عام الإنجازات!


جلال الصباغ
الحوار المتمدن - العدد: 7907 - 2024 / 3 / 5 - 00:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تطلق حكومة السوادني على العام الحالي 2024 عام الانجازات، بل ان الحكومة الحالية يحلو لرئيس وزرائها ان يطلق عليها حكومة الانجازات. وعندما يود اي مواطن ان يتلمس شيئا من هذه الانجازات، فان ابرز مظاهرها هو العمل على بناء مجموعة مجسرات في عدد من تقاطعات العاصمة بغداد، اضافة الى دعوة مستثمرين لبناء مدن سكنية وسط العاصمة او على اطرافها، واعادة تأهيل مصفى بيجي وزيادة ساعات تجهيز الكهرباء لساعتين او ثلاثة او ربما خمسة في اليوم، وغيرها من المشاريع التي يتغنى بها السوداني وحكومته.

ما الذي سيجنيه المواطنون من هذه المشاريع؟ وما هو دورها في حل مشكلاتهم العميقة والمعقدة والكثيرة؟ وهل سيستطيع غالبية المواطنين الساكنين في العشوائيات او في بيوت مؤجرة من شراء وحدة سكنية يتجاوز سعرها المئة وخمسين مليون دينار؟ في حين قد يصل سعر بعضها الى ثمانمائة مليون دينار! ام ان المجسرات والانفاق الجديدة ستوفر نقلا عاما مجانيا للطلبة والعمال والموظفين والكسبة؟ وهل سيعمل مصفى بيجي على تقليل اسعار البنزين والنفط الابيض والكاز والمشتقات الاخرى؟

كيف يمكن اعتبار 2024 عاما للإنجازات؟! الا اذا اعتبرنا ارتفاع اسعار اللحوم انجازا، فقد تجاوز سعر الكيلو الوحد الـ 22 الف دينار، وكذلك اسعار السمك التي يقترب سعر الكيلو من العشرة الاف دينار. في غضون ذلك يتجاوز سعر المعاينة لبعض الاطباء الخمسين الف دينار، اما سعر الرقود لمريض وليوم واحد في مستشفى اهلي يتجاوز المائتي الف دينار، وفي حال قرر الطبيب ان يجري لهذا المريض عملية جراحية بسيطة، فسعرها داخل المستشفيات الاهلية يتراوح بين المليون دينار والخمسة ملايين، وقد تصل الى عشرة ملايين! اما اذا كان المريض يعاني من مرض صعب فانه مضطر للسفر الى خارج البلاد، ما يعني صرف عشرات الملايين من اجل الحفاظ على حياته، وهو ما يضطر الكثير منهم لبيع كل ما يملكونه في سبيل العلاج.

اما عن اسعار الكهرباء والماء والانترنت فهي الاعلى مقارنة بدخل المواطنين، وبحسبة صغيرة فان العائلة المكونة من اربعة افراد والتي يتقاضى احد افرادها 600 الف دينار، وكانت مؤجرة لمنزل ب300 الف دينار + فواتير الكهرباء والماء والانترنت والمولد الاهلي، ومصاريف الطعام والدراسة والملابس وغيرها من الاساسيات، فان هذه العائلة ستضطر الى الاقتراض سواء من المصارف الحكومية او الاهلية، او الاقتراض من احد الاقارب والاصدقاء، كي تستطيع تمشيه امورها وتلبية احتياجاتها الاساسية خلال الشهر، وبالتأكيد فأن هذه المصروفات بعيدة عن الرعاية الصحية ان كان احد افراد الاسرة يعاني من مرض ما، وبعيدا عن شراء كيلو من اللحم او شراء بعض السمك خلال الشهر، فالصرف بهذه الطريقة من حصة المرفهين. مع الاخذ بنظر الاعتبار ان بعض الاسر لا يتجاوز مدخولها الشهري الـ 200 الف دينار فقط!

الانجازات الحقيقية هي عندما توفر الدولة الخدمات لجميع المواطنين بشكل مجاني، وعندما يحصلون على السكن والطعام وخدمات النقل والاتصالات والكهرباء والتعليم والصحة بشكل دائم وعصري. كما ان من حق جميع المواطنين المؤهلين الحصول على فرصة عمل، وهذا الامر غير حاصل في العراق، بل ان الاوضاع تزداد سوءا يوما بعد اخر، فالأسعار في تصاعد واعداد المعطلين عن العمل تتجاوز الـ 20%، والعشوائيات في تزايد، والمفقرين في تزايد، يقابله تزايد في اعداد الاثرياء والسراق وزعماء المليشيات ورجال الدين.

ان سياسة حكومة السوداني الاقتصادية، تعتمد على حل قضايا الخدمات من خلال القطاع الخاص، فالجامعات خاصة والمستشفيات خاصة، والمولات خاصة، في مقابل اهمال وانهاء الجامعات الحكومية والمستشفيات الحكومية والمدارس الحكومية، وتعطيل دور وزارة الاسكان، مقابل جلب مستثمرين وشركات من الخارج من اجل بناء المساكن. كما ان صناعة البلاد متوقفة، والعمل جار على قدم وساق من اجل بيع الشركات والمعامل الى المستثمرين وتحويلها الى مولات وغيرها من المشاريع التي تخدم اصحاب رؤوس الاموال فيما تزداد معاناة الموطنين ويزداد فقرهم وبؤسهم.