الرأسمالية وتدمير الحياة على كوكب الأرض


جلال الصباغ
الحوار المتمدن - العدد: 7697 - 2023 / 8 / 8 - 22:11
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر     

ونحن نعيش عصر الغليان العالمي كما عبر عن ذلك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش مؤخرا؛ في إشارة الى حجم الكارثة التي تلحق بكوكب الأرض، نتيجة انبعاث الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري. يصور النظام الرأسمالي العالمي هذه الكارثة على انها نتيجة لأنشطة ونمط حياة الانسان على كوكب الأرض، بالإضافة الى الزيادة السكانية التي تقترب من العشرة مليارات في السنوات المقبلة.

ان تحميل الانسان بشكل عام مسؤولية الانبعاثات الغازية التي تتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري، انما هو تزييف للواقع، يحاول من وراءه مالكو الشركات التغطية على مسؤوليتهم الكاملة عما يحصل لكوكب الأرض من تدمير ممنهج. كما ان التركيز على ان الجميع مسؤولين عما يحصل من تغير مناخي وارتفاع في درجات الحرارة، هو الاخر مجافي للحقيقة فليس لمليارات العمال والكادحين حول العالم تأثير يذكر في المساهمة بالاحتباس الحراري، مقارنة بشركات استخراج الوقود الاحفوري والشركات الصناعية الكبرى الاخرى.

تعد الغازات التي ترافق استخراج النفط والغاز والفحم الحجري بالإضافة الى عمليات استخدام الوقود وحرقه السبب الأول وراء الاحتباس الحراري، وشركات الوقود الاحفوري او الشركات التي تستهلك هذا الوقود من اجل المزيد من الانتاج وتحقيق الأرباح، هي المسؤول الأول عن حصول هذا الاحتباس، لكنها ومنذ عقود تنفي علاقتها المباشرة بهذا الامر، بل انها تدفع المليارات من اجل صناعة رأي عام والتأثير عليه، عبر مراكز بحثية ممولة من قبلها، وكذلك عبر الإعلانات والاعلام بشكل عام، والذي دائما ما يصور أفعال الافراد والمجتمعات على انها السبب في حصول الاحتباس الحراري، أو على الأقل محاولتها الحثيثة لجعل الأفراد شركاء أساسيين في أزمة التغير المناخي.

لقد أظهرت نتائج احدى الدراسات أن ما يقرب من ثلثي انبعاثات الكربون البشرية المنشأ تسببت فيها 90 شركة ومصنع حول العالم، وهذه الشركات هي المصدر لـ(635) مليار طن من الغازات الدفيئة المنبعثة منذ عام 1988، وهو العام الذي تم الاعتراف فيه رسميا بتغير المناخ بفعل الانبعاثات الغازية الناتجة من عمليات استخراج وحرق الوقود الاحفوري.

كما تشير التقارير ان الاتجاه الحالي في استخراج الوقود الأحفوري على مدار الأعوام المقبلة وبنفس الوتيرة السابقة، من المحتمل أن يرفع متوسط درجات الحرارة العالمية بمقدار أربع درجات مئوية بحلول منتصف القرن الحالي، وسوف يؤدي ذلك إلى انقراض بعض الأنواع وندرة كبيرة في الغذاء في جميع أنحاء العالم. الى ذلك تشير تقارير أخرى ان ارتفاع درجة حرارة الأرض سيسهم في تفكك طبقة الجليد في القطبين، ما سيؤدي بدوره إلى ارتفاع مستوى سطح البحر في جميع أنحاء العالم من خمسة إلى ستة أمتار وذلك سيؤدي الى اغراق البلدان المنخفضة بكاملها.

تعد الصين لوحدها مسؤولة عن التسبب في 27 % من الانبعاثات الغازية التي أدت إلى الاحتباس الحراري في العالم خلال عام 2019. كما تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية نظرا لمسؤوليتها عن التسبب في 11 % من الانبعاثات الغازية في العالم بينما احتلت الهند المرتبة الثالثة بـ 6.6 %.

رغم حجم الأرباح الهائلة التي تحققها الشركات ومن خلفها الدول والمؤسسات المالية العالمية، الا ان غالبية سكان الأرض لا يجنون من هذه الأرباح شيئا، انما تتركز هذه الثروات بيد قلة من الرأسماليين، وما يتحمله بقية البشر هو الجوع والجفاف والارتفاع المضطرد في درجات الحرارة، وانتشار الأوبئة والامراض، وكذلك تقلص المساحات الخضراء والتلوث. كما ان أكثر البلدان المتضررة من الاحتباس الحراري ليست هي الدول الصناعية الكبرى المساهم الأول بحدوث هذه الكارثة، انما هي الدول الأكثر فقرا على مستوى العالم.

لا يهتم النظام الرأسمالي بحياة الانسان ولا بمستقبل الأجيال القادمة، فالرأسمالية مدفوعة نحو الربح السريع، والمنافسة المحمومة بين الشركات بهدف الاستحواذ على السوق، وهذا يمنعهم من النظر لمستقبل كوكب الأرض على المدى البعيد، كما لا تعني الرأسمالية صحة البشر، فعلى سبيل المثال لا تزال الشركات الرأسمالية تستخدم المواد الحافظة والألوان الصناعية وغيرها من المواد في المنتجات الغذائية من اجل زيادة المبيعات، كما تستخدم المبيدات على نطاق واسع في مجال الزراعة، والتي تبين لاحقا انها سبب رئيسي لانتشار السرطانات.

ليس التقدم التكنلوجي والتقني هما السبب وراء التغير المناخي، انما التنافس المحموم من اجل الربح هو ما يدفع الشركات على سبيل المثال الى انتاج ملايين الاطنان من المواد المصنعة ومن الأغذية والتي لا يستفيد منها البشر انما يتم اتلافها او رميها في البحار في سبيل الحفاظ على أسعار معينة. كما ان مالكي شركات النفط والغاز وشركات انتاج الحديد والالمنيوم وغيرها من الشركات العملاقة ليست جادة في استخدام مصادر الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية او طاقة الرياح، وغيرها من أنواع الطاقة التي لا تسبب ضررا على البيئة وعلى الانسان.

ان الرأسمالية غير قادرة على حل ازمة التغير المناخي، فهو نتيجة حتمية لسياسات اقتصادية هدفها الربح والمزيد من الربح وهي لن تتخلى عن هذه السياسة، كما انه نتيجة حتمية لسياسات التنافس بين اقطاب الرأسمالية الرئيسيين مثل الصين وامريكا والهند وأروبا وروسيا وغيرها، فكل قطب من هذه الأقطاب ينافس على الاستحواذ والتحكم بالعالم بأكبر قدر ممكن، ومهما كانت النتائج كارثية على المستوى البيئي ومستقبل الجنس البشري والحياة على الأرض.

#جلال_الصباغ