استراتيجية ترامب تجاه العراق والانتخابات المقبلة


جلال الصباغ
الحوار المتمدن - العدد: 8284 - 2025 / 3 / 17 - 12:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مع صعود ترامب للسلطة في الولايات المتحدة الامريكية، واستخدامه لسياسة الضغط الاقصى على طهران والعمل على تصفير صادراتها من النفط، ومحاولة انهاء او اضعاف نفوذها في المنطقة. وتزامن كل ذلك مع احداث السابع من اكتوبر عام 2023 وما نتج عنه من تدمير غزة، وتوجيه ضربة قاصمة لحزب الله احد اهم اذرع ايران في المنطقة. اضافة الى اسقاط نظام الاسد ومجيء نظام اسلامي موالي لتركيا ومدعوم من قبل الولايات المتحدة والغرب عموما، مع احتمالية احتلال مناطق جديدة من قبل اسرائيل في سوريا. باتت ملامح شرق اوسط جديد تتشكل خصوصا وان احتمالات انتهاء الهدنة بين حماس واسرائيل ليست مستبعدة. كما ان الحرب المباشرة بين اسرائيل وامريكا من جهة وايران من جهة اخرى من الممكن ان تندلع في ظل التوترات المتصاعدة بين الطرفين.

وسط هذه الاجواء تعيش القوى السياسية في العراق أجواء من الترقب والقلق، خصوصا والحديث مستمر عن فرض عقوبات على مصارف عراقية بضمنها مصارف حكومية والسعي لمعاقبة فصائل مسلحة، ومطالبات بحل الحشد الشعبي او على الاقل دمجه بالقوى الامنية الاخرى من داخلية ودفاع، والتوقعات بان تشمل العقوبات شركة النفط العراقية سومو، والتهديد باستهداف وقتل زعماء مليشيات محددة. اضافة الى منع العراق من استيراد الغاز الايراني، المستخدم في انتاج الطاقة الكهربائية وغيرها من الاجراءات التي باتت على ألسنة السياسيين بمختلف توجهاتهم الطائفية والقومية، وعلى ألسنة المواطنين ايضا. ومن هنا فان المشهد في العراق يبدو غير واضح المعالم.

تتزامن هذه التطورات الدراماتيكية مع اقتراب موسم الانتخابات والتي لن تنتج الا بعض التغييرات الطفيفة، التي قد تقلل من الدور الذي يلعبه المحور الممثل لمصالح وتطلعات ايران في العراق والمنطقة، دون المس بجوهر النظام وسياسته الاقتصادية او تكوينه الطائفي القومي، وليس كما يروج له بعض الباحثين عن موطئ قدم لهم في المرحلة المقبلة من سياسيين جدد او سابقين.

وسط هذه المعطيات يتوهم الكثير من المواطنين في العراق بان تقليل نفوذ ايران والحد من سطوة المليشيات سوف يأتي بالرفاهية والحرية للمواطنين، حتى دون تغيير النظام او تغيير سياساته الاقتصادية. فيما تبين السياسة الامريكية في العراق ومنذ احتلاله وكذلك سياستاها تجاه العديد من بلدان العالم التي تتدخل فيها وتتحكم في اقتصاداتها، ان هذا مجرد وهم، فكما كانت الولايات المتحدة ابان حكم اوباما وبايدن وحتى ابان دورة ترامب الاولى، لا تكترث الا بمصالح الامبراطورية الامريكية، فهي اليوم وفي عهد ترامب الفاشي اسوء من ذي قبل، بل انها تسعى لتفتيت بلدان المنطقة على أسس دينية وطائفية وقومية وبشكل اكثر اجراما من قبل.

ان جماهير العراق وسوريا وايران ولبنان وفلسطين ومختلف بلدان الشرق الاوسط يقعون بين نارين، هما نار انظمتهم الاسلامية والقومية التابعة لمشاريع تركية وايرانية وخليجية، ونار تقاطع مصالح الهيمنة الامبريالية الامريكية وصراعها على النفوذ مع اقطاب عالمية اخرى كالصين وروسيا على المنطقة والعالم، واشعال هذه الاقطاب لحروب لم تجلب ولن تجلب سوى الدمار والتهجير والتقسيم وانتشار البؤس والخراب والموت في كل مكان.

يعد الحصار الاقتصادي على العراق احدى وسائل الولايات المتحدة من اجل انهاء استغلال الجمهورية الاسلامية الايرانية لموارد العراق، ورغم ان ايران بالفعل تنهب الكثير من موارد البلاد عن طريق اذرعها في العراق وعمليات تهريب الدولار وغيرها من الوسائل، الا ان اي حصار على العراق سوف يؤدي الى زيادة البؤس والخراب الذي يعيشه المواطنون أصلا، وحتى لو أدى الى اضعاف اذرع ايران، فان هذه الاذرع هي التي نهبت موارد المجتمع منذ الاحتلال الامريكي، وتحت انظاره، لا بل ان المليشيات التي تأسست في العراق، وهي تابعة وممثلة لمصالح ايران، تم تأسيسها و"مباركتها" من قبل الولايات المتحدة نفسها. لذلك فان إدارة ترامب لا تريد الغاء هذه المليشيات بل تريدها خاضعة مطيعة ومسيطر عليها حالها كحال أجهزة الجيش والشرطة، مهمتها الحفاظ على النظام من أي تمرد او ثورة داخلية.

لن تجلب الانتخابات المقبلة الا قوى لن تختلف عن سابقاتها سوى بتغيير شكلي لاتجاه تبعيتها من ايران الى الولايات المتحدة الامريكية، وكل ما يتداوله الاعلام في العراق او الاعلام العربي والعالمي من ان مرحلة جديدة تنتظر العراق والمنطقة، ليس سوى تعبير عن مرحلة جديدة من الازمات والانقسامات الدينية والطائفية والقومية. مع العمل الحثيث من قبل النظام ورعاته نحو المزيد من تطبيق نهج الليبرالية الجديدة والمزيد من الخصخصة والغاء دور الدولة، أي المزيد من الفقر والبطالة والبؤس.

ان الوهم بالتغيير عن طريق تدخل الولايات المتحدة ورئيسها ترامب، لن يدوم طويلا كما جرّب العراقيون ذلك جيدا طوال اكثر من عشرين عاما، فمصلحة الامبريالية الامريكية تتطلب بالضرورة دعم القوى الطائفية والقومية والعشائرية الرجعية، التي تلتزم باستراتيجيتها نحو الهيمنة على المنطقة والعالم. كما ان الانتخابات المقبلة ستكون كسابقاتها ممثلة ومعبرة عن مصالح البرجوازية في العراق ولن تلبي تطلعات المواطنين. اما المتطلعون والباحثون عن التغيير الحقيقي، فأمامهم العديد من المهام أولها فصل صفوفهم عن جميع القوى التي جربوها طوال العقدين الماضيين، واستثمار السخط الجماهيري تجاه القوى السياسية الحالية بكل توجهاتها البرجوازية من اجل تشكيل جبهة، يكون عمودها الفقري العمال والموظفين والنساء والمعطلين عن العمل ممن ذاقوا مرارة الحياة علي ايدي هذه الطغمة.