بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8350 - 2025 / 5 / 22 - 19:47
المحور:
كتابات ساخرة
في زمن باتت فيه السياسة شبيهة ببرنامج تلفزيوني طويل، دون فواصل إعلانية ولا نهاية للموسم، يستفيق المغاربة على فصول جديدة من كوميديا الواقع، حيث يجتمع المنصب مع نقيضه، والسلطة مع المحاسبة... في شخص واحد فقط: وزير العدل الذي، ويا للمفارقة، قد يُجبر على التحقيق مع نفسه بصفته رئيس بلدية تارودانت.
إنها لحظة استثنائية في تاريخ الديمقراطية المغربية – أو ما تبقى منها – حيث يتجسد مبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة" بشكل حرفي لدرجة أن المسؤول قد يربط نفسه بنفسه، وربما يطلب منها التماسا لتأجيل التحقيق.
دعونا نتصور المشهد:
يدخل معاليه مكتبه الأول بربطة عنق زرقاء: "بصفتي وزيرًا للعدل، سأفتح ملف الفساد في بلدية تارودانت".
ينتقل بعد استراحة قصيرة (ربما لتبديل السترة) إلى مكتبه الثاني بربطة حمراء: "بصفتي رئيس البلدية، أستنكر هذه الاتهامات المجانية التي لا تستند إلى أساس قانوني".
ثم يعود إلى المكتب الأول، يرفع رأسه من خلف الأوراق، ويبتسم لنفسه: "نحن نثق في نزاهتنا وسنترك العدالة تأخذ مجراها... بيني وبين نفسي".
إنها ليست مسرحية، رغم أن المسرح سيشعر بالغيرة من هذا النص الدرامي المدهش. بل يمكننا أن نضيف إلى جوائز المهرجانات جائزة جديدة: "أفضل أداء إداري في دور مزدوج"، وتسلم مباشرة إلى... نفس الشخص.
لكن لنتوقف لحظة. المسألة ليست فقط في ازدواجية المناصب، بل في العبث الذي تحول إلى ممارسة إدارية يومية. كيف يمكن لوزير أن يحقق مع رئيس بلدية تابع له، وهو في الوقت نفسه... هو نفسه؟ هل سيرفع تقريرا إلى نفسه؟ وهل سيرد عليه رسميا؟ ومن سيحيل الملف إلى القضاء؟ هل سيلجأ إلى كتابة شكوى بيده اليمنى وتسلمها باليسرى؟
وفي حال ثبتت المخالفات، هل سيقيل نفسه؟ وإن فعل، هل سيودعها عند باب البلدية أم يسلمها بصفته وزيرا في اجتماع رسمي مع مرآته؟
الأدهى من ذلك، أن الشارع المغربي لم يعد يتفاجأ. المواطن يتابع الحدث بنوع من الهدوء النابع من كثرة التكرار، ويقول: "أهو وزير؟ أهو رئيس؟ لا يهم. المهم من أين سيمر التحقيق؟ هل من الجيب، أم من باب الخروج الآمن؟"
أما سكان تارودانت – الذين لا دخل لهم في هذه الحبكة العبثية – فهم يشاهدون مدينتهم تتحول من جوهرة معمارية إلى مشهد هزلي تتداوله الصحف ومواقع التواصل. وكأن تراثهم العريق قد دخل فجأة عرض "ستاند أب بيروقراطي"، حيث القانون نكتة، والعدالة مشهد مرتجل.
الملف أكبر من قضية فساد بلدي. نحن أمام مأزق مفاهيمي: حين تنقلب الأدوار وتفرغ المناصب من معناها، تصبح الدولة كاريكاتيرا ضخما، والمواطن مجرد متفرج دائم لا يسمح له بالتصفيق... ولا بالاحتجاج.
في الختام، نوجه نداء صادقا إلى معالي الوزير-الرئيس:
إن أردت التحقيق، فابدأ بمرآتك... واحذر أن تكذب عليها، فقد تعكس أكثر مما تتصور.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟