الحزب الشيوعي العراقي والمرتد كاوتسكي


جلال الصباغ
الحوار المتمدن - العدد: 7803 - 2023 / 11 / 22 - 20:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يعد كاوتسكي أحد أبرز القيادات الماركسية التي ساهمت بشكل كبير في الأممية الثانية، وكان قد التقى بكارل ماركس وفرديريك انجلز، وهو أحد الذين حافظو على تراث ماركس من خلال نشره وتحريره لكتاب نظريات فائض القيمية، لكنه وخلال الحرب العالمية الأولى كان قد غير من منهجه وتبنى خطا اصلاحيا، وبعد صعود البلاشفة الى السلطة كانت له انتقادات تعبر عن انتهازيته وتخليه التام عن الخط الثوري.

ولا يهمنا هنا المقارنة بين كاوتسكي من ناحية تخليه عن الماركسية وبين الشيوعي العراقي، فهذا الحزب ابعد ما يكون عن الماركسية الثورية، انما كان وخلال ما يقارب التسعين عاما من العمل السياسي حزبا اصلاحيا، ولا يتبنى المنهج الراديكالي، ولا يتخذ من الصراع الطبقي وفصل الصفوف عن البرجوازية، طريقا لتمكين العمال والكادحين، لكن المقارنة تأتي من خلال ما كتبه فلاديمير لينين ما بعد ثورة أكتوبر في روسيا عن مواقف كاوتسكي الانتهازية والبعيدة كل البعد عن الشيوعية، فقد جاءت وفق التصورات البرجوازية الإصلاحية، من خلال الانخراط في الانتخابات والصعود الى البرلمان، وهي ذات الالية التي يتبعها الشيوعي العراقي منذ دخوله العملية السياسية، التي وضع أسسها الاحتلال الأمريكي بعد 2003.

يقول لينين في كاتبه الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي1 " ان الديمقراطية البرجوازية، وان كانت تشكل خطوة تاريخية كبيرة الى الامام بالنسبة للقرون الوسطى، تظل ابدا مع ذلك، ديمقراطية ضيقة، مبتورة، مزورة، منافقة، فردوسا للأغنياء، وفخا وخديعة للفقراء. وهذه الحقيقة، التي تشكل القسم الأساسي الجوهري من المذهب الماركسي، هي التي لم يفهمها " الماركسي" كاوتسكي. ففي هذه القضية-الجذرية-يتفضل كاوتسكي "بألطافه" على البرجوازية، بدلا من ان يأتي بانتقاد علمي للظروف والشروط التي تجعل من كل ديمقراطية برجوازية ديمقراطية للأغنياء"

ان الشرح الذي يقدمه كاوتسكي بضرورة مشاركة الشيوعيين في الانتخابات، يقترب من سياسة الشيوعي العراقي اليوم فسياستهم، مبنية على العمل بدستور القوى المسيطرة، ووفق قوانينها وشروطها، وهذه ليست سوى سياسة انتهازية تعبر عن مصالح الطبقة البرجوازية.

لقد رشح الشيوعي العراقي اعضاءه في جميع الانتخابات السابقة، الا في الانتخابات البرلمانية عام 2021، وقد جاءت عدم مشاركته الاخيرة، نتيجة للضغط الجماهيري الذي شكلته انتفاضة اكتوبر، لكنه عاد لنفس منهجه القديم، وهو يعلم جيدا ان الانتخابات بيد القوى الطائفية والقومية، ولن تغير مشاركته فيها من الواقع شيئا، سوى إعطاء الشرعية لمنظومة المحاصصة والفساد والقتل، ولتبرير سياسات الليبرالية الجديدة ومشاريعها في خصخصة جميع القطاعات.

يقول سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي اثناء اجابته عن سؤال احد الصحفيين2، شارحا سبب قرار الحزب بالمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، وهو الذي رفض المشاركة في الانتخابات النيابية السابقة بالقول " قرار عدم مشاركتنا في انتخابات عام 2021 لم يكن رفضا لمبدأ الانتخابات، بل كانت مقاطعتنا في تلك اللحظة بسبب القناعة بعدم إمكانية تحقيق الهدف المنشود منها، وهو أن تكون رافعة لعملية التغيير بالصورة التي عبر عنها طيف واسع من العراقيين خلال انتفاضة تشرين 2021" ورغم ان سكرتير الحزب يقر في مقطع اخر من هذه المقابلة ان هذه الانتخابات لن تغير من الواقع شيئا، الا انه يصر على المشاركة فيها! ولا ندري لماذا هذا الإصرار على المشاركة ما دامت النتيجة واضحة! لكن هذه الحيرة والتعجب ستتلاشى إذا ما عرفنا ان منهج الحزب وسياسته لا تبتعد كثيرا عن منهج وسياسات الأحزاب البرجوازية، ولا تختلف من حيث الجوهر عنها.

كان الغاء مجالس المحافظات واحدة من مكتسبات انتفاضة أكتوبر( تشرين) 2019، فتحت ضغط الجماهير الثائرة، اذ تم اجبار السلطة على القيام ببعض الإصلاحات ومنها الغاء هذه المجالس، وكتعبير عن انتهازية وبراغماتية واضحة للشيوعي العراقي، ها هو يعلن التوبة ليعود الى الحضن الطائفي القومي، ويدخل الانتخابات ضمن تحالف قيم، وهذا التحالف يشكل تجمعا لبعض القوى التي ساهمت بإنهاء الانتفاضة، من خلال طرحهم لمشاريع إصلاحية، كالانتخابات المبكرة وما الى ذلك من مشاريع القت في حينها طوق النجاة للنظام المترنح تحت الضربات التي وجهتها الانتفاضة، وهو الغارق في وحل السرقات والقتل وتنفيذ مشاريع القوى الرأسمالية العالمية ومؤسساتها المالية.

ان الحزب الشيوعي الثوري هو حزب يناضل بالضد من الأحزاب والقوى البرجوازية التي تمثل سيطرة طبقة على طبقة أخرى، وهذه الأحزاب تتمثل في العراق اليوم بالأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية وكذلك الأحزاب القومية الكردية والعربية، بالإضافة الى الأحزاب المدنية والليبرالية الناشئة والقديمة، لكن الحزب الشيوعي العراقي، يشكل جزءا من هذه الأحزاب فهو حزب تحالف سابقا مع البعث وتحالف بعد الاحتلال مع أحزاب وقوى الإسلام السياسي، وها هو اليوم يتحالف مع قوى وتيارات تعمق من سيطرة البرجوازية وتعمل على اخماد اية روح ثورية داخل الجماهير.

ما الذي سيحققه الشيوعي العراقي للجماهير من وراء هذه المشاركة؟ وهل سيستطيع تحالف قيم وغيره من التحالفات والأحزاب ان يغير من المعادلة وان يقلب الطاولة على القوى الطائفية والقومية؟ وهل سيتغير ميزان القوى لصالح جماهير العمال والكادحين والمعطلين عن العمل، ومختلف الشرائح التي طالبت ابان انتفاضتها في 2019 بإسقاط النظام؟ الجميع يعلم ان أي من ذلك لن يحدث، وهذه المشاركة انما تسهم تأخير تبلور وانبثاق اية حركة جماهيرية ثورية مستقبلية.

1- لينين – الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي. منشورات مكتبة عائد بديره، ص(21)
2-رابط لقاء سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي على موقع الحوار المتمدن في 2023 / 11 / 7. https://m.ahewar.org/s.asp?aid=810482