أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بن سالم الوكيلي - -كرمة بن سالم... حين تصلي الأرض ويرق قلب السماء-














المزيد.....

-كرمة بن سالم... حين تصلي الأرض ويرق قلب السماء-


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 22:28
المحور: الادب والفن
    


في سفوح الجبال التي تعانق الغيم، وفي حضن الطبيعة التي تنبض بالسكينة، تقع قرية كرمة بن سالم، لا كموضع جغرافي فحسب، بل كحكاية محفورة في ذاكرة الأرض وقلوب أبنائها. هناك، حيث يتداخل صوت الآذان مع هدير الريح، وحيث تتعلم الأشجار الصبر من جبال الريف، عرفت طفولتي الأولى، وعشت زمنا كان فيه الإنسان أكثر صفاء، والأرض أكثر قربا من السماء.

لم تكن قريتنا تعرف السياسة، ولا صخب المدن. كانت الزعامة فيها تنبع من نفوس نذرت نفسها للعطاء، من رجال طاعنين في الحكمة، عادلين بفطرتهم، أقوياء بأخلاقهم. لا حاجة فيها لمجالس أو أحزاب؛ فالحق كان يعرف من وجه صاحبه، والعدل كان يقال بصوت هادئ بين ظل زيتونة وركن موقد.

في كرمة بن سالم، كانت المطالب تقضى بلا صراخ، وكان الناس يتنادون كأهل بيت واحد. تلك الزعامة الطبيعية، التي لا تنتخب بل تولد مع النبل، كانت تسري في دماء رجالها كما تسري البركة في عروق الزيتون. وليس صدفة أن يكون أهلها من نسل النبي العدنان، محمد، صلى الله عليه وسلم. كانوا شرفاء النسب، لكنهم أكرموا الشرف بالفعل لا بالحسب، حفظوا الرسالة في أخلاقهم، وفي تواضعهم الذي لم يكن يضعهم تحت أحد، بل يرفعهم فوق كل دناءة.

وكنا، نحن الأطفال، نلهو بين أقدام الكبار، نركض في الحقول غير عابئين بشيء سوى اللعب، حتى تأتي تلك الأيام التي تأبى فيها السماء أن تمطر، وتبدأ الأرض بالأنين. حينها، كنا نشهد لحظة من أجمل تجليات الإيمان الإنساني.

في موسم شتاء عاقر، حين بخلت السماء على الأرض، وبدأ القلق يزحف إلى عيون الفلاحين، اجتمعت القرية كما تفعل دائما في لحظات الحاجة الكبرى. خرجنا في صبيحة باردة، أطفالا ونساء وشيوخا، إلى "كركورة" – تلك البقعة الطاهرة التي كانت تعد مصلى مفتوحا، ومحرابا تحت السماء. لبسنا جلابيبنا بالمقلوب كما جرت العادة، علنا نقلب أحوال السماء كما نقلب الثياب. تردد دعاء واحد في الأرجاء:
"يا مولاي، ترحمنا..."

كان الدعاء يمشي على الأرض مثل نسيم خفيف، يخترق الأرواح ويبعث الرجاء. وفجأة، تغير لون الغيم، وبدأت السماء تبكي. لا... لم يكن مطرا فحسب، بل استجابة. كانت الأرض تصلي معنا، وكانت السماء تستجيب.

بعد أيام، كانت الحياة قد عادت إلى دورتها المباركة. وقفت، وأنا الطفل الصغير، قرب معصرة الزيتون القديمة، أراقب كيف تسحق الحبات في صمت، لتولد منها قطرات ذهبية، تلمع في الضوء كأحلام الفلاحين. "بضعة أكياس فقط"، هكذا قالوا، لكن البركة كانت فوق الحساب، كانت وعدا من الله أن الإخلاص لا يرد خائبا.

تعلمت هناك أن الغيث لا يقاس فقط بالمطر، بل بالنية التي تسكن القلب حين يرفع الدعاء. تعلمت أن الكرامة تنمو كما تنمو الأشجار، من جذور طيبة، وأن البركة لا تأتي من فوق فقط، بل تخرج من الأرض حين نحبها بصدق.

ولليوم، كلما ضاق صدري، أعود في ذاكرتي إلى كرمة بن سالم. أعود إلى تلك الظهيرة، إلى ذلك المطر، إلى دعاء أمي، إلى معصرة الزيتون، إلى ضحكة جدي، إلى طهارة زمن لم يكن فيه شيء أعظم من قلب صاف يطلب... وسماء ترق.



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قلب على الموج: ملحمة مادلين
- لحم الحقيقة
- -علينا ان نتخيله سعيدا-
- -وادي الأوهام.. حين غنى الأمل في وجه الخديعة-
- -مرآة في زمن العمى-
- في زمن الغبار، كان إنسانا
- 🌿 -غرسة في التراب الغريب- 🌿
- -ثلاثة رجال ونبض الأرض-
- **-غزية: المرأة التي كسرت صمت العالم-**
- صدى الضمير
- حين ينتقد الجمل سنام أخيه: عبثية المشهد السياسي في مسرح الجن ...
- -مملكة السياسة الوراثية: حين تصبح الحكومة مجلس عائلات… وأحيا ...
- حين تحج الشهيرات للقبول ويحاكم الحكواتي باسم الأمن الروحي!-
- حين يجلس وزير العدل في وجه وزير العدل: كوميديا تارودانت القض ...
- عزيز أخنوش في العيون: حين تتحول الزعامة إلى -سيتكوم سياسي- ع ...
- -مرحبا بالمتسولين في الشرق الأوسط: صدقة أم جزية؟-
- -التعليم العالي جدا... في الانحدار -!
- ترامب في الشرق الأوسط: أربعة تريليونات دولار وقصر يطير
- بوتين يمد السجادة الحمراء للعرب: قمة أم رقصة دبلوماسية؟
- بدون فلتر*** من مائدة مكناس إلى كرسي الحكومة: عزيز أخنوش... ...


المزيد.....




- براءة متوحشة أو -أفيون الكرادلة- لمحمد الحباشة
- مصر.. فيلم ضي يتناول مرض -الألبينو- بمشاركة محمد منير
- أولريكة الخميس: الفنون الإسلامية جسر للتفاهم في متحف الآغا خ ...
- من -الغريب- إلى الشاشة.. الرواية بين النص والصورة
- محمد خسّاني.. رقصة الممثل الجزائري في كليب الرابور المغربي د ...
- صناع فيلم -صوت هند رجب- يتحدثون لبي بي سي بعد الإشادة العالم ...
- فيلم عن مقتل الطفلة هند رجب في غزة يلقى تصفيقاً حاراً استمر ...
- الممثلة الفرنسية أديل هاينل تنضم إلى أسطول الصمود المتجه لقط ...
- الرواية الأولى وغواية الحكي.. وودي آلن يروى سيرته ولا يعترف ...
- لوحة رامبرانت الشهيرة.. حين باتت -دورية الليل- ليلة في العرا ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بن سالم الوكيلي - -كرمة بن سالم... حين تصلي الأرض ويرق قلب السماء-