حول حركة سلم الرواتب


جلال الصباغ
الحوار المتمدن - العدد: 7909 - 2024 / 3 / 7 - 20:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

"الصورة لا تزال غامضة، لكن يجب في كافة الأحوال تعديل سلّم الرواتب القليلة بحدود معقولة تسمح للإنسان بالعيش"
هذا هو تصريح مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية مظهر محمد صالح لشبكة روداو الاعلامية، حول قضية اقرار سلم جديد للرواتب في نيسان من العام الماضي، وهذا التصريح يعكس جوهر تعاطي الحكومات المتعاقبة مع معيشة الناس وارزاقهم، فهذه الحكومات يهمها اولا واخيرا مصالحها ومصالح رعاتها وداعميها، اما المواطنون فلا بأس ان نسمح لهم بالعيش! اما اذا ماتوا فلا بأس ايضا، وموضوع سلم الرواتب قضية غامضة بالنسبة لرئيس الوزراء ومستشاريه والقوى التي اتت به، فهؤلاء يتمتعون بالسلطة والمال، ولديهم من الاجهزة الامنية والمليشيات ما يحفظ بقائهم.

ان حجة الحكومة بصعوبة اقرار سلم جديد للرواتب تتعلق بأسعار النفط، باعتبارها المتحكم بقدرة الدولة على زيادة المرتبات، وبالتالي فان هذه الاسعار غير ثابتة. لكن هذا الامر في حقيقته يتعلق بالسياسة الاقتصادية للدولة، فهذا النظام وبطريقة مدروسة يرتبط بالرأسمال العالمي ومؤسساته المالية، والتعكز على موضوع أسعار النفط انما هو رأي القوى البرجوازية المتحكمة بالاقتصاد في العراق وتعبير عن مشروعها.

ان حجم الصرف الهائل على القوى الامنية من جيش وشرطة وحشد شعبي، والميزانيات المفتوحة لهذه الجهات جلعت جزءا كبيرا من موارد الدولة تذهب لها، والهدف بالطبع هو تأسيس قوى تدافع عن النظام، ما جعل من هذه الاجهزة تتضخم وتصبح اقطاعيات، على حساب رفاهية المجتمع وتوفير احتياجاته.

كما ان الكثير من المجاميع التابعة للنظام تستلم اكثر من راتب وذلك لأسباب سياسية ليس لها اية علاقة بما تنتجه او ما تقدمه من خدمات، فهذه المجاميع قد تم شرائها لتمارس ادوارا معينة مثل الدفاع عن النظام ابان الازمات التي يمر بها، وهي تعمل على ادامة بقائه من خلال مشاركتها في الانتخابات لتضفي عليه الشرعية.

الى ذلك فان الصرف على المناسبات الدينية ومشاريع الاوقاف والعتبات، وغيرها من القضايا التي تعمق الطائفية والتمييز، وفي ذات الوقت تحافظ على النظام المبني على الاساس القومي والطائفي، تكلف الدولة سنويا مبالغ طائلة؛ وهو ما يقوم به الوقفين السني والشيعي والعتبات والمراقد الدينية، وغيرها من المؤتمرات والفعاليات الدينية والعشائرية والمناطقة.

ان موارد الدولة المتحصل عليها من الضرائب، لا احد يعلم عن مصيرها شيئا، سواء ما يتعلق بضريبة الكهرباء والماء وضريبة الهواتف النقالة ام ضرائب دائرة المرور الفلكية، وكذلك ضرائب الكمارك والمنافذ الحدودية التي تقدر وارادتها السنوية بالتسعة مليارات دولار، وكذلك موارد دوائر ضريبة العقارات وغيرها، فهذه الاموال لا احد يعرف اين تذهب سوى قوى وأحزاب ومليشيات النظام.

كذلك فان رواتب ومخصصات الرئاسات الثلاث، والبرلمانيين والوزراء والمدراء العامين واعضاء الحكومات المحلية ومجالس المحافظات، والوكلاء ورؤساء الهيئات المستقلة، كل هؤلاء يحصلون على حصة الأسد من ميزانية الدولة في العراق. بالإضافة الى عمليات الفساد والسرقة القائمة على قدم وساق والمتزايدة يوما بعد اخر، تؤدي هي الاخرى الى ذهاب مليارات الدولارات في حسابات المسؤولين والمتنفذين من اقطاب النظام الحاكم كل عام. واخرها ما تم كشفه من سرقة لأموال الضرائب والتي قدرت بأكثر مليارين ونصف المليار دولار، وهذه السرقة واحدة من مئات بل والاف السرقات التي لم يكشف عنها.

ان التضخم الحاصل في اسعار السلع والبضائع والخدمات، يجعل من رواتب الموظفين وخصوصا من الدرجات الدنيا، وممن يتسلمون اعانات الرعاية الاجتماعية او من المتقاعدين لا تسد ابسط احتياجاتهم الأساسية، لذلك فان عمليات مطالبتهم بإقرار سلم جديد للرواتب لم تأتي من فراغ، انما بسبب عدم قدرتهم على توفير متطلباتهم ومتطلبات عائلاتهم.

وتعد حركة الاحتجاجات والاضرابات التي يقودها العمال والموظفين من اجل اقرار سلم رواتب جديد هي احدى ميادين الصراع الطبقي داخل المجتمع، وهذه الحركة بالإضافة الى حركات الخرجين والمعطلين المطالبين بالتعيين، وغيرهم من المعترضين، احدى تجليات هذا الصراع، واذا ما استطاعت هذه الحركات تنظيم نفسها فلن تستطيع اية قوة الوقوف بوجهها.

من حيث المبدأ فان لكل مواطن الحق ان يعيش برفاهية، وان يجد عملا، وان يكون له مسكن وان يتمتع بخيرات الانتاج الاجتماعي، والدولة هي المسؤولية عن توفير هذه الحقوق. لكن الدولة البرجوازية في العراق عملت على حرمان الغالبية من هذه الحقوق، وهذا يعني ان حركة المطالبة بسلم رواتب جديد سوف تستمر وتتطور، ولن تتوقف بهذا الاجراء الترقيعي او ذاك.

من جانب اخر وحتى وان تم اقرار سلم رواتب جديد؛ وهو مطلب عادل وضرورة ملحة في الوقت الراهن، لكن التفاوت الطبقي سيبقى قائما ويتعمق، خصوصا مع سياسات الحكومات المتعاقبة التي تتبنى النهج الليبرالي الجديد، وتعمل بكل طاقتها من اجل تخلي الدولة عن مسؤولياتها.

ان الحقوق تؤخذ ولا تعطى كما يقولون وما على الموظفين والعمال المطالبين بسلم رواتب يلبي احتياجاتهم، وكل المعطلين المطالبين بالتعيين، سوى التخلي عن أوهام ان هذا النظام قابل للإصلاح، ويمكنه حلحلة الازمات التي تؤثر على حياتهم ومعيشتهم ومعيشة اطفالهم، فجذر هذه الازمات والمشكلات ترتبط بطبيعة هذا النظام البرجوازي الذي يقوم في جوهره على الاستغلال، ولن يتم الخلاص من كل هذه الازمات والمشكلات سوى بالخلاص من النظام نفسه.

#جلال_الصباغ