بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 19:21
المحور:
كتابات ساخرة
في عالم مثقل بالنزاعات والصراعات الممتدة، ظهرت الاتفاقيات الإبراهيمية كحدث مفاجئ في المشهد السياسي الإقليمي والدولي، وألبست ثوب "السلام التاريخي"، وروج لها كأنها بداية لعصر جديد من التفاهم والتعايش. لكن خلف هذا البريق الإعلامي، تتضح ملامح مشهد مختلف تماما، فيه السلام ليس أكثر من عرض تسويقي، تنقب فيه الدول عن مصالحها كما يتنقب المتسوقون عن التخفيضات الموسمية.
السلام الذي لطالما انتظرته شعوب المنطقة، ذلك السلام العادل العميق الذي يلامس الجذور ويعيد صياغة العلاقات على أسس إنسانية، وجد نفسه محاصرا داخل اتفاقيات تدار بمنطق "المكسب والخسارة". لم تعد القيم والمبادئ أساسا لصنع القرار، بل أصبحت المعادلات الاقتصادية والمكاسب الجيوسياسية هي اللغة السائدة. وكأننا نشهد سوقا مفتوحا عنوانه: "السلام متاح الآن... بشروط!"
لقد تحولت الاتفاقيات إلى منصة للإعلانات السياسية، يعرض فيها التفاهم كسلعة قابلة للتداول، يضاف إليها امتيازات مالية، وتعاون أمني، وشراكات اقتصادية. توقع الوثائق وترفع الصور، وتغنى الشعارات حول "فرص الازدهار"، بينما يتساءل الإنسان البسيط: "وماذا عني؟ هل هذا السلام سيمس حياتي؟ هل سيوقف القصف؟ هل يعيد الحقوق؟ هل يزرع الطمأنينة في أحياء الخوف؟"
المفارقة أن هذه الاتفاقيات لا تحظى بإجماع شعبي، بل على العكس، لاقت كثيرا من الجدل والرفض في الأوساط المجتمعية. فالشعوب تدرك أن السلام لا يمكن أن يكون حقيقيا إذا بني فوق ركام الظلم، وإذا تجاهل جوهر الصراع، وعلى رأسه القضية الفلسطينية التي لطالما كانت محور العدالة الغائبة. ما قيمة توقيع ورقة إذا لم تترجم إلى واقع ينهي الاحتلال ويعيد الحقوق لأصحابها؟
ما يحدث اليوم لا يشبه السلام الذي يتطلع إليه الناس، بل يشبه صفقة تجارية بواجهة براقة ومحتوى فارغ من الجوهر. سلام يستخدم كورقة انتخابية، وكأداة لتلميع الصور الخارجية، بينما المشهد الداخلي يبقى على حاله، مثقلا بالقلق، والإقصاء، وانعدام الثقة.
السلام الحقيقي لا يولد من الصفقات، ولا ينمو في الظلال، بل يحتاج إلى ضوء الحقيقة، إلى عدالة تنصف، وقلوب تفتح، وضمائر تتحرك. لا يصنع في الغرف المغلقة، بل في ساحات الصراحة، وبين الشعوب لا فوقها. إنه مشروع طويل الأمد، يتطلب إرادة صادقة، وتكلفة سياسية حقيقية، واستعدادا للاعتراف المتبادل.
وفي نهاية المطاف، تبقى الحقيقة الكبرى واضحة: السلام لا يشترى ولا يباع. لا يفرض ولا يجمّل. إنه حلم جماعي، يصاغ بالدموع أحيانا، لكنه لا يكتمل إلا حين ينبض بالعدالة. فإما أن نعيد للسلام معناه الإنساني العميق، أو نتركه يستهلك حتى يصبح مجرد شعار في سوق المصالح.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟