بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 19:06
المحور:
الادب والفن
في قلب المدينة التي تنبض بالحكايات، عند مفترق الروح بين التاريخ والحاضر، وقفت امرأة تحمل في كفها غرسة صغيرة. لم تكن مجرد وزيرة للأمن الداخلي الأميركي، بل كانت غريبة تحمل وهما مغلفا بالأمل، تقف على أرض لم تكن لها، في القدس.
بجانبها، وقف وزير إسرائيلي، يبتسم كما لو أنه يغرس الرجاء في تربة تنزف من فرط الذكرى. الأرض هناك لم تكن صامتة؛ كانت الأشجار تنظر وتئن، والأحجار تهمس بما لا يقال. تساقطت الأوراق من زيتونة عتيقة، وكأنها تبكي بصمت نبيل.
قالت الزيتونة، بصوت الزمن المتجذر في أعماق التربة:
"هذه الأرض ليست ساحة للعرض، ولا مسرحا للصور التذكارية. هذه أرض الأجداد، كل حفنة من ترابها تحمل وجها، ووجعا، ووصية."
تذكرت الشجرة كيف كانت الأمهات تغرس بذور الليمون في الأفنية، وكيف كانت الجذور تعلم الأطفال معنى الانتماء. كان لكل غرسة اسم، ولكل فرع قصة. سألت الزيتونة نفسها وهي تنظر إلى تلك الغرسة الجديدة التي غرستها الوزيرة:
"هل يثمر الغصن إذا اجتث من شجرته؟ هل يعرف القادم من البعيد ما معنى أن تروى الأرض بدموع المشتاقين؟"
كانت الغرسة الصغيرة ترتجف، لا من البرد، بل من الغربة. فالتراب هناك يعرف من يحتضنه، ويأنف من يلقى فيه قسرا. الرياح كانت تشهق، والسماء تتلبد بسؤال أبدي:
"هل يزرع السلام في أرض مغتصبة؟ أم يولد من رحم الاعتراف والعدالة؟"
شعرت الوزيرة للحظة بشيء يهزها من الداخل. لم تكن تلك الغرسة بريئة كما تصورت، كانت حملا ثقيلا، حكاية لم تكتبها بيدها، بل فرضت عليها. أدركت أن الشجرة التي تزرع في أرض لا تعرفها، تبقى عالقة بين الموت والنمو، بين الحنين والانتماء.
وقبل أن تغادر، نظرت إلى الغرسة مرة أخيرة. لم تعد تبتسم. تركتها هناك، في التراب الغريب، لكن قلبها لم يغادر معها. رافقها سؤال واحد يؤرق الوجدان:
"ما جدوى الزراعة في أرض لا تحبك؟"
وعادت الزيتونة تنظر إلى السماء، تنتظر يوما يغرس فيه السلام لا بالشعارات، بل بالاعتراف بالآخر، يوما تزرع فيه القلوب لا الأشجار فقط، وتروى بالمحبة لا بالقهر.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟