أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الشرق الأوسط… حين تمشي الجغرافيا على حافة الفلسفة.














المزيد.....

الشرق الأوسط… حين تمشي الجغرافيا على حافة الفلسفة.


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 21:23
المحور: قضايا ثقافية
    


في هذا الزمن المتشقق، لا يعود الشرق الأوسط خارطةً تُقرأ، بل سؤالًا مفتوحًا على الاحتمالات، سؤالًا يكتب نفسه بالحبر والدم معًا، وتكون بغداد فيه نقطة فاصلة بين ما كان وما يُراد له أن يكون. هنا، لا تتشكّل الحكومات بقدر ما تتكوّن التوازنات، ولا تُقاس السيادة بحدودها الدستورية، بل بمقدار ما يُسمح لها أن تتنفس في رئةٍ مزدحمة بأنفاس الآخرين. العراق، وهو يقف على مفترق التبدلات الإقليمية، يبدو كمرآةٍ كبيرة تعكس صراع القوى أكثر مما تعكس ملامح أبنائه، وكأن السياسة فيه لم تعد فعل إدارة، بل طقس انتظارٍ طويل لقرارٍ يأتي من خارج الغرفة.في عمق المشهد، تتحرك المنطقة على إيقاع تصعيدٍ محسوب، ردعٍ بارد، وضغوطٍ اقتصادية تُدار كحربٍ صامتة. الولايات المتحدة لا تلوّح بالسلاح بقدر ما تشدّ الخناق على الموارد، وتعيد تعريف النفوذ بلغة الدولار، لا بلغة الدبابات. أما إيران، فتقف عند تخوم هذا الخناق، تحاول أن تُمسك بخيوطها الإقليمية عبر الحلفاء والملفات المفتوحة، من العراق إلى غيره، مدركةً أن فقدان الساحة العراقية ليس خسارة نفوذ فحسب، بل كسرٌ لعمودٍ استراتيجي يقوم عليه مشروعها في المنطقة.العراق، في هذه المعادلة، ليس متفرجًا بريئًا، ولا لاعبًا حرًا بالكامل. تشكيل الحكومة فيه يتحول إلى امتحان فلسفي لمعنى الدولة: هل هي كيانٌ مستقل قادر على تحييد صراعات الآخرين، أم ساحة عبور تتبدل فيها الحكومات بتبدل الرياح الإقليمية؟ التأثير الإيراني حاضر، ليس كشبحٍ غامض، بل كواقع سياسي واقتصادي وأمني تشكّل عبر سنوات من الفراغ والدم، فيما الضغط الأميركي يتخذ شكله الأكثر قسوة حين يمسّ شريان الاقتصاد، ويعيد ترتيب حركة الدولار، ويقيس الاستقرار بميزان المصارف قبل أن يقيسه بميزان البرلمان.وهنا، يدخل الاقتصاد بوصفه سلاح العصر. ليس صدفة أن تتحول العملة، والتحويلات، والطاقة، إلى أدوات ردع أشد فتكًا من الصواريخ. قطع الشرايين المالية، تشديد القيود، ومحاولة تحييد إيران عبر عزلها اقتصاديًا، كلها مؤشرات على أن المعركة تُدار في غرف الأرقام لا في ساحات القتال. وفي الفلسفة السياسية، حين يُحاصر الاقتصاد، تبدأ الأنظمة بالارتجاف من الداخل، لأن الجوع لا يحتاج إلى خطاب أيديولوجي ليقنع الناس بالاحتجاج، ولا يحتاج إلى عدو خارجي ليكشف هشاشة الداخل.الحديث عن ضربة تُسقط نظامًا ليس نبوءة بقدر ما هو استعارة عن لحظة الانكسار المحتملة، تلك اللحظة التي تتراكم فيها الضغوط إلى حدّ يجعل النظام يواجه ذاته قبل أن يواجه خصومه. الولايات المتحدة، وهي تلوّح بخيارات الردع، تراهن على الزمن والاختناق، لا على الحرب الشاملة، لأن الحرب، في حسابات الإمبراطوريات المتعبة، أصبحت آخر الحلول لا أولها. أما إيران، فتراهن على الصبر، وعلى قدرتها على الالتفاف، وعلى أن المنطقة لا تحتمل انفجارًا كبيرًا آخر.وفي قلب هذا الشدّ والجذب، يقف العراق ككائنٍ فلسفي منهك، يُطلب منه أن يكون دولة كاملة وهو ما زال يبحث عن تعريفٍ واضح لمعنى الدولة. إذا نجحت الحكومة المقبلة في تحييد النفوذ الخارجي، لا عبر العداء بل عبر التوازن، فقد يفتح ذلك نافذة أمل صغيرة في جدارٍ سميك. أما إذا استمرت اللعبة على حالها، فإن العراق سيبقى ساحة اختبار للآخرين، يدفع ثمن صراعات لا يملك قرار إشعالها ولا قرار إطفائها.
الشرق الأوسط اليوم لا يسير نحو نهاية، بل نحو تحوّل. والتحوّل، في التاريخ، لحظة خطرة ومثمرة في آن واحد. العراق، إن أحسن قراءة هذه اللحظة، قد يتحول من مرآة للصراع إلى عقلٍ للتوازن، ومن ساحة نفوذ إلى مساحة سيادة. أما إذا أخفق، فسيظل السؤال معلقًا في سماء السياسة: هل كُتب على هذه الأرض أن تكون دائمًا قلب العاصفة، أم أن لها يومًا آخر، أكثر هدوءًا، تُكتب فيه السياسة بوصفها فنّ الحياة، لا فنّ البقاء؟



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان الكلاب
- عند تخوم الضوء
- نص قصيدة -شَرْخ- لحامد الضبياني من واقعة عاطفية إلى بنية وجو ...
- عذابُلتي حين تعلّمتُ أن أكتب على شواهد الموت.
- شَرْخ
- أسطورة التقدّم: هل يتطوّر الإنسان أم تتطوّر أدوات السيطرة عل ...
- الجمجمة الأولى
- قَرِّبْ خُطاكَ
- عندما يرتدي القاضي خوذةً… وتصبح الدولة حاشيةً في بلاط السلاح ...
- إيطاليا… حين تتكلّم الحضارة لغة الشعر
- الصقور لا تستأذن الذباب: محمد صبحي في مواجهة إعلام الرداءة
- حين تُحاسَب السلطة ولا تُحاصَر الأرض
- بعيدُها
- سعدون شفيق سعيد حين يتكلم البركان بصوت الحكمة
- العالم على حافة إعادة التشكيل
- مرآة الغبار
- ريما…
- تسرق المقاومة اسمها وتُهان القيادة..
- فيضُ العشق
- أزهار السيلاوي… نخلة البصرة التي كتبت تاريخها بالحبر والضوء


المزيد.....




- إسرائيل -تسخر- من رفض الخارجية الفلسطينية -الاعتراف بصومالي ...
- روسيا تقصف كييف بمسيرات وعشرات الصواريخ قبل اجتماع زيلينسكي ...
- أرض الصومال.. جذور النشأة والخلاف مع دولة الصومال
- ارتفاع شهداء وجرحى خروقات إسرائيل لوقف إطلاق النار بغزة
- -مسار الأحداث- يناقش القضايا التي يتوقع أن يبحثها نتنياهو مع ...
- -خلقت ثروة طائلة-.. ترامب يعدد فوائد الرسوم الجمركية على زيا ...
- بوتين يقول إنه غير مستعجل وزيلينسكي يوضح -الخطوط الحمراء-
- أوغندا تضيع فوزا ثمينا بعد هدر ضربة جزاء وتكتفي بالتعادل 1-1 ...
- الاتحاد الأوروبي يحث على احترام -وحدة وسيادة- الصومال إثر اع ...
- شاهد.. انتشال جثمان طفل غرق في بئر بعد محاولات لإنقاذه بغزة ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الشرق الأوسط… حين تمشي الجغرافيا على حافة الفلسفة.