بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 08:49
المحور:
الادب والفن
في زمن لم تعد الحقيقة فيه ضوءا، بل انعكاسا باهتا على شاشة مشروخة، صار الإنسان لا يثق في ظله... ويصفق لمن يكذب عليه ببراعة.
هناك، على مسرح العالم، وقف رجل بشعر لا يتحرك، وابتسامة لا تتغير، وصوت يعاد بثه كإعلان ممجوج.
لوح بيده. حرك حاجبيه. قال جمله المعتادة:
"أنا وحدي… أستطيع إنقاذكم."
ثم ساد الصمت.
لكن شيئا في حضوره لم يكن بشريا تماما.
صوته... نظراته... وقفة جسده المتصلبة.
كأنه يدار عن بعد.
كأنه يعاد تشغيله كل صباح.
قالوا إن اسمه "ترامب".
رجل أعمال صار رئيسا... ثم زوبعة إعلامية... ثم شيئا لا يعرف.
هل هو نكتة؟ أم نذير؟ أم نموذج؟
كل ما فيه يلمع... دون أن يضيء.
في أحد صباحات الإنترنت، حيث لا يفرز الوهم من المعلومة، انتشرت إشاعة من قبو رقمي معتم:
"بايدن أُعدم سرا في 2020، وما يسكن البيت الأبيض ليس إلا هيكلا آليا، تحركه أجهزة غامضة."
ضحك الناس.
بعضهم سخر، بعضهم آمن، وبعضهم قال:
"ولم لا؟ العالم فقد منطقه منذ زمن."
لكن الغريب لم يكن بايدن... بل ترامب.
ترامب الذي يرقص بنفس الحركات، كأن شخصا برمجها.
ترامب الذي يبتسم دون أن تبتسم عيناه.
ترامب الذي يتحدث عن "المجد" و"المال" و"العدو"... دون أن يرتعش صوته أو ينكسر.
كأن في صدره معالج بيانات... لا قلبا.
كأن الرجل... آلة.
تتغذى على الهتاف، وتعمل بالبطاريات الإعلامية.
وفي ركن من هذا العرض الجهنمي، جلس طفل أمام التلفاز، لا يعرف ما هي السياسة، ولا معنى الانتخابات، ولا سبب الضجيج.
أشار إلى الشاشة، وسأل جدته بصوت خافت:
"لماذا لا يبكي هذا الرجل؟ لماذا لا يخاف؟ لماذا يبدو كأنه... لا يشعر؟"
نظرت الجدة طويلا، وكأنها تبحث عن كلمات دفنتها الأيام،
ثم قالت بهدوء يليق بزمن قديم:
"ربما نسي كيف يكون إنسانا.
أو ربما… لم يكن كذلك أبدا."
في اليوم التالي، عاد ترامب يظهر، كما يفعل دوما، بنفس الصوت، بنفس الإيماءة، بنفس العبارة:
"أنا وحدي… من يستطيع إنقاذكم."
لكن الأرض التي أتعبها الزيف، والعقول التي أرهقها الصراخ، بدأت تهمس:
هل نحن من صنعنا هذه الآلة؟
هل صفقنا كثيرا حتى ظن نفسه إلها؟
هل أطفأنا قلوبنا أولا… فصار يحكمنا بلا قلب؟
وفي زاوية منسية من مدينة مكسوة بالشاشات، كتب مراهق على جدار مدرسة مهجورة:
"الآلات لا تحلم… لكنها الآن تحكم."
اقتربت منه زميلته وسألته:
"ماذا تقصد؟"
قال دون أن ينظر إليها:
"أنا لا أخاف من روبوت يشبه الإنسان...
أنا أخاف من إنسان نزع قلبه، نزع ضميره،
وصار يشبه الروبوت...
ويطلب منا أن نطيعه."
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟