ال100 الف دينار منحة ام محنة


جلال الصباغ
الحوار المتمدن - العدد: 7185 - 2022 / 3 / 9 - 21:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يعاني اغلب المواطنون في العراق من اوضاع معيشية صعبة ومتدهورة بسبب السياسات الاقتصادية التي تعمل عليها الحكومات المتعاقبة منذ الاحتلال الامريكي للعراق ولغاية الان، فنسب الفقر والبطالة في تزايد مطرد، ومستوى الخدمات الصحية والتعليمية المقدمة في تدهور متواصل، والخدمات الاساسية الاخرى من كهرباء وماء، لا تزال على حالها، ورغم كل شعارات الاصلاح التي يتغنى بها اقطاب النظام الا ان الواقع يثبت ان الاوضاع المعيشية تسير من سيء الى اسوء.

ان اسعار المواد الاساسية في ارتفاع متواصل، يقابلها انخفاض في القدرة الشرائية للمواطنين. وقد اطلقت حكومة مصطفى الكاظمي منحة المئة الف دينار لذوي الدخل المحدود من اجل مواجهة الغلاء في المعيشة، الناتج عن خفض قيمة الدينار امام الدولار، وكذلك بسبب ارتفاع اسعار البضائع عالميا، واستغلال التجار للاوضاع ورفع الاسعار على اهوائهم دون اية اجراءات للحد من هذه الزيادة.

يعد تبني سياسات اقتصادية تعتمد نهج الليبرالية الجديدة، الذي تعمل عليه الحكومات المتعاقبة، الاساس في خنق المواطن وتكبيله والسير به نحو الخضوع الكامل لمتطلبات المؤسسات المالية العالمية، والقبول بهيمنة فئة صغيرة من الساسيين والتجار، الذين يعتمدون النهب والعمالة كأسلوب للبقاء على رأس السلطة في العراق. فجميع القوى المشكَلة للنظام السياسي الحاكم في البلاد رغم اختلافاتها الفكرية والايدولوجية، ورغم تبعية كل قوة من هذه القوى الى جهة اقليمية او عالمية، الا انها متفقة على شكل النظام الاقتصادي، والذي يعني بالمحصلة النهائية انهاء الصناعة والزراعة ورفع يد الدولة عن دعم الصحة والتعليم وضمان البطالة، والسير بالبلاد نحو طريق الخصخصة، ما يعني المزيد من الفوارق الطبقية والمزيد من الفقر والبؤس.

يتوقع مراقبون ان يصل سعر برميل النفط الى 180 دولارا للبرميل الواحد وربما يتجاوز الـ200 دولار او حتى اكثر، رغم ان ميزانية العام الحالي في العراق قد بنيت على اساس 45 دولار للبرميل، الا ان الجميع يعلم ان الزيادة المترتبة على ارتفاع اسعار النفط ستذهب الى حسابات القوى المهيمنة على المشهد السياسي، ولن ينال منها المواطن سوى المزيد من الافقار والبطالة، ولن تكفي المئة الف دينار التي ستوزعها حكومة الكاظمي على بعض المفقرين سوى لشراء كيس من الطحين وبضعة قناني زيت من النوعية الرديئة لشهر واحد فقط، ومن ثم ماذا بعد؟ ماذا يأكل المواطنون بقية اشهر السنة؟

ان مسرحية المنحة المالية التافهة التي ستوزع خلال الشهر الحالي، ما هي الا محاولة لامتصاص الغضب الجماهيري العارم الذي يعتمر داخل قلوب وصدور المواطنين وهم يشاهدون ثرواتهم واستحقاقاتهم بيد شلة من اللصوص والبلطجية والمليشيات، التي ترعاها وتتحكم بها القوى الاقليمية والدولية، وليس اسلوب امتصاص الاعتراض الجماهيري ينحصر فقط بمنحة الشهر الواحد، انما اسلوب القتل والتهديد والارهاب، لا يزال متواصلا فقمع المحتجين على غلاء المعيشة وارتفاع الاسعار في بابل، هدفه ايصال رسائل مبكرة لكل من يحاول الاعتراض على هذه السياسات فإن مصيره الموت او التعويق، فليس لأحد الحق بالاعتراض، ما دام وزير المالية ورئيس الوزراء وزعماء المليشيات يتخوفون من العودة الى اسعار الدولار السابقة، ويخشون من تدخل الدولة في اوضاع السوق، ويعارضون اي شكل من اشكال دعم القطاعات الصحية والتعليمية والخدمية الاخرى من ماء وكهرباء وطرق وغيرها، لان رعاتهم وداعميهم وكذلك صندوق النقد والبنك الدوليين، سيأخذون على خاطرهم من هذه التدخلات، ولأن مصالح الرأسمال العالمي تحتم عدم بناء اي مصنع او اية جامعة او مدرسة حكومية، كما تفرض عدم تعيين اي احد على القطاع العام، بل من الافضل بقاء التجار متحكمين بغذاء الملايين ومعيشتهم! هذه هي اصلاحات حكومة الكاظمي ومن خلفها القوى السياسية الدينية والطائفية المتحكمة بالمشهد.

ان الواقع اليومي للشعب في العراق يزداد صعوبة يوما بعد اخر، وما اعترضت عليه الجماهير ابان انتفاضة اكتوبر في 2019- 2020 لا يزال قائما بل ان جوانب الحياة المختلفة تزداد بؤسا وقتامة بدرجات اكبر، يقابله الاصرار على الاستمرار بالمشروع النيو ليبرالي من قبل السلطة. وهذا الواقع المتدهور يحمل في داخله بوادر الثورة على كل اشكال الظلم والاستغلال في قادم الايام.