بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8355 - 2025 / 5 / 27 - 22:18
المحور:
الادب والفن
في قلب مدينة غزة، حيث تتشابك الأزقة الضيقة مع صدى الصواريخ وصرخات الطفولة المذبوحة، تولد الحكايات من رحم الألم، وتنبض بالحياة رغم الرماد. هناك، وسط الدمار والركام، برزت شابة تدعى غزية، لا كضحية فحسب، بل كصوت إنساني يختزل في نبراته معاناة شعب بأكمله.
غزية لم تكن فقط ابنة مدينة مزقتها الحروب، بل كانت تجسيدا لصمود تاريخي ممتد منذ نكبة عام 1948، حين هجرت عائلتها قسرا من أرضها. سكنت الخيام، ثم انتقلت من منزل مؤقت إلى آخر، لا تستقر إلا لتجبر على الرحيل مجددا. ورغم أن المكان كان دائم الانهيار، فإن إيمانها بحقها في الأرض لم يتصدع.
كانت السماء الرمادية في غزة تشهد على صمت العالم، لكن غزية قررت أن تكسر ذلك الصمت. جلست ذات مساء أمام كاميرا قديمة، وتحدثت بلغة العالم، بلغة إنجليزية طليقة، لا لتروي مأساتها فقط، بل لتحمل صوتها رسالة من كل فلسطيني مشرد:
"لقد عانينا من النزوح كفلسطينيين منذ عام 1948. نهجر مرارا، لكننا لا نرحل عن حلمنا. هذه أرضنا، ونهاياتهم المظلمة لن تطفئ نور حقنا."
كان حديثها صادقا، لا تحكمه البلاغة، بل يحركه الألم. لم تكن الكلمات بيانا سياسيا، بل كانت شهادة إنسانية، قادرة على اختراق القلوب وجدران الصمت. غزية أصبحت تجسيدا لصوت الغائبين، للذين سلبت منهم منازلهم، وأحلامهم، وحتى أسماءهم.
تدفقت الرسائل من أصقاع الأرض: أصوات تضامن، وأياد تمتد بالدعم، وقلوب تنبض بالتعاطف. ومع كل رسالة، لم تكن غزية تشعر بالقوة فحسب، بل كانت ترى في ذلك ولادة حراك إنساني عالمي. لم تعد وحدها في نضالها، بل صارت جزءا من وجدان كوني ينادي بالعدالة، وبحق الشعوب في العيش بكرامة.
في سردية غزية، تتجلى ملامح الأدب الإنساني الذي لا يعرف حدود الجغرافيا أو العرق. إنها ليست فقط قصة فتاة من غزة، بل ملحمة مقاومة مدنية، ترويها امرأة تحمل بين نظراتها أملا لا يقهر، رغم أنقاض الطفولة وركام الأحلام.
وهكذا، استمرت غزية في رفع صوتها، تدون شهادتها، وتنقلها إلى العالم. لم تكن تحارب بسلاح، بل بالكلمة، بالفكرة، وبإيمان لا يلين أن الأرض تعرف أصحابها، وأن الزمن، مهما طال، سينتصر للحق.
"نداء من تحت الركام" هو أكثر من قصة، إنه وثيقة من أدب الإنسانية، حيث يتحول الألم إلى وعي، والمعاناة إلى خطاب عالمي يذكرنا أن العدالة، وإن تأخرت، لا تموت.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟