حول تحليل فارس كمال نظمي للشخصية الشيوعية العراقية
جلال الصباغ
الحوار المتمدن
-
العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 20:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نشرت العديد من مواقع الحزب الشيوعي العراقي وأعضاء وقيادات الحزب واصدقاءه مقال الدكتور فارس كمال نظمي الذي يحاول عن طريقه تحليل الشخصية الشيوعية العراقية، وقد لاقى هذا التحليل ترحيبا على نطاق واسع في أوساط ليست بالقليلة.
وبصرف النظر عن علمية المقدمة التي ساقها الدكتور فارس في تفسير الشيوعية، وتعريف الإنسان الشيوعي، وما تحمله من تناقض وفهم غير واقعي حول الشيوعية، فإن الرد عليه يتعلق بالدرجة الأولى بتحليله لسيكولوجية الفرد الشيوعي او الشيوعيون كمجموعة بشرية وبالتحديد داخل العراق.
يركز الدكتور فارس كمال نظمي على أحاديث متداولة في أوساط الشيوعيين وأصدقائهم ومحبيهم وجزء غير قليل من المثقفين والأدباء، وخلاصتها أن الشيوعيين في العراق يتمتعون بالنزاهة والمحبة والثقافة كما أنهم يمتلكون الأمل والتفائل والإيثار، ويستطيع اي احد التعرف عليهم من خلال أشكالهم حتى! فهم بحسب الدكتور فارس لطفاء وذوي ملامح خاصة، كما انهم يتمتعون بحب الجمال والفن، وغير ذلك من الصفات المطلقة والثابتة مع اختلاف وتبدل الظروف . وهنا يحاول الدكتور فارس كما فعل كثيرون من قبله تصنيف الافراد والمجموعات على اساس صفات ثابتة، كما ويؤكد كاتب المقال انه يتناول الموضوع ليس من منطلق إيديولوجي، انما من منطلق علم النفس العلمي والذي اوصله بالمحصلة إلى هذه الاستنتاجات والتحليلات. من قال ان الشيوعيين جميعهم حتى المنتمين للحزب الشيوعي العراقي يتمتعون بهذه الصفات؟ أليست أخلاق الأفراد وقناعاتهم تبنى وتنتشر او تتقلص وفق الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وليست نتيجة سيكولوجية، كما يحاول الكاتب إثباته.
ان اسبقية السيكولوجيا باعتبارها العلم الذي ينتج الأيديولوجيا، انما هو وهم برجوازي، يحاول علم النفس وعلم الاجتماع البرجوازي تصويره، وجوهر هذا الأمر هو أن السيكولوجيا الفردية هي المتحكم بمواقف البشر السياسية وهي التي تحدد أفكارهم ومشاعرهم. وفي ذلك مغالطة تتعارض مع العلم المادي الذي يرى السيكولوجيا كنتاج للعلاقة الجدلية بين الواقع المادي سواء أكان سياسيا ام اقتصاديا ام اجتماعيا وبين الفرد باعتباره متأثر ومؤثر في مجتمعه.
كان الأجدر بالدكتور فارس نظمي ان لا يقع في هذا التبسيط والتسطيح لموضوع معقد وشائك. فليست السيكولوجيا هي التي دفعت بماركس وانجلز او بلينين وروزا لوكسمبورغ وغيرهم إلى تبني التفسير المادي الجدلي للتاريخ والمجتمع الإنساني وحركته والعوامل المؤثرة في سيطرة فئة او طبقة محددة مقابل إخضاع طبقة اخرى، بل ان دراسة هذا الواقع وتفسيره وفق المنهج المادي الجدلي هو الذي أوصلهم لهذه الحقيقة.
يؤكد الدكتور فارس نظمي" ان الشيوعية قبل كل شيء نسق سيكولوجي معرفي وجداني ...، اي نمط من أنماط الشخصية البشرية على الأرض.... وبمعنى أكثر تحديدا ان الأيديولوجيا الشيوعية لحقت بالسيكولوجيا الشيوعية" وهذا اقتباس من إحدى فقرات المقالة، والسؤال هنا اليس هذا الكلام كلاما انشائيا وليس مستندا إلى ابسط مقومات العلم المادي؟
هل يمكن لعالم النفس او الباحث في المجال النفسي، ان يحيل وبشكل مطلق، القناعات السياسية والمنهج الاقتصادي والتفاوت بين الناس على اساس سيكولوجي؟
وبمعنى آخر هل يمكننا تفسير الأيديولوجيا الليبرالية او النيوليبرالية على اساس سيكولوجية فرد أو مجتمع معين؟ او هل يمكننا اختصار الفاشية والنازية والستالينية على أنها أنماط لشخصيات وانماط لمجموعات من البشر، دفعتهم سيكولوجية شخصياتهم إلى أن يكونوا ليبراليين او شيوعيين او فاشيين، وعزل المصالح البرجوازية لفرد او مجموعة محددة، ان هذا التصور يعبر عن عجز في فهم التاريخ والواقع وهو يكرر ما يحب قسم من الشيوعيين قوله وحتى سماعه، من انهم مثقفون ومحبون للفن والثقافة ومتفائلون ولديهم الإيثار، وهذه نظرة أخلاقية جامدة بعيدة عن الواقع السياسي والاجتماعي داخل العراق.
يرى الدكتور فارس نظمي ان نقاط القوة المتمثلة بالأمل والإيثار والتفاؤل وحب الجمال والأناقة والثقافة، هي ذاتها نقاط ضعف الحركة الشيوعية في العراق، وهذه الصفات دفعت بهم اي الشيوعيين، إلى عدم المشاركة السياسية الفاعلة في العملية السياسية الحالية، متناسيا ان الحزب الشيوعي العراقي قد شارك منذ مجلس الحكم ولغاية الآن في هذه العملية بكل طاقته، دون أن يحقق شيء من طموح جماهيره او جماهير الطبقة العاملة والنساء وفئات المعطلين والمهمشين والطلبة وكل التحررين، بل إن هذه المشاركة "الفاعلة" قد بنيت على مصلحية وانتهازية قيادة هذا الحزب وهو منهج وسياسة متبعة في مختلف الفترات السابقة.
ان كوادر وقيادات وكذلك اعلام هذا الحزب، قد اهتموا بتحليل واستنتاج الدكتور فارس ايما اهتمام، وفرحوا به كثيرا، فقد تمت مشاركته على صفحاتهم الشخصية والصفحات الرسمية ايضا، وكأن هذه المقالة قد جاءت في وقتها، خصوصا وأن الحزب يتعرض لنقد قاس بسبب مواقفه الذيلية وإصراره على المشاركة في الانتخابات، رغم أن الواقع السياسي وحركة الطبقة العاملة كقطب معارض لا تنبئان بأي تغيير في معادلة سيطرة القوى البرجوازية الإسلامية والقومية الحاكمة في العراق.
ر