حركات الاسلام السياسي والعلاقة مع الغرب


جلال الصباغ
الحوار المتمدن - العدد: 7871 - 2024 / 1 / 29 - 23:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

عملت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من القوى الغربية الرئيسية على مدار العقود الماضية، على دعم ورعاية وتمويل حركات الاسلام السياسي، وقد وفرت لها المأوى، باعتبارها القطب المعارض للأنظمة القومية العربية التي كانت تحكم في المنطقة منذ خمسينيات القرن الماضي. ان الدعم الغربي لهذه القوى الرجعية، لم يأتِ من فراغ، بل ان المصالح الجيوسياسية والاقتصادية للإمبريالية تكمن في عدم انبثاق اية حركة تحررية ثورية، ما جعل من دعم هذه الحركات والجماعات المتطرفة امرا في صلب هيمنتها على العالم وضمان مصالحها.

ان هذه الحركات هي حركات رجعية، تمارس أبشع انواع القهر والقتل بحق النساء والمخالفين، كما انها تقمع الحريات السياسية والفردية، سواء أكانت داخل السلطة ام خارجها. فالقاعدة وداعش والمليشيات الشيعية التابعة لإيران تشكل الجانب الاكثر تطرفا ورجعية وارهابا ضمن هذه الحركات، لكن ما يسمى بالجناح المعتدل، المتمثل بالإخوان المسلمين، والنظام الايراني واردوغان وحزبه الحاكم في تركيا وغيرهم من القوى الاسلامية، لا يختلفون من حيث المبدأ عن سابقيهم، انما هم من تبحث عنه وتتمناه القوى الرأسمالية العالمية. ودائما وتحت يافطة الخصوصية الثقافية والدينية وبوسائل " ديمقراطية" مثل الانتخابات، او عن طريق القمع والقتل والسيطرة المالية، تصعد الى السلطة لتكون خير ممثل لمصالح داعميها.

ان هذه الحركات في جوهرها حركات برجوازية تدعم وتديم بالسياسة الاقتصادية للرأسمالية ومؤسساتها المالية، وهو ما حصل فعليا عندما تسلم الاخوان المسلمون السلطة في مصر عقب انتفاضة 2011، وكذلك بعد سيطرتهم على الحكم في العراق عقب الغزو الامريكي في 2003، وكذلك الحال ما حصل في تونس بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي.

الجميع يعلم ان قوى الاسلام السياسي في العراق، الشيعية منها والسنية جاءت مع المحتل الامريكي، ورغم ما تدعيه هذه القوى من عداء للمشروع الغربي بحكم عقيدتها او بحكم تبعيتها السياسية والفكرية لجهات خارجية، الا ان الولايات المتحدة تحسن استثمار هذه القوى، ولا تزال تستخدمها في تحقيق مشاريعها الاستراتيجية، ورغم ما تمارسه المليشيات المسلحة من عمليات قصف وقتل هنا وهناك بحق القواعد والجنود الامريكيين، الا ان المسؤولين الامريكيين حريصون كل الحرص على لقاء ومفاوضة زعمائها، ابتداء من نوري المالكي حتى فالح الفياض وهادي العامري وابو فدك وقيس الخزعلي وغيرهم، ومن خلفهم حكومة الاطار التنسيقي، التي تعتبر حكومة المليشيات.

ان العلاقة المتوازنة والقلقة بنفس الوقت بين حركات واحزاب الاسلام السياسي، وبين رعاتها التقليديين لا تسير على خط مستقيم، بل ان التناقضات التي تحملها هذه العلاقة، قد توصلها الى نقطة العداء النهائي، كما يتبلور اليوم من موقف جديد تجاه حماس والحوثيين والمليشيات في العراق، عقب الحرب على غزة. ومن قبلها كيف سُمح لداعش بالسيطرة على مناطق من العراق وسوريا وليبيا، من اجل تحقيق مكاسب معينة، ثم بعد ذلك حُشدت الجيوش من اجل القضاء عليها، وذلك لتحقيق اهداف جيوسياسية تقتضيها مصالح أمريكا وحلفائها في حينها.

ان الهدف الاساسي لتمكين القوى القومية والدينية والطائفية من السيطرة على مختلف المناطق والبلدان، هو الوقوف بوجه أي مد ثوري يصب في مصلحة الغالبية العظمى من المجتمع، لذلك فان الولايات المتحدة تعمل بكل طاقتها من اجل تمكين هذه القوى لقمع أي انتفاضة او ثورة وهو ما حصل بالفعل مع ثورات مصر وتونس والانتفاضات في العراق ولبنان وإيران. كما ان امريكا تستخدم هذه القوى والحركات من اجل المحاربة والضغط على اقطاب منافسة لها، وهو ما عملت عليه عندما دعمت المجاهدين الذين حاربوا ضد الاتحاد السوفيتي السابق في افغانستان.

وسط كل هذه المعطيات تأتي القوى الليبرالية المحلية من احزاب ومثقفين واعلاميين، لتلقي باللائمة على الشعوب، مُبرأة أمريكا وحلفائها من دعمها لقوى الإسلام السياسي، واصفة هذه الشعوب بانها غير مهيأة "للديمقراطية" ومن ان مجتمعات مثل العراق وسوريا وليبيا وغيرها، هي مجتمعات طائفية وقومية وعشائرية بطبيعتها، وأنها غير قادرة بسبب موروثها الثقافي والديني على مواكبة الحداثة، لاغية كل العوامل السياسية والاقتصادية والهيمنة الامبريالية ومصالحها في انتاج هذا الوضع المعقد، وكأن قدرنا المحتوم ان نبقى أسري لهيمنة القوى الرجعية! بل ان هذا الامر يتم الترويج له وتغذيته، حتى داخل الدول الامبريالية نفسها، من اجل خنق الحركة الثورية وتحويل طبيعة الصراع من صراع طبقي الى صراع اقليات وثقافات وصدام حضارات وما شابه.

سيبقى هذا الواقع يراوح مكانه ولن تأتي الثورات والانتفاضات بنتائج لمصلحة العمال والمفقرين والتحررين، دون تنظيم اشتراكي بروليتاري يناضل في اوساط الشرائح الاجتماعية المتضررة من هذه السياسة. ويقود اعتراضات وانتفاضات الجماهير، باعتبارها البديل الواقعي الممثل للغالبية المفقرة داخل المجتمع.