أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مذكرات ما قبل الرحيل ج 20















المزيد.....

مذكرات ما قبل الرحيل ج 20


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7317 - 2022 / 7 / 22 - 21:56
المحور: الادب والفن
    


الدين والعلم والأخلاق مجموعها تنتمي من حيث ماهيتها للمعرفة البشرية كونها نتاج تفاعل العقل ومعرفته بما فيها، أي بما في تلك العناصر من غايات أو ما بنيت على مقدمات مع أختلاف في المناهج والأساليب والقضايا، ولكن تبقى المعرفة الإنسانية هي رسالة الإنسان في الوجود، على الأقل بما تقدم له من حلول وما تصنع له من واقع فيه تيسير وتسهيل المرور بهذه الدورة الوجودية بأقل الخسائر والأضرار، لكن ينفرد العلم عن الدين والأخلاق بأسبقية وجوده كذات، هذا أولا والفرق الثاني أن العلم يكتشف والدين والأخلاق تؤلف فقط، هذا يعطي للعلم ميزة الأصالة والثبوت بينما الأخلاق والدين تبقى كقضايا وروابط أجتماعية وقيم من المتغيرات المتبدلات، وفقا لتطور معرفة الإنسان وطريقة بقائه في الوجود.
هذا أول ما خلصنا له من خلال كل البحوث التي تقدمت ومنها توصلنا إلى حقيقة أن الثابت الوجودي مقدم في الأعتبار العقلي والمنطقي على المتغير، خاصة إذا كان يمس نظم تشغيلية وإدارية في حياة الإنسان، وبناء عليه لا بد من جعل المفاضلة بين الثابت والمتغير تعتمد أيضا على قدرة المعيار أن يوافق قوانين الوجود الكلية ويماهيها، بمعنى تماثله مع أصل القضية الوجودية التي تعني بعبارة مبسطة "وجد ليبقى"، هذا ينفي ويقطع على المتحول والمتغير أن يكون في تضاد مع القانون، العلم باق وثابت ومن ضمن منطق وجد ليبقى، بينما القيم المعرفية الأخرى الدين الأخلاق بشكل خاص فهي مع نسبيتها وإمكانية تطورها وحتى انتكاستها ممكنة بما في ذلك عدم قدرتها على البقاء.
ومن لا يستطيع البقاء بذاته لا يستطيع ان يكون أداة بقاء لغيره، فالدين والأخلاق بنسبيتهما وطبيعة التعاطي بهما المبني على الخيار والأختيار عكس العلم الذي هو حال وجوبي لا إمكانية في تلمس بديل عنه، لا يمكنهما أن يؤسسا لبقاء دائم كما يفعل العلم لأنهما أصلا لا يمكنهما البقاء بذات الهيئة والماهية، وبما أن الأخلاق والدين هدفهما الأساسي الأرتقاء بالإنسان ككائن وجودي مستعد بالقوة للتطور الدائم، فلا بد أن يكونا قادرين بأنفسهم أولا على البقاء معه طالما هو موجود ليواصلا رحلة السمو والأرتقاء.
هنا تتمثل الإشكالية الأساسية أن الإنسان كلما سما وأرتقى تطورت لديه المعايير والقياسات التي يتطلبها بالروافع المعرفية، فلا بد للدين والأخلاق أن تتطور معه صعودا وأرتقاء، وهذا ما يزيد من نسبيتهما وبقلل من القدرة على الثبات الذي يجعلهما في صراع دائم مع الإنسان المتطلب بطبيعته.
العلم بما أن موجود أصلا وثابت ولا قدرة للإنسان في تغييره أو تبديل مسارته، فيكون هو الأصلح من الناحية التطبيقية أن يتعامل معه كرافع سمو وأرتقاء، فمقدار العلم المتحصل سيزداد مع ازدياد المعرفة به، مما يفتح أطواق الغيب والمجهول ويزيد من القدرة على السمو والأرتقاء به، هذا ما يشجع الإنسان أن يتخذه طريقا مستمرا ودائما ليبقى على الأقل في دورته الوجودية وأستمراريتها عبر المنجز المعرفي والمكتشف العلمي، بذا يكون العلم هو طريق الإنسان للكمالات الممكنة وحتى المطلقة بدرجة ما، الدين والأخلاق لا يمكنهما التعامل مع الإنسان بهذه الدرجة من الدقة وبالتالي لا يمكنهما أن يكونا طريقه للمعرفة المطلقة وهي معرفة الله بشكل أكثر يقينية وأستقرار.
لكن يبقى دوما هناك مساحة واسعة يستطيع فيها الإنسان ومن خلال تنوع المعرفة أن يتحرك لتلبية مطالبه ككائن متعدد الأهتمامات والتصرفات والمدارك، إن أختيارنا للعلم طريقا منطقيا للتعرف على حقائق الوجود التي شكلت محور أهتمام ووعي الإنسان بذاته، لا تعني أبدا أننا أيضا نرسم له طريقا جبريا ليكون خاضعا له وبدون حرية وعي، الدين يبقى غذاء روحي ووسيلة لسد رغبه ملحة في ذات الإنسان قد لا ينجح العلم في أن يسد مسده، وعلى ذلك على العقل الإنساني أن يكيف طريقة تعقله للأشياء المشتركة والضرورية في فهم منطقي كخطوة أولى، وأن لا يضع خطوط حمر وتابوهات في طريقه وهو يسعى للسمو والأرتقاء.
إن إدراك حقيقة أن العقل البشري لا بد أن يصل يوما إلى تحكيم المنطق كلما إزدادت إشكالاته الوجودية وتوسعت مساحة المعرفة العلمية لديه، هذا سيدفع العقل لمزيد من الإقرار والأستقرار على منهج وشكل الفهم الذي يمنحه القدرة على الفرز بين ما هو حقيقي مادي علمي واقعي منطقي، وما بين ما هو ظني إدراكي تأملي مبني على أحتمالات وشكوك تراكمت من خلال مسيرته منذ أن أدرك أن الوعي بالوجود بحاجة لفهم أولا وبحث ثانيا.
العقل البشري بطبيعته التكوينية كلما حمل مزيدا من المعرفة العلمية بشعر أن شاطئ المعرفة لا تتلائم معه ولا مع متطلباته المتكاثرة كلما خطر للأمام، وعليه أن يذهب عميقا إلى أبعد نقطة ممكن أن يصلها حتى يدرك بالفعل ماهية قوانين الوجود الأكثر تعقيدا مما أدركها الأن، في تلك المناطق المأمولة سيجد الله وسيجد الكثير من الإجابات التب تأخرت نتيجة صراعه الداخلي بين السهل المتوارث، وبين البحث والأكتشاف والتحري والتجريب الذي يفتح كل المغاليق عن أسرار الوجود.
لقد كان الدين في فترات المعرفة الأولى قائدا ناجحا لمسيرة الإنسان، وقدم في إرهاصاته الأولى الكثير من عوامل القوة والدفع التي مكنته من السير في طريق العلم الحقيقي، هذا الأمر لا ينكر ولا يمكن تجاهله، ولكن مسيرة الدين تعثرت أيضا كلما مر زمن على الإرهاصات الأولى للفكر الديني، مما سبب ثقلا وتوقفا في حركته داخل الوجود، ليقود في فترات لاحقها سادها التخريف والتحريف طريق النكوص للخلف، هذا الطريق ذاته ما زال مفتوحا وهناك من يدفع الإنسان بقوة للسير فيه، حتى وقف العلم برواده والمشتغلين فيه ليكشفوا زيفه وخرابه، في محاولة إعادة العقل البشري إلى طريق سيرورته الحقيقية، في عملية أنتصار للحقيقة والمنطق على الظلامية والتخلف والتمسك بطريق مقلوب لا يؤدي بنا سوى إلى الموت البطيء في الوجود.
إن التنوير الديني والمعرفي الذي نراه اليوم وبالرغم من أنه أثار الكثير من التساؤلان العقلية والمنطقية التي حركت الفكر الديني خطوات إلى الأمام، لكنه يبقى ومع كل منجزه عاجزا عن البوح بالحقيقة التي لا يريدها الكثير من العقل البشري، والمتمثلة بخيارين أثنين، أما تخليص الدين من التنظير العلمي وتدخله في غير ما وجد من أجله وهو التقويم الروحي للإنسان نحو التحرر من خوفه القديم، وذلك بأعتماد الشجاعة والبحث والأستكشاف لأسباب الخوف ومواجهة الذات ومصارحتها، أو سلوك طريق أخر ليوصلنا إلى الحقيقة الأولى والمنطقية وهي أن الله ليس فاعلا أصليا في كل ما يجري علينا ومن كسب وجودنا، لأن الله أكبر من أن يتصاغر للجزئيات والنهايات السائبة.
هذا الجهد الفكري وإن نجح جزئيا بتخليص الفكر الديني من الكثير من الغيبيات والأفتراضات المسبقة التي تعتمد على فكرة المجهول المعلوم خارج نطاق الإدراك، إلا أن بحاجة للكثير من الجهد وأن لا يعتمد مبدأ الترميم والإصلاح الفوقي، التنوير الحقيقي لا بد أن يصل إلى عمق المسألة الإشكالية الدينية والتي تتفرع منها كل المطبات العقلية، ألا وهي صورة الله الحقيقية، الصورة التي لا يتسرب لها شك أو أهتزاز أو طعن، عندما يبدأ التنوير رحلته الكبرى هذه ستنهار كل الأنماط والأنساق الدخيلة على الدين، والتي أستغلت التشويش والخلط والتزييف طريقا لطمس الحقيقة المطلقة الوجودية الطبيعية، وهي أن الله فوق الإدراك الظني بل حتى فوق التصور الذهني المجرد من معرفة كاملة بقوانين الوجود، وقوانين الإيجاد قبل ذلك.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 19
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 18
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 17
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 16
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 15
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 14
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 13
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 12
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 11
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 10
- مذكرات ما قبل الرحيل ج9
- مذكرات ما قبل الرحيل ج8
- مذكرات ما قبل الرحيل ج7
- مذكرات ما قبل الرحيل ج6
- مذكرات ما قبل الرحيل ج5
- مذكرات ما قبل الرحيل ج4
- مذكرات ما قبل الرحيل ج3
- مذكرات ما قبل الرحيل ج2
- من مذكرات ما قبل الرحيل
- دائرة الفساد من يد ليد معا من أجل عراق فوضوي تحت سقف القانون ...


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مذكرات ما قبل الرحيل ج 20