الشفقة، ولا من باب العصيان، بل من إيمان دفين أن التضحية الحقيقية ليست في سفك الدم، بل في القدرة على قول "لا" حين يطلب منك أن تصمت.

جلس بقرب الكبش، ولم يكن يبكي. كان يتأمل. الكبش صار رمزا، شاهدا على أن القيم يمكن أن تنجى أحيانا، إن آمن بها أحدهم بما يكفي. في ذلك الصباح، لم يذبح الكبش. لكن شيئا آخر قدم قربانا: صمته، ورفضه، وتمسكه بحقيقة داخلية لم تعد مرئية في الشوارع.

وعند المغيب، حين كانت المدينة تطفئ أنوار الزينة وتعود إلى همها اليومي، رفع الرجل رأسه نحو السماء. لم يكن ينتظر معجزة، فقط تمنى: أن يأتي زمن لا نذبح فيه الضمير على موائد الزيف، وأن يعود العيد عيدا، لا مناسبة نغتسل فيها من قذارة الأيام بالماء فقط، بل بالصدق أيضا.



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قلب مطفأ داخل آلة
- دوار الكرامة... لا ماء يباع، ولا صمت يشترى
- -كرمة بن سالم... حين تصلي الأرض ويرق قلب السماء-
- قلب على الموج: ملحمة مادلين
- لحم الحقيقة
- -علينا ان نتخيله سعيدا-
- -وادي الأوهام.. حين غنى الأمل في وجه الخديعة-
- -مرآة في زمن العمى-
- في زمن الغبار، كان إنسانا
- 🌿 -غرسة في التراب الغريب- 🌿
- -ثلاثة رجال ونبض الأرض-
- **-غزية: المرأة التي كسرت صمت العالم-**
- صدى الضمير
- حين ينتقد الجمل سنام أخيه: عبثية المشهد السياسي في مسرح الجن ...
- -مملكة السياسة الوراثية: حين تصبح الحكومة مجلس عائلات… وأحيا ...
- حين تحج الشهيرات للقبول ويحاكم الحكواتي باسم الأمن الروحي!-
- حين يجلس وزير العدل في وجه وزير العدل: كوميديا تارودانت القض ...
- عزيز أخنوش في العيون: حين تتحول الزعامة إلى -سيتكوم سياسي- ع ...
- -مرحبا بالمتسولين في الشرق الأوسط: صدقة أم جزية؟-
- -التعليم العالي جدا... في الانحدار -!


المزيد.....




- ضربة معلم من هواوي Huawei Pura 80 Pro.. موبايل أنيق بكاميرات ...
- السينما لا تموت.. توم كروز يُنقذ الشاشة الكبيرة في ثامن أجزا ...
- الرِّوائي الجزائري -واسيني الأعرج-: لا أفكر في جائزة نوبل لأ ...
- أحمد السقا يتحدث عن طلاقه وموقفه -الغريب- عند دفن سليمان عيد ...
- احتفال في الأوبرا المصرية بالعيد الوطني لروسيا بحضور حكومي ك ...
- -اللقاء القاتل-.. وثيقة تاريخية تكشف التوتّر بين حافظ الأسد ...
- هنا رابط الاستعلام عن نتيجة مسابقة تعيين 20 ألف معلم مساعد ا ...
- فيلم -مجموعة العشرين-.. أول رئيسة أميركية تواجه تحديات صعبة ...
- راشد عيسى: الشعر رسالة جمالية تنتصر للفكر الإبداعي وتتساءل ع ...
- بوتين: روسيا تفتخر بتنظيم مسابقة -إنترفيجن 2025-


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بن سالم الوكيلي - الكبش الذي نجا من السكين: مرثية القيم في زمن الأضاحي المزيفة