أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بن سالم الوكيلي - -مرآة في زمن العمى-














المزيد.....

-مرآة في زمن العمى-


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 03:31
المحور: الادب والفن
    


في قلب مدينة تل أبيب، حيث تختلط إيقاعات الحياة المدنية بأصداء القصف وضجيج الخوف، كان يجلس يائير غولان، نائب رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، في مقهى صغير يعج بالمارة، والضجيج، والحكايات المتناثرة في الهواء. كانت عيناه مشدودتين إلى الضوء المنسكب من نافذة تطل على الشارع، وكأنه يبحث في وجوه العابرين عن خلاص من ثقل يعصف بروحه.

لقد قال ما لا يقال. نطق بما لا يغتفر في عرف الساسة والعسكر: "قتل الأطفال في غزة صار هواية." لم تكن الكلمات زلة لسان، بل كانت صرخة صدق انبثقت من رحم القبح. في مجتمع اعتاد التبرير والإنكار، تحولت صراحته إلى خيانة، وتحول هو إلى رمز للعار في عيون من لا يرون سوى بلاغة القوة.

كان غولان يدرك حجم الجرح الذي خلفته كلماته، لكنه أيضا كان يرى ما هو أبعد من الخيانة السياسية — كان يرى الإنسانية وهي تسحق تحت وطأة الصراع. لم تكن كلماته إدانة للجنود، بل تذكيرا بأن الطفولة لا تقصف، وأن البريء لا يعاقب بجريمة الجغرافيا.

في المدينة التي ربته على السلاح، خرج إلى الشارع عاريا من الخوف، ممتلئا باليقين. واجه الجموع التي صبغت صوته بالخيانة، وحمل على كتفيه جرح وطن لا يريد أن يرى وجهه في مرآة الأخلاق. وقف في ساحة صغيرة، وصوته المبحوح يخترق جدار الصمت:

"جئت لا لأدافع عن نفسي، بل لأدافع عنكم... عن أرواح الأطفال التي نسيت بين ركام البيوت. أطفال غزة ليسوا أعداء، إنهم وجوه تحلم، وتبكي، وتضحك. هل نحتاج إلى الخوف حتى نكون بشرا؟"

صمت ثقيل خيم على المكان. ارتجف البعض من وقع الحقيقة. لم يكن غولان قائدا عسكريا تلك اللحظة، بل كان شاهدا على المأساة، نبيا في زمن يصلب فيه كل من يقول الحقيقة.

شيئا فشيئا، بدأت بعض الأصوات تتبدل. لم تكن ثورة، لكنها كانت شرارة. بدأت الحناجر تهمس بأسئلة لم تطرح من قبل، وبدأت الوجوه تفكر، وتذرف شيئا من الشك في يقينها المطلق. لقد بدأ التشقق في جدار الصمت.

غولان لم ينقلب على وطنه، بل حاول أن يرده إلى قلبه. كانت الخيانة في صمت الجميع، لا في كلماته. وكان في نطقه الجريء بذور أمل قد تنبت يوما ما إنسانية جديدة، لا تسحق الطفل لأجل أمن زائف، ولا تغتال الضمير تحت راية الوطن.

وفي مدينة أنهكها التناحر، ظل صدى كلماته يتردد في الأزقة والقلوب، مثل دعاء منسي، مثل ناقوس يدق في ضمير العالم: أن الكلمة قد تكون خيانة في السياسة، لكنها في الإنسانية خلاص.



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في زمن الغبار، كان إنسانا
- 🌿 -غرسة في التراب الغريب- 🌿
- -ثلاثة رجال ونبض الأرض-
- **-غزية: المرأة التي كسرت صمت العالم-**
- صدى الضمير
- حين ينتقد الجمل سنام أخيه: عبثية المشهد السياسي في مسرح الجن ...
- -مملكة السياسة الوراثية: حين تصبح الحكومة مجلس عائلات… وأحيا ...
- حين تحج الشهيرات للقبول ويحاكم الحكواتي باسم الأمن الروحي!-
- حين يجلس وزير العدل في وجه وزير العدل: كوميديا تارودانت القض ...
- عزيز أخنوش في العيون: حين تتحول الزعامة إلى -سيتكوم سياسي- ع ...
- -مرحبا بالمتسولين في الشرق الأوسط: صدقة أم جزية؟-
- -التعليم العالي جدا... في الانحدار -!
- ترامب في الشرق الأوسط: أربعة تريليونات دولار وقصر يطير
- بوتين يمد السجادة الحمراء للعرب: قمة أم رقصة دبلوماسية؟
- بدون فلتر*** من مائدة مكناس إلى كرسي الحكومة: عزيز أخنوش... ...
- سوق السلام الكبير: كيف تحولت الاتفاقيات الإبراهيمية إلى صفقة ...
- عزيز أخنوش وتداعيات سياساته: من شركات الغازوال إلى غلاء الأس ...
- الشر الرخيص: وصفة الفوضى الإنسانية
- -رشيد الطالبي العلمي: الأستاذ الذي يحاضر في الوطنية والسيادة ...
- -السلام في زمن الماديات: عندما يتحول حلم العالم إلى صفقة تجا ...


المزيد.....




- العدد الثاني من مجلة سينماتيك
- 155 عاما على دار الكتب المصرية و60 عاما من تراجع الدور الثقا ...
- فيلم عيد الأضحى .. فيلم ريستارت “بطولة تامر حسني” .. كسر الد ...
- فضلو خوري زميلًا في الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم
- السعودية تدشن مسارا عالميا لترجمة خطبة عرفة إلى 35 لغة وتعلن ...
- مصر.. أزمة حادة بين فنانتين شهيرتين تنتهي بقبلة على الرأس (ص ...
- المغرب: مهرجان -جدار-.. لوحات فنية تحوّل الرباط إلى متحف مفت ...
- بعد تكرميه بجائزة الثقافة في مالمو 2025 - محمد قبلاوي ”صناعة ...
- هوليوود.. نهاية حلم صناعة السينما؟
- اكتشاف أثري تحت الركام.. ما مصير القرى الأثرية بعد سقوط نظام ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بن سالم الوكيلي - -مرآة في زمن العمى-