مشاركة الأحزاب المدنية في انتخابات مجالس المحافظات


جلال الصباغ
الحوار المتمدن - العدد: 7751 - 2023 / 10 / 1 - 15:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

على وقع احتجاجات انتفاضة اكتوبر 2019 قام مجلس النواب بحل مجالس المحافظات، كمحاولة لاسترضاء الجماهير الثائرة المطالبة في حينها باسقاط النظام السياسي بالكامل،وكانت هذه الضربة بالتزامن مع استقالة حكومة عادل عبد المهدي، من أشد الضربات التي أفقدت النظام توازنه و هزت اركانه، فقدم التنازلات من اجل كسب جولة جديدة، والمناورة في سبيل الانقضاض على الانتفاضة واخمادها، وهو ما حدث بالفعل فيما بعد.

تعكس مجالس المحافظات وتمثل دولة المكونات الطائفية والقومية، وهي تعبير عن تقاسم الحصص فيما بين قوى وأحزاب النظام، فهي تتولى مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولها صلاحيات الإقالة والتعيين، كما ان لها صلاحيات إقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية، وهذا يبين لماذا تتقاتل قوى واحزاب النظام من اجل السيطرة على هذه المحافظات، فالجميع يعلم حجم الفساد والنهب داخلها،في مقابل تردي الواقع المعيشي والخدمي في جميع محافظات البلاد.

من المفترض أن يشارك في انتخابات مجالس المحافظات المقررة يوم 18 من شهر كانون الأول ديسمبرالمقبل،296 حزباً سياسيا انتظمت في 50 تحالفا، إلى جانب أكثر من 60 مرشحاً سيشاركون بقوائم منفردة، للتنافس على 275 مقعدا هي مجموع مقاعد مجالس المحافظات في العراق. ان هذا التكالب والسعي المحموم من اجل الاستحواذ على أكبرعدد من المقاعد أمر طبيعي بالنسبة للقوى البرجوازية الطائفية والقومية والعشائرية المتحكمة بالعملية السياسية منذ الاحتلال الامريكي ولغاية الآن.

لكن ما يدعوا للدهشة والاستغراب هو تقاطر قوى واحزاب وشخصيات؛ كانت في زمن الانتفاضة من داعميها، باتجاه المشاركة في هذه الانتخابات، وجميع هؤلاء يصورون المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة، وكأنها المنقذ والترياق الذي سيشفي من أمراض السرقة والقتل وسيحول البلاد الى الجنة الموعودة !

لكن سرعان ما ستختفي الدهشة ويتبدد الاستغراب، اذا ما علمنا من هي هذه القوى والاحزاب وما هي سياستها؟وهل تمتلك مشروعا سياسيا واقتصاديا بديلا يعبر عن تطلعات وأهداف العمال والطلبة والنساء ومختلف الشرائح المحرومة والمفقرة والمضطهدة التي خرجت تطالب بالتغيير الجذري والشامل إبان الانتفاضة؟

ان جميع الاحزاب والتحالفات "المدنية" التي تشكلت بعد انتفاضة اكتوبر وكانت احدى مخرجاتها مثل حركة نازل حقي الديمقراطية، هي تعبير عن التحول بجانب قوى الثورة المضادة. وكذلك الحال بالنسبة للاحزاب والقوى الموجودة قبل الانتفاضة مثل الحزب الشيوعي العراقي وغيره من الاحزاب والاطراف المتبعة لذات النهج؛ والتي أجبرتها الجماهير المنتفضة على الدخول لساحات الانتفاضة، وذلك للاحتفاظ بما تبقى من ماء وجهها، وتعبيرا عن انتهازية دائما ما رافقتها في مواقفها السياسية، فدائما ما كانت احدى اقدامها في معسكر السلطة فيما الاخرى في معسكر الجماهير.

ليس لهذه الاطراف جميعا مشروع سياسي يشكل النقيض لمشروع النظام القائم، ودائما ما يتناغم طرحها على المستويين السياسي والاقتصادي مع طرح قوى وأحزاب النظام، فلغة المكونات والتحرك باتجاه زعماء العشائر والمشاركة والدعم للطقوس الدينية، حاضر في حملاتهم الانتخابية، كما ان الدعوات للخصخصة ورفع يد الدولة وتخليها عن واجباتها، هي الخطط المطروحة للارتقاء بالواقعين الخدمي والمعيشي للمواطنين. فيما يشكل اسلوب القيادة الفوقية المحصورة بيد الخبراء والتكنوقراط والمثقفين اسلوبهم في ادارة الدولة، حتى ان احد الاحزاب المنضوية في تحالف "قيم"المدني اسمه "حزب المثقف العراقي"!

ان انتخابات مجالس المحافظات، ليست سوى احدى الركائز التي يبني عليها النظام الاسلامي القومي الحاكم سياسته، ولا تمثل سوى باب مفتوح من ابواب النهب، وتجذير لحكم القوى المهيمنة. واية جهة تشترك وتروج لهذه الانتخابات بحجة الإصلاح من داخل المنظومة، انما هو انزلاق نحو معسكر السلطة، وغرق في وحل سرقاتها و إرهابها وجرائمها المتواصلة.

#جلال_الصباغ