أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين يُنقِذ الفنُّ الذاكرة من الركام.














المزيد.....

حين يُنقِذ الفنُّ الذاكرة من الركام.


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 16:44
المحور: قضايا ثقافية
    


ليس الفن ترفًا عابرًا في حياة المدن، بل هو ذاكرتها الحيّة، صوتها الخفيّ حين تخفت الأصوات، ومرآتها التي لا تجامل القبح ولا تهادن الخراب. ومن ديالى، هذه المدينة التي تعلّمت كيف تمشي على جراحها دون أن تفقد ملامحها، تنهض حكاية نقابة الفنانين العراقيين فرع ديالى بوصفها فعلَ مقاومةٍ جمالية في زمنٍ كان يُراد فيه للفن أن يُقصى، وللألوان أن تُدفن، وللمسرح أن يتحوّل إلى منبر بكاء لا خشبة وعي.بعد السقوط، لم يسقط كل شيء دفعة واحدة، لكن الفن كان من أوائل الضحايا. عانى الفنانون في ديالى كما عانى غيرهم من تهميشٍ متعمّد، من إقصاءٍ مُمنهج، من إغلاق أبواب الدعم، ومن محاولات سافرة لتسييس الإبداع، وتحويل النقابات الثقافية إلى منصّات طائفية تُدار بعقلية المناصب لا بروح الفن. كان المشهد قاتمًا إلى حدّ أن بعضهم حاول أن يجعل من المسرح منبرًا للحزن المؤدلج، وأن تُسمّى المهرجانات بأسماء لا تمتّ للفن بصلة، وكأن المطلوب أن يُجرَّد الفنان من جوهره، وأن يُستبدل الخيال باللطم، والجمال بالشعار.لكن ديالى، كما عرفناها دائمًا، لا تستسلم طويلًا. فوسط هذا الركام، وُلدت لحظة مختلفة، لحظة يمكن وصفها بولادة ثانية للنقابة، حين تسلّم الفنان المبدع الكبير عدنان بن أحمد مهام نقيب الفنانين في ديالى. لم يأتِ بخطاباتٍ رنّانة، ولا بوعودٍ هوائية، بل جاء بفعلٍ هادئٍ وعميق، بدأ من الصفر، من إعادة إعمار مقر النقابة، من جمع الفنانين في مكان واحد، من ترميم ما تهدّم في النفوس قبل الجدران، ومن إعادة تعريف النقابة بوصفها بيتًا لا مكتبًا، وذاكرة لا لافتة.في زمنٍ كانت فيه الرياح معاكسة، استطاع عدنان بن أحمد أن يجعل من النقابة واجهة فنية حقيقية لأهالي ديالى، وصوتًا في وجه العزلة، ومنصةً تقول إن الفن ما زال هنا، حيًّا، قادرًا على التنفّس رغم كل التحديات. لم تكن مهمته سهلة، فهناك من حاول التفتيت من الخارج، ومن سعى إلى إرباك المشهد، ومن لم يحتمل فكرة أن يعود الفن حرًّا غير خاضع للوصاية، لكن تلاحم الفنانين في ديالى، وتكاتفهم، وإيمانهم بأن النقابة لهم وليست عليهم، أعاد بناء المعنى، وحرّر الوجدان من الخوف، وأعاد الثقة إلى يدٍ كانت ترتجف من طول الإقصاء.وما يبعث على الفرح الحقيقي، ذلك الإصرار العنيد على الحضور في الفضاء الرقمي أيضًا، حين أُسِّس موقع النقابة رغم الظروف، ورغم التيارات التي حاولت – وما زالت – أن تعرقل كل خطوة إلى الأمام. في زمنٍ صار فيه الوجود الإعلامي جزءًا من الوجود الثقافي، كان هذا الفعل بمثابة إعلان: نحن هنا، نكتب تاريخنا بأيدينا، ولا ننتظر من يمنّ علينا بالضوء.لقد أصبحت ثنية عدنان بن أحمد علامةً فارقة في حياة هذا التاريخ الفني الديالي بعد عام 2003، ليس لأنه شغل منصبًا، بل لأنه أعاد النقابة إلى واجهتها الإعلامية والثقافية، عبر إقامة المهرجانات الفنية، وتفعيل الحضور المسرحي، وتنظيم المعارض، وفتح أبواب الأمسيات الفنية، لتعود ديالى مدينةً تسمع فيها الموسيقى، وتُرى فيها اللوحة، ويُحترم فيها الممثل، ويُصغى فيها إلى صوت الفنان بوصفه ضميرًا لا زينة.
وما كان المعرض التشكيلي السنوي الأخير لفناني ديالى، بمشاركته الواسعة وحضوره اللافت، إلا تتويجًا لمسار طويل من العمل الصامت، ودليلًا على أن الفن حين يُمنح فرصة، يدهش الجميع. إلى جانب ذلك، عاد المسرح ليتنفّس، وتفاعلت الأنشطة المتعددة، وكأن المدينة تستعيد لغتها التي كادت تُنسى.من هنا، ومن موقع المسؤولية الثقافية، نهيب بالسيد محافظ ديالى أن ينزل إلى متطلبات المثقف الديالي، وأن يرى في دعم الفن استثمارًا في الوعي لا عبئًا على الموازنة. إن تخصيص مبالغ حقيقية، وتوفير فندق لاستضافة الضيوف، ودعم الأنشطة الفنية، ليس ترفًا، بل ضرورة حضارية. ونؤكد، وبإصرار الحالمين، على ضرورة بناء مسرح ديالى، هذا الحلم الذي يسكن قلوب الفنانين والأدباء، والذي لا يساوي جزءًا يسيرًا مما هُدر من أموال في أحضان الفساد في ديالى وغيرها.
ادعموا الفن، لأنه آخر ما تبقّى لنا لنقاوم القبح، واشكروا نقيب الفنانين في ديالى على هذا الإنجاز المفرح، لأنه أثبت أن الفرد حين يؤمن، والجماعة حين تتلاحم، يمكن أن يولد الجمال حتى من قلب العتمة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرق الأوسط… حين تمشي الجغرافيا على حافة الفلسفة.
- بيان الكلاب
- عند تخوم الضوء
- نص قصيدة -شَرْخ- لحامد الضبياني من واقعة عاطفية إلى بنية وجو ...
- عذابُلتي حين تعلّمتُ أن أكتب على شواهد الموت.
- شَرْخ
- أسطورة التقدّم: هل يتطوّر الإنسان أم تتطوّر أدوات السيطرة عل ...
- الجمجمة الأولى
- قَرِّبْ خُطاكَ
- عندما يرتدي القاضي خوذةً… وتصبح الدولة حاشيةً في بلاط السلاح ...
- إيطاليا… حين تتكلّم الحضارة لغة الشعر
- الصقور لا تستأذن الذباب: محمد صبحي في مواجهة إعلام الرداءة
- حين تُحاسَب السلطة ولا تُحاصَر الأرض
- بعيدُها
- سعدون شفيق سعيد حين يتكلم البركان بصوت الحكمة
- العالم على حافة إعادة التشكيل
- مرآة الغبار
- ريما…
- تسرق المقاومة اسمها وتُهان القيادة..
- فيضُ العشق


المزيد.....




- أخفوا الزبائن بغرف القياس.. إليك ما حدث بمركز تسوق بعد تحول ...
- فتى بعمر 16 عامًا ينقذ والده بعد انهياره وفقدان الوعي فجأة ع ...
- مصر تنهي 2025 بأوسع دورة تيسير نقدي بعد خفض الفائدة 7.25%
- كأس الأمم الأفريقية: الجزائر تضمن التأهل إلى ثمن النهائي إثر ...
- الجزيرة تكشف عن تحالف إسرائيلي إثيوبي للسيطرة على البحر الأح ...
- -من يفتقد الشرعية لا يملك حق منحها-.. نشطاء ينتقدون اعتراف إ ...
- معاريف: الاعتراف بأرض الصومال يعزز قدرات إسرائيل على مواجهة ...
- إيران 2025: ضربة أميركية تدمر المنشآت النووية وأزمات داخلية ...
- تسلسل زمني لأهم أحداث الساحل السوري في 2025
- تايم: تراجع حاد في شعبية ترامب وهذه هي الأسباب


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين يُنقِذ الفنُّ الذاكرة من الركام.