أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - من يملك الإكراه في العراق ؟ (2/2)














المزيد.....

من يملك الإكراه في العراق ؟ (2/2)


مالك الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8572 - 2025 / 12 / 30 - 10:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إذا كان الجزء الأول قد فكّك وهم “القرار” في ملف نزع السلاح، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو الأكثر حساسية وخطورة: من يملك الإكراه في العراق؟ فالدولة، في تعريفها السياسي الحديث، لا تُقاس بعدد بياناتها ولا ببلاغة خطابات مسؤوليها، بل بقدرتها على فرض قراراتها، واحتكار القوة، ومعاقبة من يخرج عنها. وعند إسقاط هذا المعيار على الحالة العراقية، يتضح أن الإشكال لا يكمن في غياب النية، بل في غياب الفاعل القادر على الفرض.
تظهر هذه الحقيقة بوضوح عند التمعّن في خطاب الفصائل المسلحة نفسها. فبدل أن تعكس هذه الخطابات استعدادًا للتنازل أو القبول بسلطة الدولة، فإنها تكشف عن منطق موازٍ يرى في السلاح مصدر شرعية، وفي التهديد أداة تفاوض. وحين يخرج زعيم فصيل مسلح ليهاجم الولايات المتحدة بلهجة فجة، ويوجّه في الوقت نفسه رسائل مبطّنة للحكومة العراقية وللقوى السياسية الشيعية، فإن ذلك لا يُقرأ بوصفه انفعالًا عابرًا، بل باعتباره إعلانًا واضحًا عن ميزان القوة الحقيقي: من يملك القدرة على التهديد، يملك القدرة على التعطيل، وربما على الفرض.
من هنا، يصبح الحديث عن “موافقة الفصائل على نزع سلاحها” طرحًا غير واقعي. فالقوة التي تقبل بنزع سلاحها طوعًا هي قوة مهزومة أو قوة اندمجت كاملًا في الدولة. أما في الحالة العراقية، فنحن أمام فصائل لم تُهزم عسكريًا، ولم تُفكّك سياسيًا، ولم تُجفّف مواردها الاقتصادية. وبالتالي، فإن أي حديث عن موافقة، إن وُجد، لا يمكن فهمه إلا في إطار تنازل تكتيكي أو إعادة تموضع مرحلية، لا في إطار قبول نهائي بالاحتكام إلى الدولة.
ويزداد المشهد تعقيدًا عند طرح السؤال العملي الذي غالبًا ما يتم تجاهله: لمن سيُسلَّم السلاح؟
هل للحكومة العراقية؟ أم للحشد الشعبي؟ أم لجهة هجينة بين الاثنين؟
فإذا قيل إن السلاح سيُسلَّم للدولة، فإن السؤال التالي يكون مباشرًا: أي دولة؟ دولة قادرة على فرض سيطرتها على مؤسساتها، أم دولة مخترقة جزئيًا بنفوذ هذه الفصائل نفسها؟ أما إذا كان التسليم للحشد الشعبي، فإننا نكون عمليًا أمام نقل للسلاح داخل الفضاء ذاته، لا أمام نزع حقيقي له.
وهنا تتكشّف إحدى أكبر مفارقات الخطاب الرسمي: الإصرار على اعتبار الحشد الشعبي جزءًا من الدولة، وفي الوقت نفسه التعامل معه ككيان مستقل له خصوصيته وتسوياته الخاصة. فالحشد، وإن كان نظريًا خاضعًا للقائد العام للقوات المسلحة، إلا أنه عمليًا يحتفظ ببنية تنظيمية، واقتصاد موازٍ، ونفوذ سياسي يتجاوز منطق المؤسسة العسكرية التقليدية. وبذلك، فإن أي دمج للفصائل داخل الحشد لا يحل المشكلة، بل يعيد إنتاجها بصيغة قانونية مموّهة.
أما خيار دمج المسلحين داخل الجيش العراقي، فيبدو على الورق حلًا جذريًا، لكنه في الواقع محفوف بالمخاطر. فالدمج الحقيقي يفترض تفكيك الولاءات السابقة، وإخضاع الأفراد لسلسلة قيادة واحدة، وتجريدهم من التنظيمات التي ينتمون إليها. لكن التجربة العراقية تُظهر أن ما يُطرح غالبًا هو دمج شكلي، يُبقي الكتل متماسكة داخل المؤسسة، بما يحوّل الجيش نفسه إلى ساحة توازنات، لا إلى أداة احتكار للقوة.
ولا يقلّ إشكال نوع السلاح أهمية عن إشكال الجهة التي يُسلَّم لها. ففي كثير من التسويات الهشّة، يجري التركيز على نزع السلاح الثقيل أو الظاهر، بينما يُترك السلاح الخفيف، وشبكات التعبئة، والقدرة على السيطرة المحلية دون مساس. وفي هذه الحالة، لا يكون نزع السلاح سوى إجراء رمزي، يُستخدم لإقناع الخارج بوجود تقدّم، بينما تبقى أدوات الإكراه الفعلية حاضرة في الداخل.
النتيجة النهائية لكل ذلك واضحة، وإن كانت غير مريحة: الإكراه في العراق ليس حكرًا على الدولة. إنه موزّع، متنازع عليه، ويُدار عبر شبكات نفوذ تتداخل فيها السياسة بالسلاح بالاقتصاد. وفي ظل هذا الواقع، يصبح الحديث عن نزع السلاح حديثًا عن إدارة توازنات القوة لا عن استعادتها من قبل الدولة.
لهذا، فإن جوهر الأزمة لا يكمن في عدد القطع التي ستُسلَّم، ولا في البيانات التي ستُصدر، بل في سؤال لم تُجب عنه العملية السياسية منذ 2003: هل العراق دولة تحتكر العنف المشروع، أم نظام سياسي يقوم على تعددية مسلحة تُدار بالتسويات؟
ما لم يُحسم هذا السؤال، ستبقى كل محاولات نزع السلاح تدور في الحلقة نفسها.
وما يُسمّى اليوم نزعًا للسلاح، ليس سوى إعادة توزيع للهيمنة داخل دولة منقوصة السيادة.



#مالك_الجبوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وهم نزع السلاح في العراق (1/2)
- صومالي لاند في سياق النفاق البنيوي للنظام الدولي
- أوروبا تحت الضغط: من فشل الاندماج إلى تشديد القوانين على الد ...
- العراق ..... حين يصبح السؤال عن الحاكم بلا جدوى
- حين يستعيد العقل مكانته: تفكيك سلطة النص ومسارات النقد الدين ...
- من علي الوردي إلى قيس الخزعلي: حين يهاجم الوهمُ علمَ الاجتما ...
- العنف الشيعي والعنف السني: تشابهات عميقة خلف الانقسام المذهب ...
- عندما تتردد الدولة: قراءة في إلغاء قرار تجميد أموال حزب الله ...
- العراق بين الدولة والمحاور: خطوة جريئة قد تغيّر قواعد اللعبة
- كاظم الحائري، نظرية الكفاح المسلح، والانتظار المهدوي – قراءة ...
- لا يهم أن كنت فقيرًا في الدنيا… كيف تُستخدم اللغة الدينية لإ ...
- الحرب على الفرح في العراق: حين يتحوّل التحريم إلى مشروع سلطة
- «المسلم في أوروبا: قراءة في التوترات العميقة للاندماج»
- خطاب أحمد البشير: كيف تتحوّل السخرية إلى أداة لقراءة الواقع ...
- ظاهرة احمد البشير: كيف تحوّل الإعلام الساخر إلى قوة نقدية في ...
- الإعلام العراقي بعد 2003: كيف تغيّر المجال العام؟
- العراق 2025: تحليل نقدي لثبات المنظومة الحاكمة وحدود التغيير ...
- الجولاني في البيت الأبيض... نهاية زمن الشيطان وبداية زمن الت ...
- البرامج الحوارية السياسية في العراق: أزمة الخطاب الإعلامي وت ...
- حين تُصبح الجنة برنامجًا انتخابيًا: قراءة في تسييس المقدّس ب ...


المزيد.....




- هل تلقى مُتهما هجوم شاطىء بوندي تدريبات في الفلبين؟ الشرطة ا ...
- أنور قرقاش يعلق على رد الإمارات تجاه بيان السعودية بشأن اليم ...
- وزارة الدفاع الإماراتية تعلن إنهاء تواجد -ما تبقى من فرقها ل ...
- اليمن.. أعضاء في -القيادة الرئاسي- يرفضون قرارات العليمي الأ ...
- كيف ترون أداء الفرق العربية في كأس أمم أفريقيا بالمغرب؟
- رغم معارضة إسرائيلية.. ترامب يدرس بيع مقاتلات -F-35- المتطور ...
- بقيمة 8.6 مليارات دولار.. البنتاغون يعلن صفقة مع بوينغ لتزوي ...
- التوتر يتصاعد: مناورات صينية حول تايوان لليوم الثاني
- سوريا: حظر تجول في اللاذقية إثر أعمال عنف في أحياء ذات غالبي ...
- التحالف بقيادة السعودية يستهدف أسلحة قادمة من الإمارات


المزيد.....

- صفحاتٌ لا تُطوى: أفكار حُرة في السياسة والحياة / محمد حسين النجفي
- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - من يملك الإكراه في العراق ؟ (2/2)