أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - حين ينتقد الجمل سنام أخيه: عبثية المشهد السياسي في مسرح الجنون العالمي














المزيد.....

حين ينتقد الجمل سنام أخيه: عبثية المشهد السياسي في مسرح الجنون العالمي


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 11:51
المحور: كتابات ساخرة
    


في عالم تتقاطع فيه الشعارات الجوفاء مع الوقائع الكارثية، بات من الصعب التمييز بين السياسي و"الكوميدي الارتجالي"، إذ أصبحت السياسة مسرحا عبثيا لا يكتفي بالهزل، بل يتقنه بإتقان مدهش. أحدث فصول هذا العرض الكوميدي ـ الذي لا يضحك ـ جاءنا من الولايات المتحدة، حيث خرج الرئيس الأميركي دونالد ترمب ليفاجئ العالم بتصريح ينتقد فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مدعيا أن "شيئا ما قد حدث لبوتين"، وأنه "أصبح مجنونا تماما".

ترمب، الذي لا يمكن اتهامه بالاتزان السياسي أو الخطابي، وضع نفسه – دون أن يرف له جفن – في موقع المحلل النفسي الدولي، مانحا بوتين شهادة بالجنون، وكأنه يحمل مفاتيح العاقل والمعيار المطلق للرشاد. هذا التصريح، بكل ما يحمله من استعلاء وسخرية، يفتح الباب أمام تأمل عميق في تناقضات الخطاب السياسي، خاصة حين يصدر عن شخص لا تزال تصريحاته المثيرة للجدل وتاريخه الحافل بالقرارات والانفعالات موضع تساؤل عالمي.

فهل نسي ترمب حقا ممارساته السياسية والإعلامية التي اتسمت، في كثير من الأحيان، بنزعة عدائية، ومواقف متقلبة، وقرارات مثيرة للذعر في الأوساط الدبلوماسية؟ أم أن الذاكرة السياسية قد أصبحت انتقائية إلى حد يسمح للذئب أن يعظ الذئب الآخر عن أصول الرأفة بالخراف؟ في هذا المشهد، يصبح الحق في النقد ترفا يمارس وفق المزاج، لا وفق المبدأ، وكأنما الكيل بمكيالين قد تحول من ظاهرة إلى قاعدة راسخة.

وفي غمرة هذا التهكم الموجه شرقا، يتجاهل ترمب، ومعه الكثيرون من الساسة الغربيين، ما يجري في غزة من دمار ومجازر متواصلة، وكأن الحياة الإنسانية هناك أقل قيمة، أو أن العدسات الأخلاقية لا تشتغل إلا حين يكون الخصم من معسكر الخصوم الجيوسياسيين. الغريب – أو المأساوي – أن المذابح الجارية في غزة لا تحرك في هؤلاء السياسيين نفس القدر من "الجنون التحليلي" الذي يصب على روسيا وبوتين. وهكذا، تتحول الإنسانية إلى بطاقة تستخدم حسب اللحظة السياسية، وتحجب حين تصبح محرجة.

لسنا بحاجة إلى تبرئة أحد هنا. لا بوتين ولا ترمب ولا غيرهما من كبار هذا العالم معفيون من المساءلة. ولكن المشهد يشي بأن اللعبة لم تعد أخلاقية بأي حال، بل أشبه ما تكون بسباق في الجنون، حيث يتبارى الجميع في منطق المفارقة والتناقض. فكل زعيم يتحدث عن الأخلاق والسيادة واحترام القانون الدولي، بينما سجله ملطخ بالأخطاء، بل أحيانا بالدماء.

من المدهش أن كثيرا من هؤلاء القادة يتبادلون أدوار البطولة في هذه المسرحية الفوضوية: تارة الضحية، وتارة المنقذ، وغالبا "الرشيد في مستشفى المجانين". وكل منهم يحمل سيف النقد ليضرب خصمه، بينما يخبئ تاريخه خلف ستار الإعلام أو ادعاءات السيادة. السياسة اليوم تبدو كأنها مسابقة صاخبة في التناقض، حيث لا يفوز الأكثر كفاءة، بل الأكثر قدرة على إقناع الجمهور بأنه المجنون الأقل خطرا.

إننا بإزاء مشهد عالمي سريالي، تتداخل فيه مفاهيم العقل واللاعقل، وتختزل فيه الكارثة إلى عنوان في نشرة أخبار، بينما تتحول القضايا الأخلاقية إلى شعارات انتخابية لا أكثر. وحين يقف الجمل لانتقاد سنام أخيه، نعلم يقينا أن العالم لم يعد يبحث عن العدالة، بل عن كوميديا سياسية لا نهاية لها، وإن كانت على حساب الحقيقة والدماء.

فهل يملك أحدهم الجرأة ليسأل: من هو العاقل حقا في هذا السيرك السياسي؟ أم أن الجنون أصبح العملة الوحيدة المقبولة في السوق العالمية للسلطة؟



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -مملكة السياسة الوراثية: حين تصبح الحكومة مجلس عائلات… وأحيا ...
- حين تحج الشهيرات للقبول ويحاكم الحكواتي باسم الأمن الروحي!-
- حين يجلس وزير العدل في وجه وزير العدل: كوميديا تارودانت القض ...
- عزيز أخنوش في العيون: حين تتحول الزعامة إلى -سيتكوم سياسي- ع ...
- -مرحبا بالمتسولين في الشرق الأوسط: صدقة أم جزية؟-
- -التعليم العالي جدا... في الانحدار -!
- ترامب في الشرق الأوسط: أربعة تريليونات دولار وقصر يطير
- بوتين يمد السجادة الحمراء للعرب: قمة أم رقصة دبلوماسية؟
- بدون فلتر*** من مائدة مكناس إلى كرسي الحكومة: عزيز أخنوش... ...
- سوق السلام الكبير: كيف تحولت الاتفاقيات الإبراهيمية إلى صفقة ...
- عزيز أخنوش وتداعيات سياساته: من شركات الغازوال إلى غلاء الأس ...
- الشر الرخيص: وصفة الفوضى الإنسانية
- -رشيد الطالبي العلمي: الأستاذ الذي يحاضر في الوطنية والسيادة ...
- -السلام في زمن الماديات: عندما يتحول حلم العالم إلى صفقة تجا ...
- -كأس إفريقيا: مهرجان الرفاهية الذي يمول بدموع الفقراء-
- -عندما يسوق العالم مجنون: الرئيس الأمريكي على دراجة بلا عجلا ...
- الإنسانية للبيع: قراءة ساخرة في ملف تبادل الأسرى
- حكومة الكراسي الفارغة: مشهد ساخر في زمن العزلة السياسية
- -سيرك الدماء: حين تتحول الحرب إلى عرض عبثي تصرخ فيه الأمهات-
- -النجم الشعبي: حين يصبح التحكيم أشبه بجلسة شاي في عرس شعبي-


المزيد.....




- راهبتان برازيليتان تحولان برنامجًا دينيًا إلى عرض موسيقي عفو ...
- براد بيت يكسر صمته بشأن إنهاء طلاقه من أنجلينا جولي
- وفاة الفنانة المغربية نعيمة بوحمالة عن 77 عاما بعد صراع مع ا ...
- فيلم -8 أكتوبر- يهاجم الاحتجاج ضد الإبادة دعما لأجندة يمينية ...
- هي ثاني أكثر اللغات انتشارا في فرنسا... ما هو واقع تعليم الل ...
- مصر.. مسؤول يحذر من خطورة -ثقافة التريند- على الأمن القومي
- راغب علامة يعلّق على زيارته للرئيس اللبناني
- من المؤثرة البريطانية نيكي ليلي التي استضافها مهرجان كان الس ...
- أسرار باريس | أشباح كواليس الأوبرا
- -التربية-: مدارسنا تحصد جوائز ومراكز متقدمة بمهرجان أفلام ال ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - حين ينتقد الجمل سنام أخيه: عبثية المشهد السياسي في مسرح الجنون العالمي