أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بن سالم الوكيلي - قلب على الموج: ملحمة مادلين














المزيد.....

قلب على الموج: ملحمة مادلين


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 16:43
المحور: الادب والفن
    


في عمق الزرقة المترامية، حيث تتماهى السماء في البحر، ويغدو الأفق قصيدة لا تنتهي، أبحرت مادلين، تلك السفينة الصغيرة، كأنها قلب نابض بالحلم، يشق طريقه في محيط لا يعرف السكون.

لم تكن مجرد قطعة خشبية تمخر عباب الماء؛ بل كانت نشيدا إنسانيا يسير على صفحة البحر، تحمل في جوفها رسالة من لحم ودم، من وجوه أنهكها الألم، لكنها لم تفقد البوصلة.

اثنا عشر ناشطا، لا سلاح في أيديهم إلا الإيمان، ولا وقود لسفينتهم إلا نبض العدالة. أبحروا بها نحو غزة، محملين بمعونات إنسانية، لكن الأهم من ذلك، كانوا يحملون روحا لا تقهر، وأملا لا يضيع.

كانوا كنجوم تلمع في عتمة الضمير العالمي. لكل واحد منهم قصة، ولكل قصة دعاء لا يسمعه إلا من فتح قلبه للإنسانية. لم يكونوا سياسيين ولا محاربين، بل شهودا على عصر أراد أن يصم أذنه عن معاناة المحاصرين.

تحدثت إليهم الأمواج، كما تحدث الأم لأبنائها قبل النوم، تخبرهم عن أسرار البحر، عن السفن التي مضت، وعن الأرواح التي لا تزال تنتظر. وكانت الرياح، وهي تعصف بسفينتهم الصغيرة، تختبر ما إذا كانت قلوبهم أصلب من العواصف.

لم يكونوا واهمين، كانوا يدركون أن ما يفعلونه ليس نزهة ولا مغامرة، بل تضحية، وربما شهادة. لكنهم آمنوا أن كل ميل تقطعه "مادلين" هو خطوة نحو كسر الحصار، ونحو كشف الحقيقة للعالم.

في الليالي، وتحت ضوء القمر، كانوا يجلسون على سطح السفينة، يتبادلون القصص والضحكات، يرسمون بأعينهم صورا لأطفال ينتظرون الدواء، ولأمهات يفتقدن الأمان، ولآباء يعبرون الألم كي يصنعوا مستقبلا آخر.

كل حديث كان صلاة، وكل نظرة كانت شمعة مضيئة في ظلام كثيف.

مادلين كانت تبحر كل يوم إلى الأمام، لا تلتفت إلى الوراء، تقودها البوصلة الأخلاقية لا الإحداثيات. كانت تعرف أن رحلتها هذه ليست مجرد عبور للمياه، بل عبور للضمير البشري من الصمت إلى الشهادة.

وفي صباح مشرق، حين لاحت سواحل غزة في الأفق، ارتفعت الأعلام، ورفرفت الطيور، كأن البحر نفسه احتفل بقدومها.

نزل النشطاء من على ظهر السفينة، والدمع في أعينهم، لكن ليس من الخوف، بل من الفخر. لقد وصلوا، لا إلى غزة فحسب، بل إلى قلب الإنسان في كل مكان.

وهناك، على رصيف الانتظار، وسط الزغاريد والدموع والوجوه التي اشتاقت إلى الفرح، وقف أحدهم، ناظرا إلى السفينة التي صنعت هذا الفرق، وقال بصوت ممتزج بالامتنان:

"نحبك يا مادلين... لأنك علمتنا كيف يصنع الأمل من الخشب، وكيف تبحر القلوب إذا ما قادها الضمير."

هكذا، دخلت مادلين التاريخ لا كوسيلة نقل، بل كرمز، كقصيدة كتبت بالموج والعرق، كدرس لا ينسى في الشجاعة.

غدت مرآة نرى فيها أنفسنا: من نكون، وما الذي يمكن أن نصبح عليه حين نسمح للإنسانية أن تقود خطانا.

مادلين لم تبحر إلى غزة فقط.

لقد أبحرت إلى قلوبنا جميعا، إلى ذلك المكان العميق فينا، حيث يولد الإيمان من رحم الألم، وحيث يصبح الأمل، رغم كل شيء، هو المعجزة الأجمل.



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحم الحقيقة
- -علينا ان نتخيله سعيدا-
- -وادي الأوهام.. حين غنى الأمل في وجه الخديعة-
- -مرآة في زمن العمى-
- في زمن الغبار، كان إنسانا
- 🌿 -غرسة في التراب الغريب- 🌿
- -ثلاثة رجال ونبض الأرض-
- **-غزية: المرأة التي كسرت صمت العالم-**
- صدى الضمير
- حين ينتقد الجمل سنام أخيه: عبثية المشهد السياسي في مسرح الجن ...
- -مملكة السياسة الوراثية: حين تصبح الحكومة مجلس عائلات… وأحيا ...
- حين تحج الشهيرات للقبول ويحاكم الحكواتي باسم الأمن الروحي!-
- حين يجلس وزير العدل في وجه وزير العدل: كوميديا تارودانت القض ...
- عزيز أخنوش في العيون: حين تتحول الزعامة إلى -سيتكوم سياسي- ع ...
- -مرحبا بالمتسولين في الشرق الأوسط: صدقة أم جزية؟-
- -التعليم العالي جدا... في الانحدار -!
- ترامب في الشرق الأوسط: أربعة تريليونات دولار وقصر يطير
- بوتين يمد السجادة الحمراء للعرب: قمة أم رقصة دبلوماسية؟
- بدون فلتر*** من مائدة مكناس إلى كرسي الحكومة: عزيز أخنوش... ...
- سوق السلام الكبير: كيف تحولت الاتفاقيات الإبراهيمية إلى صفقة ...


المزيد.....




- التهويدة.. ما سرّ تأثير هذا النوع من الغناء على الرضيع؟
- الطّاهريّ يناقش أطروحته عن أعشقني لسناء الشّعلان بعد ترجمتها ...
- تابع حلقات المؤسس عثمان.. تردد قناة الفجر الجزائرية 2025 لمت ...
- توضيح بشأن قرار العباءة الزينبية: جزء من الفلكلور
- -عمّان بلغتين- فعالية فنية وأدبية توثق المدينة بعدستها وصوته ...
- مجموعة أدبية نادرة تضم مخطوطات أصلية لفرانز كافكا للبيع في ب ...
- كيف تحول الموسيقى والفن إلى علاج لتعزيز الصحة النفسية في الع ...
- موسكو تحتفي بالكاتب والمفكر سهيل فرح
- براعة مذهلة.. كيف يتقن الأطفال أدوارهم في السينما؟
- وفاة الفنانة الكبيرة سميحة أيوب تهز الوسط الفني.. وداع سيدة ...


المزيد.....

- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بن سالم الوكيلي - قلب على الموج: ملحمة مادلين