أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محفوظ بجاوي - التحرر من أسر الماضي: الطريق نحو نهضة حقيقية














المزيد.....

التحرر من أسر الماضي: الطريق نحو نهضة حقيقية


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8365 - 2025 / 6 / 6 - 08:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يكن الماضي يومًا مشكلة أو عائقًا أمام النهضة، بل كان دومًا ركيزة من ركائز الهوية وأساسًا يُرتكز عليه في بناء المستقبل.
لكن ما يحدث عندنا هو أن الماضي تحوّل من مصدر إلهام إلى سلطة مطلقة تفوق الواقع نفسه، فنقيس به كل حاضر ونرسم به كل مستقبل، حتى وإن كان ذلك يعني أن نُحبس في إطارٍ ضيق لا يسمح لنا بالتحرر أو الابتكار.
الذين تجاوزونا، لم ينسوا تاريخهم ولا تراثهم، بل قرأوه بعيون ناقدة وعقل متحرر، لا بعيون مغمضة وخوف من السؤال. أما نحن، فقد بنينا حول ماضينا أسوارًا من القداسة المفرطة، وحولنا تاريخه إلى ميثاق لا يُشكك فيه، فحاصرنا أنفسنا ورفضنا القفز خارج هذه الحدود المفروضة.
التحدي الذي نواجهه اليوم ليس نقصًا في الموارد أو ضغوطًا خارجية، بل في عمق ذهنيتنا التي تلبس ثياب الماضي وترفض خلعها. نهاب الجديد لأننا لم نتعلّم أن نجرب، ونتمسك بالقديم لأننا أقنعنا أنفسنا أن كل جديد فتنة ومخاطرة تهدد وجودنا.
في مدارسنا نعلّم أبناءنا أن الأجوبة موجودة في الكتب القديمة، ونوبّخهم إن فكروا خارجها. في المساجد نحذّرهم من السؤال، وفي الإعلام نُهين المختلف، ونجبرهم على لغة موحدة لا تحتمل التباين أو الاختلاف. ثم نتساءل بدهشة: لماذا لم ننهض ولم نُحسن صناعة مستقبلنا؟
إن المؤسسات التي تعاقب السؤال لا تصنع مستقبلًا، بل تغتال روح النقد والتجديد في مهدها، فتجعلنا أمة تمشي إلى الأمام ووجهها للوراء، ترى في الماضي حصنًا، لكنه صار قيدًا يكبّل طموحاتها ويقتل أحلامها.
ومع ذلك، لا يزال هناك أمل، يبدأ من نقد الذات لا تمجيدها، ومن إعادة النظر في علاقتنا بالزمن، وتعليم الأجيال أن يسألوا "لماذا؟" بدل أن يُلقّنوا "هكذا قيل".
ولكن كيف لنا أن نكسر هذا الحصار الذهني؟ كيف نحرر أنفسنا من أسر الماضي الذي نحمله على أكتافنا حتى صار ثقيلاً لا يُحتمل؟ الأمر يبدأ بالجرأة على السؤال لا الخضوع للجمود. يبدأ بالاعتراف بأن التاريخ ليس نصًا مقدسًا لا يُلمس، بل مادة حيّة تتفاعل مع حاضرنا، ونستنير بها، لكن لا نُقيّد أنفسنا بها.
يجب أن نعلّم أبناءنا أن التفكير خارج الصندوق ليس فتنة، بل هو سبيل للنهوض الحقيقي. وأن الشك في الثوابت ليس خيانة، بل فضيلة عقلية. إن المنابر التي تُخنق السؤال وتقتل الرأي المختلف لا تصنع أمة حرة ولا تفتح لها أبواب المستقبل.
علينا أن نعيد بناء مؤسساتنا الثقافية والتربوية والإعلامية على قواعد الحرية والابتكار، لا على أسس الخوف والتحجيم. فنحن بحاجة إلى بيئة تُشجّع البحث والاكتشاف، وتحترم التنوع، وتحتفي بالاختلاف، لا أن تسجن الأفكار في زنازين التكرار والتقليد.
إنّ التحرر من أسر الماضي لا يعني إلغاءه، بل يعني إعادة قراءته بعيون جديدة وبقلوب مستعدة للمغامرة والتغيير. إننا مطالبون بأن نكون أمة تكتب تاريخها من جديد، لا أمة تعيش تحت وطأة ماضيها.
وفي هذا السعي، لا يكفي أن ننتظر من الخارج من يُحررنا، فواجب التحرر يبدأ من داخل الذات، من قرار فردي وجمعي أن نكسر القيود، ونتقدم إلى المستقبل بشجاعة.
وإذا كانت روح الأمة هي العقل الجمعي الذي يُشكّل حاضرها ومستقبلها، فإن العقل الجمعي عندنا ما زال يئن تحت وطأة الماضي، يختنق بأغلال التكرار، ويتراجع عن مواجهة تحديات الحاضر. وهذا العقل الذي لا يجرؤ على سؤال نفسه لا يمكن أن يكون منبعًا للنهضة أو مهدًا للابتكار.
ثمّة صمت ثقيل يخيّم على فضاءات الفكر عندنا، صمتٌ ليس بسبب نقص الأفكار، بل بسبب خوفٍ من التعبير عنها. وكأننا لا نريد أن نسمع أصواتًا تختلف عن أصداء ماضينا. بهذا الصمت نخنق أنفسنا، ونحرّم على عقولنا أن تُحلّق، ونغلق أمام أجيالنا أبواب الإبداع.
إن الثقافة التي تُحبس في قوالب جامدة وتتربى على تكرار مفردات لا معنى لها إلا في الماضي، ثقافة كهذه لن تخلق سوى نسخة مشوّهة عن نفسها، نسخة بلا روح ولا حياة. أما الثقافة التي تتنفس الحرية، التي تُغذّي التساؤل والحوار، فهي وحدها القادرة على البناء والتجديد.
ولا يكفي أن نطالب بالتغيير من أعلى، بل يجب أن ينبع هذا التغيير من القاعدة، من كل فرد يحمل في قلبه إيمانًا بأن الأسئلة هي بداية كل جواب، وأن الشك هو روح البحث العلمي والمعرفة الحقيقية. فإذا خابت هذه الروح، خابت الأمة.
ومع هذا التحدي الكبير، هناك بصيص نور يتسلل بين ثنايا الظلام، في شباب اليوم الذين لا يرضون بالجمود، ويبحثون عن طرق جديدة للتعبير عن أنفسهم وعن أفكارهم. إنهم يحملون في صدورهم رغبة في التحرر، وفي عقولهم أملًا في التغيير، لكنهم يحتاجون إلى من يُمكّنهم من التعبير بحرية، ويحتفي باختلافهم، ويحفّزهم على السؤال والابتكار.
لذا، فإن مهمة النهوض ليست مجرد مسؤولية حكومات أو مؤسسات، بل هي مسؤولية كل فرد منا. مسؤوليتنا أن نفتح أمام أجيالنا نوافذ الحوار، ونطلق العنان لأفكارهم، ونكسر قيود الخوف من السؤال والاختلاف.
إن المستقبل لمن يجرؤ على أن يرى الماضي بعين الناقد الحكيم، ويُعيد تشكيله، لا لمن يعيش أسرى له. فلنكن أمة تبني الحاضر لا أمة تعيش في ظل ماضيها، أمة تصنع تاريخها بأيديها، لا أمة تظل تقرأ في سجلات الأمس فقط.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يُقصى العقل،وتُستبدل المعرفة بالوهم... يصبح الصمت جريمة.
- الممنوعات باسم الفضيلة: كيف تصنع القيود مجتمعا خائفًا ومقموع ...
- التعليم في أوطاننا... بين التلقين والجمود
- خراب العقول حين تغيب الفلسفة
- جذور ثابتة وهوية لا تُشترى: الجزائر وطن ضارب في التاريخ لايم ...
- الطاعة و الخضوع بين التنشءة والواقع الإجتماعي: قراءة في مواق ...
- في يوم الطالب:من جيل التحرير إلى جيل البناء... هل مازلنا أوف ...
- السياحة الدينية في الجزائر: كنوز مهدرة وفرص ضائعة
- لماذا أنا متشائم؟
- العقل المتهم... والدجل المحصَّن
- في المرآة لا أحد
- لم أُخلق لأربح بل لأصمد: قصة تشاؤم بلا هزيمة
- غريب بين وطنين
- ركضت طويلا، فوجدت نفسي في النهاية: الحسرات تطاردني، والزمن ل ...
- التعليم الرديء يصنع دولة فاشلة : حين تصعد الرداءة من القسم إ ...
- لأنني محفوظ بكم
- حين يصمت الوعي، ويتجمد الموقف....الحياد يصبح خيانة ناعمة!
- جيل يواجه المجهول : لا تُكرّروا خيانة العقول _أمة تطفيء مصاب ...
- من المعلم إلى الواعظ: كيف فقدت المدرسة الجزائرية رسالتها الت ...
- الأنتماء اللامشروط وخيانة الوطن : حين يصبح الوطن محطة لا أصل ...


المزيد.....




- السعودية.. محمد بن سلمان يشدد على مواجهة -التداعيات الكارثية ...
- طهران: لا نسعى لامتلاك سلاح نووي
- أم عراقية تصف ابنتها الصغيرة بالجلحة خلال بث مباشر
- رجل يقود سيارة وسط حشد من الناس في مدينة باساو الألمانية
- هل يواعد المغربي حكيمي طليقة زميله السابق -الفاتنة-؟
- ألمانيا.. زوجته وابنته من ضمن الضحايا.. سائق يصدم حشدا في با ...
- واشنطن بوست: البيت الأبيض حاول تلطيف حدة الصراع بين ترامب وم ...
- زعيم تنظيم -القاعدة- في اليمن يهدد ترامب وماسك وآخرين
- كندا أرسلت معدات وأجهزة عسكرية إلى أوكرانيا قيمتها تتجاوز 25 ...
- بريطانيا ترمي -بشباكها- على جيش جمهورية سوفيتية سابقة


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محفوظ بجاوي - التحرر من أسر الماضي: الطريق نحو نهضة حقيقية