مسرحية الاصلاحات الاقتصادية بين حاكم الزاملي وعلي علاوي


جلال الصباغ
الحوار المتمدن - العدد: 7171 - 2022 / 2 / 23 - 18:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

كشف برنامج الاغذية العالمي ان ما يقرب من مليوني انسان في العراق، يعانون قلة استهلاك الغذاء (الجوع) وان سبعة بالمئة من العائلات تبنت ستراتيجيات تقشف للتأقلم مع شح الغذاء المشابه للذي يحصل في فترات الطوارئ! من جانب اخرى تناولت وسائل الاعلام المحلية والعالمية ان اسعار النفط اقتربت من المئة دولار للبرميل الواحد!! هذا التناقض بين اعداد الجائعين واسعار النفط تعبير صريح وواضح عن شكل النظام السياسي الذي يحكم العراق والذي يتبنى سياسات اقتصادية رأسمالية ليبرالية متوحشة هدفها النهائي نهب ثروات الجماهير لخدمة مشاريع الرأسمال المحلي والاقليمي والعالمي، وليذهب المواطن الى الجحيم ما "دمنا" نطبق "الاصلاحات الاقتصادية" والورقة البيضاء. وهذه الاصلاحات هي مختصر سياساتهم الاقتصادية المطبقة منذ الغزو الامريكي للعراق، والتي اخذت تتوحش اكثر وتتبلور ملامحها بشكل واضح منذ انتفاضة اكتوبر ولغاية الان.

هذه هي فلسفة النظام النهائية فرفع الدعم عن كل شيء، والمضي قدما في سياسة الهيكلة والخصصة، واستهداف الشرائح المهمشة والمفقرة بمزيد من الاجراءات، قائمة على قدم وساق... يجب بيع كل شيء، فلا كهرباء ولا ماء ولا خدمات ولا تعيينات ولا رعاية صحية او تعليم، كل شيء خاضع للسوق وجشع اصحاب رؤوس الاموال- الذين تشكل الاحزاب والقوى السياسية والدينية المتحكمة الغالبية العظمى منهم- لا بد من الاستمرار بهذه السياسة حتى يضمنون رضا القوى العالمية عليهم، مقابل السماح لهم بأستمرار القتل والارهاب وسيادة النزعات الطائفية والقومية والعشائرية التي تتحكم في البلاد، مع السماح باستمرار النهب والتدهور.

من اجل اصلاحاتهم الساعية للحفاظ على نظامهم المتهالك، يجب ان تخفض قيمة الدينار مقابل الدولار، لتزداد اسعار السلع والخدمات الى ما يقارب الثلث، وتزداد نسب الفقر وتنشرالبطالة ولا تجد الناس ما يسد رمقها... لا بأس بذلك من وجهة نظر اقطاب النظام، ما دام خبرائهم الاقتصاديون يبشرون بالاصلاح، ويحذرون من مغبة التراجع عنه، فهو الحل الوحيد والسحري لبقاء الاوضاع على ما هي عليه... لكن اية اوضاع هي الباقية على ما هي عليه؟ انها اوضاع النظام، اما اوضاع وظروف الناس فهي بالتأكيد من سيء الى اسوء.

مئة دولار للبرميل بينما مليوني انسان ينام جائعا، وملايين الاطفال بلا تعليم يتلائم مع متطلبات العصر... سعر برميل النفط مئة دولار، بينما لا تزال الكثير من العوائل تعتاش على مكبات النفيات، لتستمر بعد كل هذا مسرحية وزير المالية علي عبد الامير علاوي والنائب الاول لرئاسة البرلمان حاكم الزاملي، من اجل استضافة الاول داخل مجلس النواب واستجوابه حول ارتفاع اسعار الدولار مقابل الدينار، والجميع يعلم ان اقطاب هذا النظام جميعهم قد اتفقوا على ذلك في وقت سابق بصفقة شملت جميع اطراف العملية السياسية والتي كان مقتدى الصدر اكثر المطبلين لها... كل منهم يدعي حرصه على اموال الشعب ورفاهيته، بينما هم مجرد عبيد لأملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين. جميع الاحزاب والقوى تتباكى على اتفاع اسعار الطحين وتمثل دور المدافع عن قوت الشعب، بينما تتجاوز ثراوات قادتها العشرين وربما الخمسين مليار دولار.

ليس هنالك ازمة مالية او اقتصادية يشهدها العراق، انما هنالك شلة من اللصوص والمافيات التي تنفذ اجندات الاسياد في امريكا واوربا وايران والخليج، هدفها تحويل البلاد الى غابة يتحكم فيها الجميع لتنفيذ اجنداتهم الجيوسياسية ويستمر نهب الثروات بأي طريقة، مع العمل على منع قيام اية صناعة او زراعة، ورفع رفع يد الدولة عن التعليم والصحة والخدمات العامة.

ان اوضاع الجماهير ولقمة عيشها في خطر محدق مع استمرار سياسات السلطة الحالية، وكل ما يقال عن اصلاحات او ترقيعات يقوم بها النظام من اجل تحسين الوضع الاقتصادي، انما ستزيد من اعداد الفقراء والمعطلين.

ليس امام الجماهير المفقرة سوى ان تكسر الاغلال التي وضعتها السلطة وتضع الاوهام بالاصلاح الاقتصادي الذي يُروج له وراء ظهرها، وأن تواصل نضالها من اجل الخلاص النهائي من حكم العصابات والبلطجية.