بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8355 - 2025 / 5 / 27 - 03:47
المحور:
الادب والفن
في صباح رمادي، تحت سماء يلفها الغبار، توقف جسده فوق تراب الوطن، كما تتوقف ورقة ذهبية عن الدوران في مهب الريح، هادئة، شامخة، تحمل بين عروقها قصة لم ترو بعد.
كان اسمه طارق-يفهين. لا هو شهيد ولا جندي، بل صوت، ضمير حي خرج من قلب كرمة بن سالم، تلك القرية الصغيرة عند سفح جبل زرهون، حيث تنام الأساطير بين بيوت الطين، وتصحو الذاكرة على أنغام الآذان والناي.
شاب في مقتبل الحياة، لم يحمل سلاحا، بل الكلمة. لم يهتف للموت، بل للحياة، للكرامة، للسلام. حين ودع والدته، وضع يده على قلبها المرتجف وقال:
"لا تخافي، ما دام القلب حيا بالحق، فلن تطفأ شمعتنا."
كان يمشي في الشوارع بصمته العميق، يرسم على الجدران وجوه الأطفال، ويكتب "الحرية" بلغات ثلاث: العربية، الأوكرانية، والإنجليزية.
"أريد أن نفهم بعضنا"، كان يقول،
"فحين يفهم الناس بعضهم، تتوقف البنادق."
وفي غزة، وخاركيف، وزرهون، تلاقت النظرات الخائفة والأحلام المكسورة. لا أحد يعرف من أين جاء، لكنه كان في كل مكان: في صوت الأم التي تنتظر، في نظرة الطفل الذي لا يفهم الحرب، في دعاء العجائز، وفي رسائل السلام التي لم تصل بعد.
قالت أمه وهي تحدق في رسمة قديمة رسمها لها:
"كان يرسم الحياة، لا الموت... والآن، صار نفسه ريشة في يد الزمن."
لم يذكر اسمه في كتب النصر، بل في دفاتر الأمل. صار صوته يهمس في كل ضمير ما زال يصحو مع الفجر، ويرفض أن ينام على الظلم. لم يكن بطلا، بل سؤالا حيا:
"هل يمكن أن نعيش بلا حرب؟"
وحين يهدأ الليل، ويعبر الناس الطرقات، يسمعون أنينا خفيفا. يظنه البعض ريحا، ويعرفه من بقي قلبه نابضا بالإنسانية:
هو صدى الضمير.
هو طارق-يفهين، ذاك الذي لم يمت، لأنه لم يولد جسدا، بل فكرة.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟